مجلة مال واعمال

نشاط الأسهم هل ينعش سوق الصكوك؟

-

سوق الأسهم تشهد هذه الأيام حركة نشطة سواء على مستوى ارتفاع الأسعار وحجم التداولات، فهي تشهد أرقاما تعيدنا إلى فترة ما قبل الركود في عام 2006، وهذا النشاط بوضعه الحالي مبرر عطفا على حالة الركود التي جعلت كثيرا من الأسهم تنخفض إلى مستويات أقل من السعر العادل لها، لكن من الملاحظ التركيز على بعض الأسهم المضاربية، ورغم أن السوق بالكامل تشهد نشاطا إلا أنه بشكل أقل في الأسهم الاستثمارية، بل إن النقاش السائد بين المستثمرين الأفراد يركز غالبا على الأسهم المضاربية، والتي يتوقع الأفراد أن يحققوا من التداول فيها مكاسب كبيرة في فترة وجيزة.

وهذا يعتبر مؤشرا سلبيا للعودة إلى هذا القطاع، حيث أصبح بعد طرح مجموعة من الشركات الجيدة فيه فرصا كبيرة للاستثمار الآمن نوعا ما، الذي يحقق دخلا جيدا للفرد بدلا من المضاربة في أسهم بأسعار مبالغ فيها، ما قد يؤدي إلى خسائر، وهذا ما قد يدعو إلى العمل إلى احتواء هذه السيولة لكيلا تتكرر مشكلة الأسهم مرة أخرى.

من القنوات الاستثمارية التي قدمتها السوق المالية خلال الفترة الماضية سوق الصكوك، وهي أداة مالية منخفضة المخاطر، تحقق عائدا مناسبا ومتوافقا مع الشريعة، وذلك من خلال صور التمويل والاستثمار المتوافقة مع الشريعة، وغالبا ما تعتمد على عقود الإجارة ومن الممكن أن تكون صكوكا مبنية على عقود مثل المشاركة والمضاربة والاستصناع والمرابحة.

بعد الأزمة المالية العالمية وتحديدا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، شهد قطاع الصكوك نموا في حجم الإصدارات نظرا للإقبال على التمويل الإسلامي، ونجد أنه في السوق المحلية أصبح خيارا أيضا للقطاع الحكومي في إنشاء مشاريع البنية التحتية.

يبقى هناك تساؤل وهو: ما أثر هذا النشاط في سوق الأسهم على الصكوك، خصوصا أنهما يتداولان جنبا إلى جنب في سوق واحدة؟

واقع الحال يشهد تداولات ضعيفة جدا على الصكوك، ففي الوقت الذي نجد فيه أن الأسهم تنشط إلى درجة أن حجم التداولات يصل إلى ما يزيد على 20 مليارا يوميا، ونجد في المقابل أن حجم التداولات في الصكوك على مدى شهر كامل لا يصل إلى حدود الملايين، بل إن التداولات تتم كل شهر ولا تكاد تجد عروضا وطلبات تذكر، وهذا الواقع هو السائد في حالة الصكوك منذ طرحها في السوق المالية، رغم أنها تحقق عائدا مناسبا عطفا على مستوى المخاطرة، ويفترض أن يكون بها نشاط بحيث إن من يدخل إلى هذه السوق ويستثمر فيها يجد أنه في حال ما رغب في الحصول على السيولة، وبيع ما لديه من الصكوك، يمكنه ذلك في وقت مناسب وإلا سيفقد هذا القطاع نشاطه على مستوى الأفراد، وإن كانت المؤسسات المالية والبنوك الاستثمارية تجد فيه فرصا مناسبة تفوق بعض استثماراتها الأخرى.

قد تكون هناك أسباب متعددة لعدم إقبال الأفراد على الاستثمار في الصكوك تمت الإشارة إليها في مقالات سابقة، ويمكن إيجازها بأن السبب قد يكون لعدم معرفة هذه الصكوك لدى الأفراد، ووجود خلاف بين العلماء في تفاصيل أحكام بعض نماذج الصكوك، والأمر الآخر هنا هو انخفاض العائد على الصكوك عطفا على ما يطمح إليه المستثمر الفرد، حيث يتعلق كثيرا بقصص النجاح التي يسمع عنها في سوق الأسهم، حيث إن البعض حقق مكاسب بأضعاف رأسماله، في حين لا يدرك حجم المخاطرة الكبيرة في هذه السوق التي أدت بآخرين إلى خسائر كبيرة، ولذلك مسألة الوعي بأنواع متعددة من طرق الاستثمار مهم بالنسبة للأفراد لتوزيع المخاطر، وفتح مجالات للاستثمار بحيث لا يكون هناك تكدس في الاستثمارات على قطاع واحد، ولذلك من المهم في هذه المرحلة توعية المستثمرين بأنواع متعددة من الأدوات الاستثمارية ومنها الصكوك، وإقبالهم اليوم على الأسهم وقربهم من السوق المالية تعتبر فرصة كبيرة لنشر هذا الوعي، كما أنه في هذه المرحلة من إقبال الأفراد على الاستثمار في الأسهم أن يكون هناك تسريع في زيادة عمق السوق عبر طرح الاكتتابات الأولية الجيدة، خصوصا الجديدة، للحد من المضاربة المحمومة على مجموعة محدودة من الأسهم.

الخلاصة .. أن سوق الأسهم اليوم تشهد نشاطا في التداول، وهذا النشاط قد يكون فرصة لزيادة وعي الأفراد بأدوات أخرى جيدة للاستثمار مثل الصكوك، خصوصا أن نشاطها حاليا ما زال محدودا.

*نقلاً عن صحيفة “الاقتصادية” السعودية.