مجلة مال واعمال

نفط إيران.. صنابير صدئة

-

90

خلال أيام مجد إيران، تحديداً في العام 1974، سجلت الدولة الفارسية رقماً قياسياً في الإنتاج يناهز 6 ملايين برميل من النفط يومياً. ولكن الثورة والحرب والتسييس والعقوبات عاثت جميعها فساداً في رقم الإنتاج هذا، ليتدهور في الوقت الراهن إلى حدود 2.8 مليون برميل في اليوم ليس إلا.
في حال كانت الصفقة ذات العلاقة ببرنامج إيران النووي، التي تمت مناقشتها خلال الأسبوع الجاري، قد وثقت فينبغي لها أن تبدأ بعكس هذا الإنحدار في الإنتاج من خلال فتح أسواق جديدة للتصدير وجذب الاستثمارات الأجنبية من أجل تنمية رابع أكبر احتياطي للنفط في العالم.
وتعتقد وكالة الطاقة الدولية، التي تمثل الدول المستهلكة للنفط، أنه يمكن للإنتاج الإيراني -على المدى القصير- أن يرتفع بمقدار 0.8 مليون برميل في اليوم الواحد، علماً بأن أسعار النفط العالمية ضعفت هذا الأسبوع بسبب احتمالية دخول مزيد من إمدادات الذهب الأسود إلى السوق.
ولكن، ربما تكون آمال الارتفاع السريع في الإنتاج الإيراني متفائلة. فعلى الرغم من جيولوجيتها الودية وانخفاض تكاليف الإنتاج لديها، تكثر المشاكل الأخرى في إيران. لقد تباطأ الطلب العالمي على النفط، وآلت الإمدادات القادمة من مناطق أخرى وفيرة، فيما تواصل صناعة النفط في إيران معاناتها لوضع سيء، بينما لا يعتبر مناخها الاستثماري ودياً بالنسبة للعالم.
يعاني نظام العقوبات الحالي، المخفف في بعض المراحل منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، الثغرات والتسريب. حيث تصدر إيران ما يتجاوز مليون برميل يومياً، تذهب معظمها إلى تركيا والهند واليابان وكوريا الجنوبية والصين، والتي تعتبر بين 20 دولة أخرى تبعد عن متناول العقوبات. ولكن يستفيد آخرون من الأمر أيضاً: حيث استطاع الوسطاء المراوغون الإفلات من العقوبات لسنوات طوال، مستخدمين السفن التي تغير أسماءها باستمرار، والتي تعمل تحت رايات معروفة لا يشك بها.
ولكن رفع العقوبات عادةً ما يتطلب وقتاً أطول من فرضها. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، يمكن أن يعلق مؤقتاً قيود أميركا على مالية وصادرات إيران، فإن رفع العقوبات المفروضة بشكل دائم سيتطلب موافقة الكونغرس المشبوه إلى حد كبير. وسيكون رفع عقوبات الاتحاد الأوروبي سهلاً بواقع الحال. في ضوء أنه يمكن أن ينهي الحظر الذي فرضه على واردات النفط الخام (التي كانت تشكل 0.7 مليون برميل في اليوم قبل العام 2012)، وأن يخفف القيود المفروضة على تأمين الشحن، والسماح للبنوك الإيرانية باستخدام نظام المعاملات المالية “سويفت”.
إن انخفاض الأسعار وتراجع الطلب من الهند يعني أن إيران ربما تكون تملك 30 مليون برميل في خزاناتها العائمة. ولكن البدء في تشغيل الكمية الموجودة بسرعة قد يرفع صادراتها بسرعة إلى ما قدره 0.3 مليون برميل في اليوم، وينبغي في هذا السياق عدم التكهن بمزيد من التعزيز الإضافي للمبيعات الأجنبية حتى أواخر هذا العام، وفقاً لأميرتا سين من شركة “إنيرجي آسبيكتس” الاستشارية.
تبذل إيران الجهود لتجهيز حقول النفط خاصتها لمرحلة رفع العقوبات، ما يفسر الزيادة الأخيرة في قدرتها. ولكن العودة بالإنتاج إلى مستويات، ولو حتى قريبة، من إنتاج السبعينيات من القرن الماضي سيحتاج مجهوداً وعملاً طويلاً. تقول السيدة سين أن بعض حقول إيران النفطية تتراجع على أساس سنوي بنسبة 15 %. وربما ستحتاج، من هذا المنطلق، إلى 30 مليار دولار سنوياً لتنفق عليها، ولعدد لا بأس به من السنوات أيضاً فقط لوقف التدهور في الإنتاج، ناهيك عن عكسه من تراجع إلى ارتفاع أيضاً. ولا تعوض مشاركة روسيا والصين عن غياب كبرى الشركات الغربية، والتي تبحث في الوقت الراهن عن سبل تخفف من خلالها نفقاتها الرأسمالية، أكثر من زيادتها.
لن يتطلب استقطاب الغربيين مجدداً رفع العقوبات وحسب، وإنما تغييرات كبيرة في قوانين إيران الخاصة بالنفط والغاز أيضاً. وهذه لا تسمح بالملكية الاجنبية بطبيعتها، لكنها تكافئ شركات النفط العالمية لاستثمارها بحصة صغيرة من الإيرادات، وهو مخطط معروف باسم “إعادة شراء الأصول”. ومن جهتها، تقول السلطات الإيرانية أن هذا النظام يوفر فعلياً حوافز كافية، وسيغدو حتى أكثر ملاءمة مما هو عليه مستقبلاً. وبطبيعة الحال، ستحتاج معظم الشركات الأجنبية إلى مزيد من التفاصيل – ومزيد من المنطق لتثق بالسلطات-  قبل أن يتم إقناعها.وثمة عقبة أخرى أيضاً، وهي السياسة الداخلية. لطالما اشتبك التكنوقراطيون الإيرانيون مع الحرس الثوري الإيراني للسيطرة على صناعة النفط. وليست هذه مجرد مسألة أيديولوجية: حيث تضم إمبراطورية الميليشيا التجارية الشركات التي تبيع الخدمات الهندسية، والتى تعتبر الأجانب منافسين غير مرحب بهم. وقد تنطوي صعوبة أخرى في منظمة الدول المصدرة للنفط “الأوبك”، التي تهيمن عليها خصم إيران اللدود المملكة العربية السعودية، وجيرانها من الدول السنية الأخرى التي قد تبحث جميعها عن سبل تمنع عبرها الشيعة من الحصول على حصة من السوق.