منذ فترة ومع اقتراب نهاية العام، نطرح السؤال فيما إذا كان الاقتصاد العالمي بانتظار أزمة جديدة العام المقبل. لكن في ظل النمو الهش الذي طغى على الأسواق منذ فترة غير قصيرة، وضعف الطلب العالمي، وتدني التضخم، وازدياد علامات الاستفهام حول استمرارية الاتحاد الأوروبي، والأهم تفاقم خطر السياسات الحمائية في ظل الـ”بريكزيت” وفوز دونالد ترمب برئاسة أميركا، هل كان عام 2016 هو عام الأزمة؟

“العالم في وضع صعب، لاسيما أن ترمب الآن لا يؤيد بعض الاتفاقيات التجارية، لذلك بالتأكيد فإن المخاوف موجودة في كل مكان”، هذا ما أكده دافيد بلوم، الرئيس العالمي لاستراتيجية العملات الأجنبية في HSBC في مقابلة خاصة مع “العربية”، لكنه أشار إلى تفاؤل الأميركيين لجهة أنهم كانوا قلقين جداً حيال فوز ترمب مساء يوم الأربعاء 9 نوفمبر المنصرم، غير أنه وبحلول صباح الخميس ظنوا أنه رائع.

في هذا الصدد، أوضح بلوم أن الأسواق المالية تأمل في أن تعزز حزمة التحفيز المالي الكبيرة في الولايات المتحدة الاقتصاد، وتكسر الدورة الانكماشية.

من جهته، وصف كبير الاقتصاديين لدى “ستاندرد تشارترد” الحالة التي يعيشها الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن بالـ boiling frog أو “غلي الضفدع”، وقال ماريوس ماريثفتيس: “إذا وضعنا ضفدعاً في ماء مغلية، يقفز خارج الماء، لكن إن وضعناه في ماء باردة ورفعنا درجة حرارة المياه بشكل تدريجي، الضفدع لن يلاحظ، وهذا حال الاقتصاد العالمي الآن.. ليس هناك أزمة، لكن إذا نظرنا إلى النمو العالمي نجد أنه منخفض جداً ومتوافق مع مستويات نمو الأزمات، وهذه مشكلة، ففي ظل الأزمة يستجيب صناع السياسة، ومن دون أزمة لن يكون هناك استجابة. وهذا أكبر تحدٍّ يواجه الاقتصاد العالمي”.

لكن حتى إذا قررت البنوك المركزية التدخل مرة أخرى في حال دخل الاقتصاد العالمي في أزمة لن تستطيع تحفيز الاقتصاد، فهي طبقت جميع السياسات النقدية التقليدية وبعض السياسات غير التقليدية، حتى في بعض الأحيان تطرقت إلى سياسات جذرية، حيث تقف نسب الفائدة في نحو 12 دولة، من بينها اقتصادات متقدمة وناشئة، قرب الصفر أو في السالب، وبالتالي إذا شهدت الاقتصادات تباطؤاً آخر حتى لو كان طفيفاً بشكل نسبي، ستضطر البنوك المركزية للجوء إلى سياسات نقدية تجريبية وعالية المخاطر من أجل تحفيز الاقتصاد.

وهو ما أيده ماريثفتيس حيث شرح أنه تم تحميل البنوك المركزية مسؤولية التصرف بمستويات النمو المتدنية، وقامت هذه البنوك بكل ما بوسعها لتحفيز النمو ولم تنجح، وبالتالي يرى ماريثفتيس أن ما يحتاج إليه الاقتصاد الآن هو زيادة إنفاق الحكومات بشكل متناسق عبر الدول.

وقد تساهم زيادة الإنفاق في تحفيز الاقتصاد، لكن ماذا عن مستويات الدين؟ فهي تقف الآن عند حدود عليا، ففي الولايات المتحدة قفزت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 41% عام 2008 إلى 74% حتى منتصف هذا العام، وفي أوروبا من 47% إلى 70%، واليابان من 95% إلى 126%.

فما هي الحلول الأخرى؟

لمعرفة كيف يتم تعزيز الاقتصاد العالمي، يجب أن نعرف أين تكمن المشكلة، وبما أن الإجراءات التحفيزية فشلت في رفع معدلات التضخم، فإن ذلك يعني أن المشكلة متعلقة بالطلب وليس بالمعروض، أو بالأحرى هي تكمن في ضعف الطلب.

أما إذا كان هناك ضعف في المعروض أيضاً، فمزيج ضعف المعروض مع ما يسمى بـ easy money كان سينتج عنه مستويات تضخم أعلى، والإجراءات التي تتخذها بعض البنوك المركزية لتحفيز الاقتصاد هي إجراءات تحفز جانب المعروض وليس الطلب.

والحل بحسب خبراء هو إعادة هيكلة المعروض من أجل تحفيز الطلب.

وبما أننا مقدمون على عام جديد وسياسيات مالية جديدة، هل سيدفع ترمب وبريطانيا العالم من الحافة إلى قلب أزمة اقتصادية، أم أنها عوامل سترفع أداء الاقتصاد العالمي؟ إنه لغز.. لكننا اعتدنا على ذلك منذ الأزمة المالية.