الغاز الطبيعي يأتي كأول متطلبات توسيع قطاع البتروكيماويات، ويعد توسيع هذا القطاع نقاشا طال قديما وحديثا، وتنوعت المطالبات بحسن تدبيره والعمل الجاد على استغلال فرص تنميته واستثماره، وعدم الركون إلى فورة أسعار النفط، فهي سحابة صيف عما قليل ستنقشع، فضلا عما يظهره العالم المتحضر من تحفظ شديد على استعمال النفط كوقود لتوليد الطاقة، بل ذهب الكثير من أهل الاختصاص إلى أهمية توجيه قدر كاف من مردود النفط في بناء استراتيجية واضحة في تركيز التوجه نحو اعتبار الغاز والبحث عن مصادره إحدى أهم ركائز التنمية المستدامة في المستقبل، واليوم وفي ظل “رؤية 2030” أضحى من الواجب على صناع القرار لتحقيق أهداف هذه الرؤية في مجال الطاقة وأن يكون من ضمن أول الاهتمامات التوجه الجاد نحو تعميق البحث والتنقيب عن موارد للغاز أغنى، وهو ما نراه حاليا في مشاريع “أرامكو السعودية” ولكن سوف يكون هناك نقص في الغاز إلى حين الانتهاء من هذه المشاريع خلال السنوات العشر المقبلة يجب أن نواجهه بالبحث عن سبل تكامل بين دول الخليج للاستفادة من القدرة الهائلة لها في مجال الغاز.
الغاز الطبيعي وقود هذه المرحلة المثالي لتوليد الكهرباء، وصديق البيئة، ومن المتوقع أن يرتفع استهلاك دول الخليج العربي من الغاز بحلول عام 2030 إلى مستوى استهلاك دول شمال غرب أوروبا، وذلك بسبب الزيادة في السكان وحاجتهم إلى الطاقة، وكذلك الاستخدامات الصناعية. وكما ذكر سابقا، فإنه بالرغم من أن تعداد سكان دول مجلس التعاون الخليجي يقل عن ربع تعداد السكان في الدول الأوروبية المعنية، والذي يتوقع أن يصل إلى 271 مليون نسمة بحلول عام 2030، مقارنة مع 60 مليون نسمة فقط المتوقعة لتعداد سكان دول مجلس التعاون في العام نفسه. ومن المتوقع زيادة الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال كما هو موضح في الشكل الأول.
ولا شك أن هناك خطوات سبقت في هذا المجال كان من أهمها دعم الموارد الأولية الذي استفادت منا شركات البتروكيماويات السعودية في الفترات الماضية، وقد كانت هذه الخطوات كتمهيد لتوفير بدائل للنفط، غير أن الخطوة رغم أهميتها لم تكن بالقدر الكافي لصناعة الفرق في دولة تستهلك قدرا مهولا من النفط في توليد الكهرباء وحدها، لذلك نرى تحويل اعتماد قطاع الكهرباء إلى الغاز والطاقة المتجددة كي نستطيع زيادة صادراتنا النفطية حتى دون زيادة الإنتاج.
وفي ظل هذا التوجه، رفعت المملكة أسعار الغاز على قطاع البتروكيماويات للمواد الخام من 0.75 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (BTUs) إلى 1.75 دولار للإيثان و 1.25 دولار للغاز الميثان. وإن قال بعض مراقبي ومحللي أسواق الغاز إن هذه الأسعار ليست ببعيدة عن أسعار الغاز الطبيعي في أمريكا خصوصا عندما انخفضت أسعار الغاز الطبيعي الأمريكي لشهر أبريل المنصرم في مؤشر هنري هاب للعقود الآجلة في لويزيانا إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1995، حيث بلغ متوسطها 1.90 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، إلا أن تسعيرة الغاز في دول الخليج تربط غالبا بأسعار النفط ما يجعلها زهيدة جدا ويفقدها القدرة التنافسية العالمية.
لذلك أصبح من غير المناسب رغم كل التطورات التي حصلت، وما وقع من تحولات طالت جميع قطاعات الطاقة أن نستمر في تطبيق المنهج القديم نفسه ببيع غازنا محليا للصناعات المختلفة بأسعار زهيدة لا تتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية، وإن كان هناك من ينادي إلى ضرورة استيراد الغاز الطبيعي لتلبية احتياجات مصانع البتروكيماويات. وعلى الرغم من الضغوط الاقتصادية من انخفاض أسعار النفط، إلا أن المملكة ما زالت تدعم قطاع البتروكيماويات كأولويات لتطوير قطاع الغاز لتلبية الطلب المحلي إضافة إلى الحاجة الملحة إلى إنتاج كميات إضافية من الغاز لمواجهة احتياجات المملكة المتزايدة من حرق النفط الخام، وتوفير المواد الخام لمصانع البتروكيماويات.
المملكة لديها خامس أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم يقدر بـ291 تريليون قدم مكعبة، ولكن لا يزال إنتاج الغاز الطبيعي محدودا خصوصا بعد الحاجة المتوقعة إلى زيادة طاقة توليد الكهرباء إلى 120 جيجاواط بحلول عام 2032 لتلبية الطلب المتزايد بسرعة على الكهرباء. وأيضا تشير التقديرات إلى وجود احتياطيات كبيرة من الغاز الصخري في المملكة، ما يضمن لها مساحة لتكون ضمن مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال، بتقديرات أولية تفوق 600 تريليون قدم مكعبة.
النمو في إجمالي إنتاج الغاز الأمريكي نتج عن الزيادة في تطوير الغاز الصخري، الذي بدأ يفرض نوعا من الضغط على أسواق الغاز الطبيعي بفرض واقع جديد، حيث إن إنتاج الغاز الطبيعي من الغاز الصخري والنفط الصخري وصل إلى نحو نصف مجموع إنتاج الغاز الجاف الطبيعي في أمريكا. ومن المتوقع زيادة الإنتاج من الغاز الصخري والنفط الصخري لتنمو من نحو 14 تريليون قدم مكعبة في 2015 حتى 29 تريليون قدم مكعبة في عام 2040، ليشكل 69 في المائة من إجمالي إنتاج الغاز الطبيعي الجاف في أمريكا عام 2040. وتشمل هذه الفئة الغاز الطبيعي المنتج من تشكيلات النفط الصخري.
وتشير البيانات إلى أن المنتجين الأمريكيين أخذوا من حصة بعض دول الخليج في أسواق الغاز الطبيعي المسال في آسيا وأمريكا الوسطى وأمريكا اللاتينية. إضافة إلى أن وفرة ورخص الغاز الأمريكي سوف تنمي قطاع البتروكيماويات الأمريكي، ويزيد من تنافسيته لدول للخليج خصوصا مع ارتفاع أسعار النفط عندها ستكون صناعة البتروكيماويات الأمريكية هي أكثر المستفيد الأكبر. فنقول لمن يدعو إلى استيراد الغاز الأمريكي، هل يعقل أن ندعم هذا التنافس الأمريكي؟!
وكما هو موضح في الشكلين الثاني والثالث، فإنه ومع ارتفاع الصادرات الأمريكية والأسترالية، كل العيون تتركز على ردة فعل #قطر، التي هي أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال LNG في العالم، والأقل تكلفة، حيث تبيع #قطر نحو ثلاثة أرباع إنتاجها من الغاز المسال، وهو ما يقارب 77 مليون طن متري سنويا عن طريق عقود طويلة الأجل، وهذا يترك ما يقارب 20 مليون طن / سنويا للبيع في الأسواق الفورية SPOT Market ذات الهوامش الربحية الأفضل.
وقطر تتوقع لإرسال شحنات لكل من الشرق والغرب، ولكن تكثيف صادرات الغاز المسال الأمريكي المرنة، من شأنها إيجاد المزيد من المنافسة في السوق الفورية في حوض المحيط الأطلسي، وفي الوقت نفسه من المشاريع الأسترالية الجديدة مثل جورجون ويتستون ستزيد من عدد نقط الشحنات الفورية في آسيا. وستكون منطقة #الشرق الأوسط ساحة منافسة قوية، وهذا ما جعل وزارة #قطر للتنمية والتخطيط تتجه إلى اتباع سياسات تسويقية مبتكرة لحماية حصتها السوقية من الغاز الطبيعي المسال، والاستفادة الكاملة من أسطول الشحن الضخم في البلاد، بدلا من السماح لناقلات الغاز المسال أن تقف مكتوفة الأيدي مع تركيز #قطر غالبا على التسويق على المدى الطويل.
السؤال الدائم هو ما إذا كان لدى #قطر القوة لرفع توقف المشاريع الجديدة الذي بدأ عام 2005 من حقل الشمال؟ على الرغم من أن إيران تصعد إنتاجها في الجانب الخاص بها من هذا المجال نفسه، الذي تسميه حقل جنوب بارس، علما بأن رفع العقوبات الغربية ساعد على تسريع تطوير حقل بارس الجنوبي، وقد جاء ذلك برفع الحصة المخصصة لإيران بسرعة، ومن المقرر أن تصل إلى مستوى التعادل مع إنتاج حقل الشمال القطري بنحو 22 مليار قدم مكعبة في اليوم، أي ما يعادل 227 مليار متر مكعب في السنة في عام 2017.
وإذا كان هناك ضغط على الغاز القطري من المنافسة الإيرانية والأسترالية، ولكن المنافسة الأمريكية هي الأقوى، خصوصا بعد توسيع قناة بنما حتى وإن لم يكن لها أثر يذكر على أسواق النفط ومشتقاته، ولكن من المؤكد أن توسيع القناة سيكون تأثيره أكبر على صادرات الغاز الطبيعي خصوصا لصادرات أمريكا من الغاز الطبيعي المسال إلى آسيا والساحل الغربي لأمريكا الجنوبية. حتى إن كان الموقع الجغرافي للخليج أفضل ولكن تنافس الغاز المسال الأمريكي يكمن في الأسعار لأنه مسعر بناء على سعر الغاز في الأسواق الأمريكية، بينما على الأغلب يتم تسعير الغاز المسال القطري بناء على عقود تربط سعر الغاز المسال بسعر النفط.
قبل توسيع قناة بنما، معظم ناقلات الغاز الطبيعي المسال كانت كبيرة جدا لا يمكن مرورها من خلال أقفال القناة ولكن الآن 90 في المائة تقريبا من ناقلات الغاز الطبيعي المسال سوف تكون قادرة على العبور من خلال القناة. وهذا الأمر سيضع أيضا شرق آسيا في متناول صادرات أمريكا من الغاز الطبيعي المسال، ما يفرض تنافسا كبيرا على صادرات #قطر، حيث أصبحت صادرات الغاز الأمريكي إلى اليابان تستغرق 20 يوما بعد أن كانت تستغرق 34 يوما.
أكبر أربعة مستوردين للغاز الطبيعي المسال LNG في العالم وتمثل وارداتهم الأربعة مجتمعين من الغاز ما يقارب ثلثي واردات الغاز الطبيعي المسال في العالم في عام 2015:
الأول: اليابان 85 مليون طن
الثاني: كوريا الجنوبية 33.4 مليون طن
الثالث: الصين 20 مليون طن
الرابع: تايوان 14.5 مليون طن
وكل مدد رحلات ناقلات الغاز المسال الأمريكية إلى هذه البلدان الأربعة قد خفضت مع توسيع قناة بنما، هذه الخطوة التي قلصت رحلة الشحنات الأمريكية إلى اليابان إلى 20 يوما بعد أن كانت 34 يوما وبطبيعة الحال كذلك إلى كوريا الجنوبية والصين .. وهو ما يقارب مدة الرحلة من #قطر.
فنقول لمن ينادي إلى ضرورة استيراد الغاز الطبيعي الأمريكي لتلبية احتياجات الطاقة ومصانع البتروكيماويات؟! هل ندعم هذا التنافس الأمريكي خارج إطار منظومة التعاون التجاري الخليجي؟! أليس من الأولى أن نستورد الغاز من مناطق قريبة لنا ونكون بذلك ندعم الاقتصاد الخليجي والاستفادة من قدرات الغاز في المنطقة لما في ذلك من أهمية اقتصادية، تحقق بها التكامل الاقتصادي الخليجي المطلوب خصوصا إذا تم الاتفاق على آلية تسعير مناسبة تنافس أسعار مؤشر هنري هاب المنخفضة للعقود الآجلة للغاز الأمريكي؟!”
لا بد أن نواجه مشكلة عدم وجود الغاز الكافي لدعم صناعاتنا المتطورة، كما واجهنا سابقا مشكلة عدم وجود الأراضي لمصانع البتروكيماويات، ومن ثم إنشاء (جبيل 2) المرحلة الأولى والثانية. ويجب أن نوقن أن كثرة التلاوم والرجوع إلى الماضي، وترديد أنه لو كان كذا لم يحصل ما حصل .. لن يقدم في الأمر أكثر من ضياع الوقت وربما الجهد أيضا.
وهنا أنوه إلى أننا لا نحتاج إلى الاستثمار مع شريك أجنبي، وأكثر دليل على الكفاءات السعودية وقدرتها على تحقيق الهدف هو: إنشاء شركات سعودية وطنية 100 في المائة مثل ينساب وكيان والمتحدة وبتروكيميا والصحراء والمتقدمة والتصنيع وكل موظفيها كانوا بالأساس من الكوادر الوطنية في شركة سابك.
هذا من ناحية الكفاءات، أما من ناحية رأس المال، فعندنا تجار ورجال أعمال وموارد مالية وأكبر، مثال على ذلك أن تغطية الاكتتابات تتم بفائض يزيد عن رأس المال المطلوب دائما.
والآن مع النمو أصبحنا مكانا إستراتيجيا في العالم ينظر له كمستقبل مما حدا بشركات عالمية مثل داو وإكسون موبيل وغيرها أن تبحث عن فرص لتوجيه جزء من أعمالها واستثماراتها إلينا.
لماذا لا نبيع الغاز محليا بسعر السوق العالمي؟
فلو قمنا بهذه الخطوة الهامة سيتحقق لنا بخلاف الدخل المادي، فرص عظيمة لتوظيف وتأهيل المزيد من أبنائنا في هذا القطاع الحيوي الواعد، وكذلك زيادة وتطوير البنية الصناعية، ويضاف إلى ذلك كله أننا سنقوم بالاستثمار مما يضمن فوائد للدولة أكبر بكثير من مجرد تقديم الدعم.
وليكن الهدف هو: الوصول لتحقيق مثل نجاحاتنا في مجال النفط حيث وصل الإنتاج 12 في المائة من إنتاج النفط في العالم فلا بد أن يرتفع الجهد وسقف الطموح لننتج نفس النسبة من البتروكيماويات سواء باستيراد الغاز أو دونه. فإذا لم نستفيد نحن من الغاز الطبيعي فسوف يستفيد منه المنافسون لشركات سابك وشركاتنا الأخرى لبناء مصانع أخرى للبتروكيماويات في العالم.