بالتركيز على حزمة الإنقاذ المالي الإسباني يلاحظ أن الحزمة بشكل عام لم تكن مرتبطة ببرنامج للإصلاح الاقتصادي أو التعديل الهيكلي الذي تلتزم به إسبانيا على النمط نفسه الذي حدث مع أعضاء مثل اليونان، حيث ستستخدم هذه الأموال أساسا لرفع رسملة المصارف الإسبانية وزيادة قدرتها على مقاومة الأوضاع المتدهورة في سوق العقار الإسباني، واكتفت المجموعة الأوروبية بالإعلان عن أن إسبانيا قامت بتطبيق الكثير من الإصلاحات المالية وإصلاحات سوق العمل، وكذلك اتخذت إجراءات لدعم القواعد الرأسمالية للمصارف الإسبانية، وأن المجموعة الأوروبية واثقة بأن إسبانيا ستفي بالتزاماتها وتصحح اختلالاتها الاقتصادية الكلية في الإطار الأوروبي، وهذا ما كانت تحرص عليه إسبانيا من الأساس. غير أن المجموعة الأوروبية أعلنت أنه ستتم مراجعة التطورات على الأرض في شكل مواز مع المساعدة المالية، ومراقبة مدى تنفيذ الحكومة الإسبانية لتعهداتها والتي تركز على إصلاحات محددة تستهدف القطاع المالي، بما في ذلك خطط إعادة الهيكلة التي تستهدف إصلاح النظام المالي المحلي.
وفقا لـ ”رويترز”، فإن المبلغ النهائي الذي سيتم تقديمه لإسبانيا سيعتمد على تقارير من مؤسسات مستقلة للمراجعة لحالة المصارف الإسبانية واحتياجاتها الحقيقية لإعادة الرسملة Oliver Wyman and Roland Berger، والتي يتوقع أن تقدم يوم 21 حزيران (يونيو) القادم. غير أن المصادر تشير إلى أن المبلغ المخصص كبير إلى الحد الذي تتلاشى معه مصادر القلق التي تلف الأسواق حاليا حول سلامة المصارف الإسبانية. للأسف المصارف الإسبانية تواجه اليوم عمليات سحب للمودعات وإرسالها خارج إسبانيا بسبب حالة عدم التأكد السائدة حاليا، وهو ما يضيف المزيد من الأعباء على السلامة المالية لهذه المصارف، ولذلك يرى المراقبون أن المبالغ المخصصة، وإن كانت تفوق التقديرات الأولية للحاجة الحقيقية للمصارف الإسبانية، إلا أن تزايد الطلب على السيولة يحتاج إلى مثل هذه الميزانية الضخمة لتأمين موقف المصارف الإسبانية.
ليس هناك في رأيي من هو أكثر سعادة بهذه التطورات على الساحة الأوروبية من الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي يصارع حاليا لخوض انتخابات الإعادة ويرغب في ألا يرى أية انعكاسات سلبية لأي شرارة لأزمة في أوروبا على الاقتصاد الأمريكي، على الرغم من أن الرئيس قد صرح أخيرا بأن الاقتصاد الأمريكي يمكنه امتصاص أي تأثيرات للأزمة الأوروبية، ولكن هل بالفعل يستطيع الاقتصاد الأمريكي المترنح حاليا امتصاص تأثيرات أي أزمة أوروبية؟ ربما أتناول هذا الموضوع قريبا. كذلك رحب تيم جايثنر وزير الخزانة الأمريكي بالاتفاق الأوروبي ودعا صندوق النقد الدولي لدعم عملية تنفيذ الاتفاق من خلال مراقبة المساعدات المالية من خلال تقديم التقارير الدورية عن إسبانيا، كما رحب جايثنر بجهود الحكومة الإسبانية لا عادة رسملة النظام المصرفي الإسباني وبالتعهدات الأوروبية لتقديم المساندة المالية لإسبانيا.
الآن، هل تنجح عملية الإنقاذ المالي للمصارف الإسبانية؟ في رأيي أن الميزانية المقترحة، على الرغم من أن الحكومة الإسبانية تؤكد أنها كافية للتعامل مع مشكلات المصارف الإسبانية، تمثل حقنة مسكنة للاقتصاد الإسباني، لأن المشكلة الحقيقية التي تواجهها إسبانيا ليست هي المشكلة المالية لقطاعها المصرفي، وإنما هي مشكلة النمو وتصاعد معدلات البطالة على نحو مرتفع للغاية بالمقاييس الأوروبية، حيث تعاني البنوك الإسبانية من آثار عمليات فقدان الوظائف التي تتصاعد في سوق العمل الإسباني، ومن ثم فإن الإجابة عن هذا السؤال ستعتمد، ليس على جهود إعادة الرسملة، وإنما يكمن العلاج الناجع في نمو الاقتصاد الحقيقي الإسباني، وهذا على ما يبدو صعب المنال حاليا خصوصا في ضوء تطورات سوق العمل التي تضع مؤشرات البطالة في إسبانيا في أعلى المعدلات في منطقة اليورو. غير أنه من المؤكد أن إنقاذ مصارف الزومبي الإسبانية هو في حقيقة الأمر إنقاذ للنظام المصرفي الأوروبي بأكمله، وربما العالمي، والذي يمكن أن يتعرض لضربة قاصمة إذا ما انهارت مصارف الزومبي في إسبانيا.
*نقلا عن الاقتصادية