بسرعة لا تتطلبها اللحظة الفلسطينية الراهنة , اعلن الرئيس محمود عباس ان حكومة الوحدة الوطنية ستعترف بإسرائيل وكأنه يريد ان يثبت لاسرائيل ان المصالحة الفلسطينية لا تتناقض مع مصالح اسرائيل , في رسالة تطمين تفتقر الى الضرورة السياسية لان اسرائيل ببساطة تعرف مصلحتها جيدا وتعرف ان الفُرقة الفلسطينية مصلحتها الاستراتيجية , فلمن التطمين والتصريح ؟
الرسالة للداخل الفلسطيني ولحركة حماس تحديدا , وربما فيها بعض التوريط المبكر للحركة او منفذ للخروج من المصالحة , فتصريح الرئيس ينوب عن اسرائيل في ضرورة الاعتراف بها , وكأن اي حكومة قادمة تستطيع ان تنكر اصل تكوينها , فأصل التكوين السياسي داخل السلطة الوطنية نابع من اتفاقيات السلام سواء على صعيد المجلس التشريعي او الحكومة , والاقتصاد الفلسطيني مربوط تبعيا بالاقتصاد الاسرائيلي , والمراوغة السياسية التي قامت بها الفصائل المعارضة لنهج المفاوضات , مناورات ضمن المسموح السياسي او المسكوت عنه فلسطينيا سواء من حماس او من باقي الفصائل التي قبلت ان تعود كوادرها الى السلطة وان تعمل في اجهزتها , بل هي ضرورة فلسطينية تسمح للمفاوض الفلسطيني بالمناورة السياسية والضغط على المجتمع الدولي واسرائيل .
تصريح الرئيس الفلسطيني غير مطلوب في هذا التوقيت على وجه الحصر , وجاء في غير مكانه ايضا , لأن مركزية منظمة التحرير التي شهد اجتماعها هذا التصريح غير معنية بالتفاوض اساسا, ويجب ان تبقى منظمة التحرير بمؤسساتها بمعزل عن هذا التجاذب , وبيت الفلسطينيين الآمن على اختلاف تلاوينهم السياسية والفصائلية , وينتظر الشارع الفلسطيني توسيع مظلة المنظمة لتضم حماس والجهاد وباقي الفصائل المعارضة لعملية التفاوض , واشتراط الاعتراف سيدفع بكثيرين الى النأي بالنفس عن الحكومة وعن المنظمة ان وافقت على اشتراطات السلطة وضرورات عملها اليومي والمعاشي التي هي بالضرورة محكومة بالتعامل مع اسرائيل لتسيير اعمالها وتسيير شؤون المواطنين في الضفة وقطاع غزة.
اللحظة الفلسطينية تحتاج الى منظمة التحرير الفلسطينية كممثل للفلسطينيين في الداخل الفلسطيني والشتات , وهي مرجعية لعمل السلطة وليست تنفيذية وتقزيم دورها لمباركة اليومي والاجرائي لا يعود بالنفع على الحالة الفلسطينية التي تعاني من ضربات الربيع العربي الذي فتح طاقة اللاجئين في كل الاقطار بل وربما يتراجع ترتيب اللاجئ الفلسطيني عددا وحضورا على اجندة العرب بحكم انفتاح باب اللجوء العربي على مصرعيه .
حماس تعلم في عقلها الباطن ان وجودها على رأس الحكومة المقالة او المستقيلة هو من مخرجات اوسلو وما تلاها , وتعلم اكثر ان كل اتفاقيات الهدنة والتهدأة هي اعتراف ضمني بالواقع الاحتلالي وتثبيت هذا الاعتراف لا يخدم احدا سوى اسرائيل وقد يُفضي الى تأخير اجراءات المصالحة التي طال انتظارها , ويدفع حماس الى مواجهة داخلية يستفيد منها الجناح الراغب في اقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة وحكم ذاتي في الضفة الغربية وستكون دولة متطرفة بسبب الحصار والبيئة السياسية المجاورة , وهذا ما تسعى اليه اسرائيل منذ فجر احتلالها وقبل كل مفاوضاتها مع الفلسطينيين فحلمها ان تغرق غزة في البحر سواء المتوسط او بحر التطرف والانغلاق.
حكومة الوحدة الوطنية لديها ملفات عالقة واجواء مسمومة تحتاج الى جهد كبير لتجاوزها , وليس من اولوياتها الاعتراف رغم انه موجود ضمنا ولا يحتاج الى تأكيد او تصريح علني , فهو تحصيل حاصل ولم نسمع ان حكومة فلسطينية تشكلت منذ عودة السلطة الوطنية وقدمت هذا الاعتراف فلماذا نقوم بتوريط الحكومة المنشودة بتصريح لا تحتمله الحالة الفلسطينية المترنحة اساسا على حبلي الربيع العربي والانقسام الفلسطيني ؟
المصدر : https://wp.me/p70vFa-4uS