بسبب اللبس في فهم كيفية احتساب معدلات التضخم والمقارنات مع الدول الأخرى، لم يصدق الكثير من القراء مانُشر عن معدل التضخم (35%) خلال الخمس سنوات الماضية على الرغم من القناعة بأن ارتفاع الأسعار كان عاليا وقضى على نسبة كبيرة من الدخول الشهرية، ويبدو أن أساس الخلل في فهم معدلات التضخم هو مقارنة أسعار بعض السلع بين المملكة والدول الأخرى والتي تظهر بأنها مازالت لدينا تماثل أو أقل من تلك الدول، بل لم يصدق البعض أن التضخم في مجموعة السكن المرتفع لدينا بشكل كبير قد انخفض في دول مثل قطر واليابان!.
وقد تزامن نشر معدلات التضخم -التي فوجئ بها معظمنا كوننا تصدرنا دولا أوروبية وآسيوية وخليجية فيها- مع تحذيرات دولية من ارتفاع أسعار الغذاء عالميا، أي مزيد من التضخم المتوقع في مجموعة الأطعمة والمشروبات، إلا أن المخجل حقا أن تُنشر تصريحات وتطمينات بأن المملكة لن تتأثر بأزمة الغذاء! وكأن المملكة في عزلة عن العالم او أنها مكتفية غذائياً وكل مافي الأمر أن لدينا مخزون قمح لمدة أشهر! فلا أعلم حقيقة من الذي يدفعنا للمسارعة بإصدار التصريحات والتطمينات التي اعتدنا على عدم مصداقيتها بانكشاف زيفها واستغلال ارتفاع الأسعار عالميا مبررا لرفع الأسعار ووقوع المواطن ضحية لمثل تلك التصريحات التي سيستثمرها الأذكياء لكوننا سمعناها مرارا ورأينا نتائجها بالتخزين وارتفاع حقيقي لمعدلات التضخم! فمثل تلك التصريحات تتسبب في تأخر تفاعل الجهات المختصة مع الحدث لمراجعة مستوى الدخل واستباق المتوقع لاحتواء نتائجه السلبية على تكلفة المعيشة وتكثيف الرقابة! فالتعامل مع ارتفاع أسعار الغذاء سيصبح تعاملا مع الواقع وذريعة للتلاعب بالأسعار وكأن ذلك كان مفاجئاً، لنبحث بعد تخزين السلع عن مزيد من الأرباح ومنح الإعانات لتجار الجملة!
ولفهم كيفية ارتفاع معدل التضخم لدينا مقارنة بالدول الأخرى يتطلب أولاً معرفة مستوى الأسعار قبل 2007م، في المملكة والدول التي نقارن بها لمعرفة كيف ترتفع الأسعار ومعدلات التضخم في كل دولة أي تقاس نسبة الارتفاع في السعر وليس لسعر السلعة علاقة بالمقارنة، ولذلك يعلم الجميع بان أسعار السكن أوالمواد الغذائية مرتفعة في دولة الإمارات المتحدة أو قطر قبل عام 2007م ولكنها لم ترتفع أسعارها بعد 2007م بنفس نسب الارتفاع الذي حدث بالمملكة، فوفقا للمنشور فان نسبة التضخم بالمملكة كانت (35%) بينما كانت بالإمارات (23.8%) وفي قطر (11.1%) ودول أوروبية وأمريكية أقل من (20%)، والمهم أنه مع استمرار نمو نسب التضخم لدينا وانخفاض أو استقرار نسب التضخم بتلك الدول فانه ليس من المستبعد أن تتقارب أسعارالسلع والخدمات لدينا مع أسعار تلك الدول، وحالياً من يتجول في أسواق الإمارات وقطر في المناطق غير السياحية سيجد تقاربا كبيرا في الأسعار وقد لاتتجاوز نسبة ارتفاعها (8%) وهو ماسيزيد الفارق المعيشي مع دول الخليج بسبب عدم تناسب الدخل بين مواطني الخليج!
وإذا كان الجميع تحدث عن أسباب ارتفاع أسعارالسكن، إلا انه من الغريب أن لايتم التساؤل عن أسباب ارتفاع أسعار الأطعمة والمواد الغذائية بدول الخليج بشكل كبير وبنسب عالية عن جميع الدول الأوروبية والأمريكية والآسيوية، فاسطوانة “سبب ارتفاع الأسعار عالمياً” لاتتفق مع الأرقام التي كشفت بأنها ارتفعت لدينا بنسبة (35%) بينما مثلا في ماليزيا (18%) وسويسرا(11%) فهل هناك أسعار خاصة لبيع دول الخليج؟ أم هناك استغلال فاحش من تجارنا مستوردي المواد الغذائية وأصحاب المطاعم! فالرقابة الفاعلة من وزارة التجارة تبدأ من التفتيش على تجار الجملة ومطابقة فواتير الشراء من الدول المصدرة للمواد الغذائية والتأكد من صحتها ونسبه الربح للتجار والمطاعم وليس فقط بالتفتيش على البقالات! ويبقى أن معدل التضخم الكبير في أسعارالمواد الغذائية يعتبر مؤشرا خطيرا لما قد يحدث في أسعار الغذاء العام القادم الذي تحذر منه دول العالم التي لم ترتفع لديها الأسعارمثل دولنا، فحينها كم ستصل أسعار الغذاء بأسواقنا التي سيسارع موردينا للتبرير بأنها ارتفاعات عالمية وسنكتشف بعد سنوات أننا فقط من ارتفعت عليه الأسعار!