مجلة مال واعمال

هل سيشهد العالم خارطة اقتصادية جديدة بعد الفايروس؟

-

الاقتصاد الامريكي وخسائر فادحة جراء كورونا

اعداد مجلة مال واعمال

تكبدت الأسهم الأميركية أسوأ تراجع لها في جلسة واحدة منذ 1987، ولم تفلح محاولات الفيدرالي الأميركي وقرارته الأخيرة في طمأنة المستثمرين أمام تفشي وباء فيروس كورونا.
ولم تفلح إجراءات الفيدرالي في تهدئة مخاوف الأسواق الأميركية، التي عمقت من خسائرها في ظل سيطرة القلق على المستثمرين وتراجعت المؤشرات الأميركية مع بدأ جلسة التداول بأكثر من 9 في المئة ليجري تعليق عملية التداول لخمسة عشر دقيقة.
ولم يكن هذا التعليق كافيا لامتصاص قلق المستثمرين، إذ عمقت المؤشرات خسائرها بعد استئناف التداول وتتجاوز 11 في المئة.
وبعد هذا الهبوط الذي بدأ تقريبا منذ منتصف فبراير تكون الأسهم الأميركية قد فقدت نحو ثمانية تريليونات دولار من قيمتها السوقية، وتكون التراجعات على مؤشر الداو جونز قد بلغت 30 في المئة من أعلى قمة تم تسجيلها خلال الشهر الماضي.
وبدلا من اطمئنان المستثمرين لخطوات الفيدرالي من خفض الفائدة وإطلاق برنامج لشراء السندات بـ 700 مليار دولار، زادت مخاوفهم فهذه الإجراءات رأى فيها المحللون اعترافا ضمنيا للفيدرالي بصعوبة الوضع الذي ينتظر الاقتصاد الأميركي.
حالة الذعر لم تقتصر فقط على الأسهم الأميركية فأسعار النفط قد واصلت الهبوط لتفقد أكثر من خمسين في المئة منذ بداية العام الحالي فيما فقد الذهب الذي عادة مايعتبر ملاذا آمنا نحو مئتي دولار خلال بضعة أيام.
حذّر رئيس مجموعة اليورو (يوروغروب)، ماريو سينتينو، اليوم الإثنين، من أن الاقتصاد الأوروبيّ بات كأنه في حالة حرب جرّاء تفشي فيروس كورونا المستجد، وعلّقت بورصة “وول ستريت” تداولاتها، مدفوعة بإعلان الفيدرالي الأميركي، خفض أسعار الفائدة، فيما خفّضت البنوك المركزية بدول الخليج أسعار الفائدة.
وقال سينتينو قبيل مؤتمر مرتقب عبر الفيديو، لوزراء مالية منطقة اليورو: “نعرف أن الفيروس لم يبلغ ذروته. علينا ألا نخدع أنفسنا”.
وأضاف المسؤول الذي يشغل كذلك منصب وزير المالية البرتغالي: “هذه أولى الخطوات ضمن معركة مؤقتة لكنها طويلة”، مشيرا إلى أن إجراءات “الاحتواء القسرية تعيد اقتصاداتنا إلى وضع أشبه بأوقات الحرب”.
ومن المقرر أن يوقّع الوزراء الذين سينضم إليهم استثنائيا نظراء من خارج منطقة اليورو، على سلسلة مقترحات من المفوضية الأوروبية تشمل إلغاء القواعد المرتبطة بزيادة الإنفاق العام، وسيحمل الأمر أهمية خصوصة بالنسبة لإيطاليا التي تعاني من الديون، إذ إنها أشد الدول الأوروبية تأثّرا حتى الآن بتفشي الفيروس.
وقال سينتينو: “نتأكد من عدم وقوف نظم الاتحاد الأوروبي المالية أو تلك المرتبطة بمساعدات الدولة في طريق دعم اقتصاداتنا. المرونة موجودة وسيتم اللجوء إليها”.
ومن شأن الإجراءات أن تشمل كذلك تقديم مبالغ نقدية للشركات الصغيرة وتعهّدات بتنسيق السياسات الوطنية بين الدول الأعضاء بشكل أفضل، لكن لا يُستبعد أن يناقش الوزراء في الوقت الحالي خطة إنقاذ لاقتصاد دول القارة.
وفي سياق ذي صلة، علّقت بورصة “وول ستريت” تداولاتها، في الدقائق الأولى لتعاملات اليوم الإثنين، مدفوعة بإعلان الفيدرالي الأميركي خفض أسعار الفائدة بنقطة مئوية واحدة، لتدارُك إنعاش الاقتصاد الأميركي المتأثر بتبعات الفيروس.
وأعلن الفيدرالي الأميركي، أمس الأحد، خفض أسعار الفائدة بين صفر و0.25 بالمئة لأدنى مستوى منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، مدفوعا بإجراءات لتحفيز الاقتصاد المحلي المرتبك، بسبب تفشي كورونا.
وتراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 10.23 بالمئة أول 272.47 نقطة، لتستقر قراءة المؤشر عند 2443.93 نقطة.
في نفس الاتجاه، تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 10.61 بالمئة أو 2459.8 نقطة، إلى 20.725 ألف نقطة.
ويبدو أن قرار خفض الفائدة، الذي اتُخذ أمس الأحد، لم يحقق الأهداف المتوقعة للفيدرالي، وزاد ضبابية بشأن الاقتصادين الأميركي والعالمي، في حال تزايد تفشي الفيروس في الولايات المتحدة وأوروبا.

البنوك المركزية بدول الخليج تخفض أسعار الفائدة
بدورها، أعلنت البنوك المركزية في كل من السعودية والإمارات والكويت والبحرين \، خفضا فوريا بأسعار الفائدة للمرة الثانية في أقل من أسبوعين، في أعقاب قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي، خفض سعر الفائدة الأساسي، فيما لم يعلن البنك المركزي العماني موقفه حتى الآن.
وهدفت البنوك المركزية من قرار خفض أسعار الفائدة، إلى التحوط من الآثار السلبية لفيروس كورونا على النشاط الاقتصادي في المدى القريب.
وأصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي، قرارا بخفض معدل اتفاقيات إعادة الشراء بواقع 75 نقطة أساس من 1.75 بالمئة إلى 1 بالمئة.
وذكر المركزي السعودي أنه تم خفض معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس من 1.25 بالمئة إلى 0.50 بالمئة، بغرض الحفاظ على الاستقرار النقدي في ظل التطورات العالمية الأخيرة.
وفي خطوة مماثلة، خفض مصرف الإمارات المركزي سعر الفائدة على شهادات الإيداع المصدرة من قبله ولفترة استحقاقٍ هي أسبوع واحد، بـ 75 نقطة أساس، فيما أبقى على سعر الخصم دون تغيير.
وأوضح مصرف الإمارات أنه خفض أيضا سعر تسهيلات الإقراض وتسهيلات المرابحة المغطاة بضمان بـ 50 نقطة أساس، إلى 50 نقطة أساس فوق سعر إعادة الشراء (الريبو) لشهادات الإيداع.
وتمثل شهادات الإيداع التي يصدرها المصرف المركزي للبنوك العاملة في الإمارات، أداة السياسة النقدية التي يتم من خلالها نقل آثار تغيير أسعار الفائدة إلى النظام المصرفي.
في نفس السياق، قرر بنك الكويت المركزي، خفض سعر الخصم بواقع 1 بالمئة من 2.5 بالمئة إلى 1.5 بالمئة ليسجل أدنى مستوى تاريخي له.
وسعر الخصم في دولة الكويت الذي يقرره بنكها المركزي، هو سعر محوري تتحدد بموجبه ضمن هوامش معينة الحدود القصوى لأسعار الفائدة على معاملات الاقتراض بالدينار الكويتي لدى البنوك المحلية.
كما خفض المركزي الكويتي أسعار جميع أدوات بنك الكويت المركزي للتدخل في السوق النقدي بنسبة 1 بالمئة.
وتجاوب مصرف قطر المركزي، بخفض أسعار الفائدة على الإيداع بمقدار 50 نقطة إلى 1 بالمئة، وخفض معدل الإقراض بمقدار 100 نقطة أساس إلى 2.5 بالمئة.كما خفض المركزي القطري أسعار عمليات الشراء (الريبو) بمقدار 50 نقطة أساس إلى 1 بالمئة.
وقام مصرف البحرين المركزي بخفض سعر الفائدة الأساسي على ودائع الأسبوع الواحد بواقع 75 نقطة أساس، من 1.75 بالمئة إلى 1 بالمئة.
وذكر المركزي البحريني في بيان أنه تم خفض سعر الفائدة على ودائع الليلة الواحدة من 1.5 بالمئة إلى 0.75 بالمئة، وسعر الفائدة على ودائع الشهر الواحد إلى 1.45 بالمئة من 2.20 بالمئة، كما خفض سعر الفائدة الذي يفرضه المركزي البحريني على مصارف قطاع التجزئة مقابل التسهيلات من 2.45 بالمئة إلى 1.70 بالمئة.
“النقد الدولي” مستعد لتخصيص ترليون دولار لمكافحة الفيروس
وفي ذات السياق أعلن صندوق النقد الدولي، استعداده لتفعيل القدرة على منح تريليون دولار من الخزينة، لإقراض ومساعدة الدول الأعضاء في مكافحة انتشار الفيروس.
وأفادت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، في تصريح صحافي، أن البنك تلقى طلبات من عدة دول لتمويل برامجها، مشيرة أنه مع انتشار الوباء تزداد الحاجة إلى حافز مالي عالمي منسق ومتزامن.
ودعت جورجيفا البنوك المركزية، إلى دعم الطلب وتعزيز الثقة من خلال تسهيل الظروف المالية وضمان تدفق الائتمان إلى الاقتصاد الحقيقي.
وأشارت إلى أن الصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها التابع للبنك الدولي، لديه القدرة في الوقت الحالي على إقراض 400 مليون دولار للدول الفقيرة، مؤكدة على ضرورة زيادة هذا المبلغ إلى مليار دولار عبر التبرعات.

مجموعة السبع تؤكد أنها ستقوم “بكل ما هو ممكن” لاستعادة النمو
من جانبهم، أكد قادة مجموعة السبع، “عزمهم” على القيام “بكل ما هو ممكن” لاستعادة النمو العالمي الذي يهتزُّ بسبب وباء كورونا.
وشدّد القادة في بيان مشترك، على نيتهم تعبئة “كل أدوات السياسة الاقتصادية” المتوافرة لهم، سواء كانت إجراءات مالية أو نقدية أو خطوات محددة الهدف “لتأمين دعم فوري وبالقدر المستطاع للعاملين والشركات والقطاعات الأشد تضررا”.
كذلك، طلب القادة من وزراء مال المجموعة “التنسيق كل أسبوع في شأن تنفيذ هذه الإجراءات والقيام بخطوات جديدة سريعة وفاعلة”.

أفادت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يوم الاثنين أن النمو الاقتصادي قد ينخفض إلى النصف في حال استمرار انتشار فيروس كورونا، ما قد يدفع الاقتصاد العالمي إلى أسوأ حالاته منذ الأزمة المالية العالمية.
وقالت المنظمة إن إجمالي الناتج المحلي العالمي سينمو بنسبة 1.5% فقط في العام 2020، إذا انتشر فيروس كورونا على نطاق أوسع في جميع أنحاء آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، أي ما يقرب حوالي نصف معدل النمو البالغ 2.9% الذي كانت قد توقعته المجموعة لعام 2020 قبل اندلاع الفيروس، الأمر الذي قد يدفع باليابان وأوروبا إلى ركود اقتصادي.
وأشارت المنظمة إلى أهمية تحرك صانعي السياسات في جميع أنحاء العالم لمنع مثل هذه الحالة، حيث دعت إلى استجابة عالمية منسقة لاحتواء تفشي المرض، موصية الحكومات بزيادة إنفاقها والبنوك المركزية بفرض سياسات للمساعدة في التخفيف من وطأة الفيروس.
وتتوقع المنظمة أنه حتى في أفضل الأحوال، حيث يصل الوباء إلى ذروته في الصين خلال الربع الأول ولا يتفشى سوى بحالات خفيفة في بلدان أخرى، سينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.4% فقط، أي في أضعف مستويات نموه منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2009، بعد أن بلغ النمو العالمي حوالي 3% في العام الماضي.
ويقول لورنس بون، كبير الاقتصاديين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن الفيروس “يشكل خطراً على الاقتصاد العالمي الذي أضعفته التوترات التجارية والسياسية. ويتعين على الحكومات أن تعمل فوراً لاحتواء الوباء، ودعم نظام الرعاية الصحية، وحماية الناس، ودعم الطلب وتوفير حبل إنقاذ مالي للأسر والشركات الأكثر تضرراً”.
وقد ثبتت حتى الآن أكثر من 88 ألف حالة مؤكدة من المصابين بفيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، مع وجود إصابات في كل قارة باستثناء القارة القطبية الجنوبية. كما أودى الفيروس بحياة أكثر من 4 آلاف شخص مع استمرار انتشاره.
بعد توقعات سلبية وصادمة بشأن العام الحالي، جاء القرار الأخير من “كورونا”. ذلك الفيروس الذي تمكن خلال بضعة أسابيع من أن يهزم جهود العالم في مكافحة الركود الذي كانت المؤسسات تتوقعه في نهاية العام الماضي بخصوص العام الحالي.

 

ووسط حالات التوقف المفاجئ الناجمة عن تفشي فيروس “كورونا” وتداعياته، فمن المرجح أن يواجه العالم ركوداً اقتصادياً حتمياً خلال العام الحالي، وفقاً لرؤية معهد التمويل الدولي الذي قام قبل أيام، بتعديل تقديراته لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بالخفض إلى 0.4 في المئة.
معهد التمويل الدولي، أشار إلى أنه منذ تعديل توقعات نمو الاقتصاد العالمي بالخفض قبل أسبوعين، فقد طرأت بعض التغيرات التي أدت إلى تغيير الصورة بشكل كبير، حيث أسهمت حرب أسعار أوبك في زعزعة الاستقرار للأسواق الهشة بالفعل. كما شهدت الأسواق الناشئة تدفقات نقدية خارجة مع تركز عمليات تخارج المستثمرين خارج الصين، وسط تحول صدمة “كوفيد-19” التي اندلعت في الصين إلى صدمة أكبر بكثير في بقية أنحاء العالم.
وكانت تقديرات نمو الاقتصاد العالمي عن عام 2020 تم تعديلها بالخفض بداية هذا الشهر من 2.6 في المئة إلى 1.6 في المئة، بفعل الأداء المتوقع من الصين. وتسبب الهبوط الحاد في أسعار النفط إضافة إلى تزايد حالة عدم اليقين بشأن “كوفيد-19” في توقف مفاجئ حاد في النشاط الاقتصادي.

الأزمة انطلقت من أميركا ومنطقة اليورو واليابان
وتوقع معهد التمويل الدولي أن تدخل كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان في حالة من الركود الاقتصادي في النصف الأول من العام الحالي على أن تشهد تعافياً في النصف الأخير من 2020. ويعني ذلك أن اقتصاد الولايات المتحدة سوف يشهد تراجعاً بنسبة 0.4 في المئة في مجمل عام 2020، في حين تسجل الصين نمواً بنحو 3.5 في المئة.
كما من المتوقع أن تشهد منطقة اليورو انكماشاً اقتصادياً بنحو 2.8 في المئة في عام 2020 في حين يرجح أن تعاني اليابان من تراجع ناتجها المحلي الإجمالي بنحو 1.5 في المئة هذا العام. وتعتمد هذه التقديرات على فرضية التعافي في النصف الثاني من العام الحالي على أساس حجة أن فيروس كورونا ينبغي أن ينحصر بحلول فصل الصيف، بحيث يتلاشى عامل الخوف الذي يعرقل الطلب العالمي.
لكن خطورة التوقف المفاجئ في أسواق رأس المال العالمية تعني أن الانتعاش يمكن أن يتحقق بوتيرة أبطأ، ما يعني أن عدم اليقين والمخاطر السلبية يسيطران على التوقعات بشكل كبير.
ونظراً إلى عقبة الإبعاد الاجتماعي وغيرها من التدابير الأخرى، يتوقع معهد التمويل أن ينكمش اقتصاد الولايات المتحدة بوتيرة سنوية 0.8 في المائة في الربع الأول من العام الحالي على أساس فصلي يعقبها انكماش بنحو 8.9 في المائة في الربع الثاني.
ومع تفاقم حدة الموقف بفعل كورونا، لم يعد السؤال يكمن فيما إذا كان العالم سيواجه ركوداً اقتصادياً من عدمه ولكنه يتمثل في كيف سيعاني الاقتصاد؟


الركود أصبح أمراً واقعاً بالفعل
وفي تقرير حديث، قال “بنك أوف أميركا ميرل لنش” إن الركود الناجم عن انتشار فيروس “كوفيد-19” لم يعد بالإمكان تجنبه لأنه أصبح واقعاً بالفعل، محذراً من فقدان الوظائف وتدمير الثروات. مؤكداً دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود رسمياً لينضم إلى بقية دول العالم في اتجاه هبوطي عميق.
ووفقاً للبنك الأميركي، فمن المتوقع أن “يتم فقدان وظائف، الثروات سوف يتم تدميرها، والثقة ستنخفض بقوة”. ورجح البنك في مذكرة بحثية، انكماش الاقتصاد الأميركي في الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 12 في المئة على أساس سنوي، بينما يقدر أداء إجمالي العام بهبوط 0.8 في المئة.
وينظر البنك إلى سوق العمل كوسيلة لفهم “حجم الصدمة الاقتصادية” وسط تأثيرات الأسواق بالكورونا، متوقعاً أن يتضاعف معدل البطالة في الولايات المتحدة مع فقدان ما يقرب من مليون وظيفة كل شهر من الربع الثاني من العام الحالي.
وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، توقع “دويتشه بنك”، انكماش اقتصاد الولايات المتحدة بنحو 13 في المئة خلال نفس الفترة ليكون الأسوأ في تاريخ البلاد. وتعطل الإنتاج والعمل في عدد كبير من الولايات الأميركية مع انتشار الفيروس الذي أصاب الآلاف وقتل المئات حتى الآن.
وعلى الرغم من التحذيرات المستمرة من قبل صندوق النقد الدولي، لكن مسؤولاً بالصندوق، قال في تصريحات حديثة، إن وقع جائحة فيروس كورونا العالمية سيكون “شديداً”، لكنها جاءت عقب فترة نمو طويلة ومعدلات توظيف مرتفعة مما سيسمح للاقتصاد العالمي بامتصاص الصدمة الحالية.
وقال رئيس قسم سياسة ومراجعة الاستراتيجية بالصندوق مارتن مويلايزن، إن الهدف الرئيس للحكومات ينبغي أن يتمثل في الحد من انتشار الفيروس بطريقة تبث الثقة في أن الصدمة الاقتصادية ستكون مؤقتة. لافتاً إلى أن البنوك والحكومات اتخذت بالفعل خطوات غير مسبوقة لتوفير السيولة للأسواق وتيسير استمرار عملها، “ربما بأكثر مما كنا نحتاج”، لكن مثل هذه الخطوات ينبغي تنسيقه عالمياً لتعظيم أثرها. وأضاف، “كلما كانت ردود الأفعال الصحية حيال الأزمة أفضل تنظيماً وأكثر تنسيقاً، كانت إمكانية عودة الثقة أسرع”.

 

الناتج الإجمالي العالمي يفقد تريليون دولار
وفي تقرير حديث، توقعت مؤسسة الأبحاث “إكسفورد إيكونومكس”، أن يضرب الركود الاقتصادي الولايات المتحدة ومنطقة اليورو بفعل كورونا مع توقعات تقلص الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأكثر من تريليون دولار.
وكانت اقتصاديات مثل اليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا تعرضت بالفعل إلى انكماش اقتصادي بالفعل أو فشلت في النمو قبل تفشي الفيروس، لكن يحتمل أن يكون الوضع أكثر سوءاً بنهاية الربع الحالي، وسط توقعات بتسجيل الصين أكبر وتيرة تراجع فصلي في الناتج المحلي الإجمالي في عقود.
ويشير يشير صندوق النقد الدولي، إلى أنه من السهل نسبياً وصف الركود الاقتصادي على الصعيد المحلي كونه يُعرف من الناحية الفنية على أنه انكماش في الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما لمدة فصلين متتاليين. أما بالنسبة لركود الاقتصاد على الصعيد العالمي، فيجب أن يكون تباطؤاً في النمو لأقل من 2.5 في المئة، مصحوباً بتراجع واسع النطاق ومتزامن في مختلف المؤشرات الأخرى للنشاط الاقتصادي العالمي بما في ذلك الإنتاج الصناعي العالمي والتجارة وتدفقات رأس المال والعمالة.
وأوضح الصندوق أن هناك أربع حالات ركود اقتصادي عالمي منذ عام 1960 وحتى الآن، وهي تلك التي وقعت في أعوام 1975 و1982 و1991 و2009 مع الإشارة إلى أن الركود المصاحب للأزمة المالية العالمية كان أكثرهم تدميراً.
وفي ظل هذه الأجواء، فإن السؤال الأهم يتمثل في إلى أيّ مدى ستكون شدة الركود العالمي المحتمل؟
وربما تبدو الإجابة واضحة من خلال تقارير وكالات ومؤسسات التصنيف الدولية، التي قامت خلال الأيام الماضية بفض تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى أدنى وتيرة ارتفاع منذ الأزمة المالية العالمية. حيث تتوقع وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي العالمي نمواً يتراوح بين 1 إلى 1.5 في المئة خلال عام 2020، نتيجة إجراءات احتواء كورونا، ما يعني أن العالم سيقع في حالة من الركود الاقتصادي.

الركود العالمي أصبح فرضية أساسية
في الوقت نفسه، يعتقد خبراء الاقتصاد في بنك “مورغان ستانلي” أن الركود العالمي فرضية أساسية، حيث يتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 0.9 في المئة هذا العام. في حين أن مصر “غولدمان ساكس” يشير إلى نمو الاقتصاد العالمي هذا العام سيبلغ 1.25 في المئة، وهو ما يؤكد الوقوع في حالة من الركود.
ويرى “دويتشه بنك”، تعرض اقتصاد الولايات المتحدة إلى انكماش بنسبة 13 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي على أساس سنوي بسبب الاضطرابات الناجمة عن فيروس كورونا، ما سيكون أسوأ انكماش في تاريخ البلاد. بينما توقع بنك “غولدمان ساكس” انكماش اقتصاد الصين بنحو 9 في المئة في الربع الأول من 2020 على أساس سنوي مع خفض توقعات النمو الاقتصادي في مجمل العام الجاري إلى 3 في المئة.
وحول مدة الركود المحتمل، وبالنظر إلى التاريخ، فإن الركود الاقتصادي الأخير، الذي وقع في الفترة بين عامي 2007 و2009، دام لنحو 18 شهراً ليكون أطول فترة ركود اقتصادي منذ الكساد العظيم في سبعينيات القرن الماضي، لكن على النقيض فإن الركود الاقتصادي في فترة الثمانينيات استمر لنحو 6 أشهر فقط.
وفيما يتعلق بالوقت الراهن، فإن مدة الركود تخضع إلى حالة كبيرة من عدم اليقين وسط غموض الأمور وعدم توقع إلى أي مدى ستتواصل مخاطر فيروس كورونا.
ويشير بنكا “غولدمان ساكس” و”مورغان ستانلي” إلى أن الركود الاقتصادي المحتمل سيكون أكثر شدة من الركود الذي وقع في عام 2001 لكنه لن يكون بنفس حدة ما حدث إبان الأزمة المالية. وتوقعوا أن يشهد العالم حالة من التعافي الاقتصادي في غضون النصف الثاني من العام، لكنهما يحذران من أن المخاطر تظل قائمة بقدر أكبر من الآلام الاقتصادية.
يقف العالم في حالة ترقب، ليشاهد ما يحدث من تطورات جديدة لفيروس كورونا، بعد تسلله إلى 80 دولة، وامتد الخوف من الفيروس الصيني، إلى القلق من تأثر العملاق الصيني اقتصاديا مما يؤثر على الاقتصاد العالمي.