تنشر صحافتنا تقارير عن بعض إنجازات التنمية وخططها لا تراعي عقلية المواطن ولا تدرك مقدرته على التمييز بين الغث والسمين. البعض قد لا يعي أن المواطن أجدر من يقيم المشروعات التنموية والخطط المستقبلية لأنه هو الذي يعرف كيفية إنجازاتها في الواقع.
فعلى سبيل المثال طالعتنا صحافتنا ببعض التقارير عن تطور السياحة في بلادنا، ومما ذكرت أن منطقة عسير ستكون الواجهة السياحية الأولى للمصطافين عام 2015. ونحن نتساءل: كيف بنت صحافتنا أنه بالفعل سيتحقق هذا وبالتحديد عام 2015؟ من الممكن التنبؤ بتطور قطاع السياحة، لكننا لا نريد أن نبالغ في التفاؤل.
لو نظرنا إلى الواقع الذي تعيشه عسير في مجال السياحة لأدهشتنا الجراءة في العرض والمبالغة في التفاؤل. عسير منطقة سياحية حباها الله بجمال الطبيعة واعتدال المناخ في الصيف، لكن ينقصها الكثير والكثير حتى تكون وجهة سياحية، ومن أبرزها وسائل المواصلات. عندما يريد المواطنون أن يشدوا الرحال جوا إلى منطقة عسير في الأيام العادية (في غير المواسم). فقد تلغى الرحلات من دون سابق إنذار ويعود الركاب بعوائلهم وأمتعتهم من حيث أتوا. وقد تتأخر الرحلة ساعات عدة ويبقى المسافرون في المطار خائفين يترقبون لا يدرون إلى أين المصير.
أما المواصلات البرية فالحديث عنها يطول، فالطرق البرية التي تربط منطقة عسير بالمناطق المجاورة لها لم تكتمل بعد، فما إن ينجز جزء من الطريق إلا ويعاد نقضه من جديد بحجة الصيانة تارة وبحجة الصرف الصحي تارة أخرى، ولا أدري ما الفائدة من الصرف الصحي في الصحاري والقفار مع العلم أن خدمات الصرف الصحي لم تكتمل داخل المدن الرئيسية، فكيف نراها تخرق الصحراء؟ ولو افترضنا أن اكتملت شبكة الطرق المؤدية إلى عسير وأصبح الناس يسافرون بكل هدوء بدون تحويلات وبدون تقاطع وإشارات، فماذا عن الخدمات المرافقة من استراحات ومحطات وقود ونحوها؟ ترى المحطات والاستراحات مترهلة عن اليمين وعن الشمال على الطرق البرية في منظر يقذي العين لدرجة أن المسافر يفضل مواصلة المسير إلى وجهته مباشرة، ولو بقي على سفره ساعات، فهذا أفضل بكثير من الإقامة ولو لدقائق في تلك التي يطلق عليها استراحات. الاستراحات التي نراها على جانبي الطرق المؤدية إلى منطقة عسير تحتاج وقبل كل شيء إلى اجتثاث أولا، ثم تستبدل باستراحات تليق بالعصر الذي نعيشه، وإن لم نأبه بالمواطنين فماذا عن الزائرين من الدول الأخرى الذين يستمتعون بالسفر على الطرق البرية في بلادهم؟ لهذا فأنا أخالف من يقول: إن عام 2015 ستكون منطقة عسير الوجهة السياحية الأولى للمصطافين ولا أظنه قد رأى ما رأينا.
اعتاد المقيم والمصطاف في عسير على انقطاع المياه، خصوصا في الصيف رغم وجود شبكة تحلية ضخمة، وقد اعتاد المسافر لمدينة أبها– خصوصا في الصيف – أن يحيط نفسه بأدوات تحفظ له الماء، فقد يبقى أياما من دونه. أما السكن فملف يصعب فتحه، فمنطقة عسير لا يوجد فيها سوى فندقين هما فقط اللذان يمكن أن يطلق عليها كلمة فندق بالمواصفات المتعارف عليها، أما البقية فلا يمكن تصنيفها كفنادق. يأتي من بعد ذلك الشقق المفروشة المتناثرة بشكل عشوائي والتي يحكمها العرض والطلب، وأراهن أنك لن تجد شقة مفروشة تصلح أن تكون مأوى في ذروة الشتاء القاسي فكيف بالصيف الحارق!
من خلال هذا العرض يتضح أن البنية التحتية للسياحة في منطقة عسير لم تنشأ بعد. الذي يحدث عبارة عن مجهودات فردية ومحاولات تراها متناثرة على استحياء هنا وهناك. لذا يجب علينا عندما نقدم للناس تصورا عن أوضاع السياحة أو غيرها من الخدمات أن نكون منطقيين عقلانيين وألا نفرط في التفاؤل لأن المواطنين يقرؤون مثل هذه الأمور وتظل في أذهانهم، والكل يتساءل كيف يتم إعادة تنظيم السياحة وإعادة هيكلة هذه الصناعة خلال ثلاث سنوات؟ أرى أن مهمة بناء السياحة في عسير مهمة صعبة تحتاج إلى مجهود مضاعف ونية صادقة وعمل مهني متواصل بعيدا عن الأماني نبدأ بالضروريات، وأهم هذه الأعمال حل مشكلة المواصلات الجوية والبرية، ومنها توسعة مطار أبها الإقليمي، وفي الوقت نفسه جذب الاستثمارات إلى المنطقة لمعالجة معضلة السكن وتشييد مناطق ترفيهية تماثل ما هو موجود في كثير من البلدان التي نعرفها جميعا ونهجر بلادنا في الصيف من أجلها.
يجب أن يعرف مسؤولو السياحة في منطقة عسير أن السائح يأتي إلى المنطقة من أجل الأجواء العليلة ليس إلا، فهذا هو مصدر الجذب الوحيد للمصطافين.
يجب على لجنة التنشيط السياحي البعد عن الأضواء قليلا حتى تكتمل أمامها الرؤية، وعندما يرغبون فعليهم توثيق ما يقولون وأن يأخذوا واقعهم في الحسبان.
*نقلا عن الاقتصادية
المصدر : https://wp.me/p70vFa-2as