أظهرت شركة نايت فرانك، شركة الاستشارات العقارية العالمية، في تقريرها الذي أصدرته الأسبوع الماضي، كيف لعب تطور قطاع الخدمات اللوجستية والمالية وقطاع الأعمال والسياحة دوراً محورياً في نهوض دبي كمركز إقليمي وعالمي على مدى العقدين الماضيين. هذا النجاح دفع ببعض الدول المجاورة إلى استلهام تجربة دبي لمحاكاة هذه النهضة.
كما أكد التقرير أن التوقعات المستقبلية تُظهر أن اقتصاد الإمارات سينمو بمعدل وسطي يعادل 3.6% سنوياً في الفترة ما بين 2015 – 2020 (بمعدل أسرع من ألمانيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، فرنسا، هونغ كونغ وسنغافورة). ولكن كيف تبلي دبي – والإمارات بشكل عام – مقارنةً مع المراكز الإقليمية العالمية الأخرى؟.
الصناعة واللوجستية
في الفترة ما بين عامي 2004 و2014، تزايدت الأنشطة التصنيعية في دولة الإمارات بمعدل سنوي بالغ 3.1% وفقاً لبيانات البنك الدولي. ووفقاً لنفس المعيار سجلت سنغافورة معدلاً متفوقاً قدره 6.1% بينما تفوقت دبي على المراكز الأخرى: هونغ كونغ (-1%) واستراليا (-0.4%) والمملكة المتحدة (-0.3%).
وعلى صعيد أكثر أهمية، حققت الإمارات معدل نموٍ تراكمي في قطاع التصدير بلغ 117% ما بين عامي 2004 و2014 وهو أسرع بما يقارب الضعف مقارنةً بنمو التصدير في ألمانيا البالغ 85% وسنغافورة 61%.
البنية التحتية
ومما لاشك فيه أن النوعية الممتازة للبنية التحتية لشبكة النقل كانت خلف الأداء القوي لقطاع التصدير، حيث صنف المنتدى الاقتصادي العالمي الإمارات في المركز الأول عالمياً في التقرير الخاص بعام 2014- 2015 متقدّمةً بذلك على سنغافورة التي حلت ثانياً وهونغ كونغ ثالثاً وألمانيا في المركز السابع.
وبمعزل عن العوامل الأخرى، كل ذلك يشير بشدّة إلى قدرة الإمارات على الاحتفاظ بلقب المركز الاقتصادي الاقليمي للمنطقة على المدى القريب والمتوسط.
وكنتيجة جزئية لذلك وبالإضافة للنجاح المستمر لدبي في تعزيز موقعها الاستراتيجي بين الشرق والغرب، فإن الطلب على استئجار المساحات العقارية ذات الجودة في القطاع الصناعي والخدمي قد تجاوز المعروض في الإمارات في السنوات القليلة الماضية، ولهذا السّبب لم تتوقف إيجارات العقارات عن الارتفاع.
قطاع الخدمات والأعمال
وبالنظر لقطاع خدمات الأعمال والخدمات المالية، ساعد ظهور مركز دبي المالي العالمي وهو واحد من 38 منطقة حرة في الإمارات في تعزيز صدارة الإمارات كمركز اقليمي في العقد الماضي.
وبالنظر إلى التوقعات المستقبلية تُظهر توقعات صندوق النقد الدولي بأن اقتصاد الإمارات سينمو بمعدل وسطي يعادل 3.6% سنوياً في الفترة ما بين 2015 – 2020 فمن غير المفاجئ أن تتابع الشركات الاستثمارية العالمية افتتاح فروعها في هذا السوق.
بالإضافة إلى أن الإمارات تتابع تقديم تسهيلات كبيرة للأعمال (حيث لا زالت تتسلّق سلّم درجات التصنيف العالمي للبنك الدولي منذ عام 2011 وحلت في المركز 22 من أصل 189 بلداً في عام 2015)، حيث يتطلب فتح استثمار جديد في الإمارات فقط 8 أيام وهو رقم لا يبدو بعيداً عن 6 أيام التي يتطلبها افتتاح استثمار في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأقل من 15 يوماً المطلوبة في ألمانيا.
وقد شهدت دبي قبيل الأزمة الاقتصادية في عام 2008-2009 اطلاق عدد كبير من مشاريع أبنية المكاتب وتم تسليم جزء منها لاحقاً بعد سنتين أو ثلاث ولكن مع وجود طلب متدنٍّ من قبل المستأجرين في تلك المرحلة فقد ارتفع معدل العقارات الشاغرة في الإمارات بدون شكّ.
ولكن في المقابل، استعاد قطاع الأعمال والقطاع المالي عافيته ابتداء منذ عام 2011، حيث ازداد معدل إشغال العقارات وانخفض معدل العقارات الشاغرة مما زاد من طلب المستثمرين على مباني المكاتب التجارية.
السياحة والفنادق
وفي قطاع الضيافة فإن معدل عدد الغرف الفندقية للفرد (المفاتيح الفندقية بالنسبة لعدد الأفراد) في دبي يزيد بشكل ملحوظ على نظيره في المراكز الاقليمية الأخرى في العالم. وبالنظر إلى معدل مفاتيح الفنادق الفاخرة للفرد فإن الفجوة بين دبي ومنافسيها تزداد اتساعاً لمصلحة دبي..
ولا بد من الاعتراف بأن السبب يعود جزئياً لقلة تعداد سكان الإمارات مقارنة بمنافساتها من المدن العالمية الأخرى ذات التاريخ الأطول، ويعود ذلك أيضاً إلى العدد الكبير من الوحدات الفندقية التي تم بناؤها منذ الأزمة الاقتصادية الأخيرة. وأدى هذا الارتفاع الكبير في المعروض مترافقاً مع ارتفاع قيمة الدرهم الإماراتي أخيرا، إلى الضغط على معدلات الأسعار اليومية والإشغالات الفندقية ودفعها إلى الانخفاض.
ومع ذلك، لم يغن كلّ هذا دبي عن سعيها الدائم لتعزيز مركزها كوجهة سياحية وكنقطة مركزية للرحلات الجويّة في العالم. وكمثال على نجاح هذا السعي يقضي زوار المدينة حالياً وقتاً أطول في دبي للتمكّن من زيارة معالمها السياحية..
حيث ارتفع معدل إقامة الزوار من 2.6 ليلة في عام 2004 إلى 3,8 ليالٍ في عام 2014 وهو دليل آخر على نجاح استراتيجية عمل الحكومة التي ارتكزت على زيادة المعروض السياحي في الدولة.
وأخيراً، تفوق مطار دبي الدولي على مطار لندن هيثرو العام الماضي ليصبح بذلك المطار الأول عالمياً بالنسبة لعدد المسافرين (70.5 مليون مسافر لدبي العالمي مقابل 68.1 مليونا للندن هيثرو) والمدهش في الأمر أن مطار دبي كان يستقبل ما يقارب نصف عدد مسافري مطار هيثرو قبل عقد من الزمن فقط.
القطاع السكني
في هذه الأثناء وفي القطاع السكني شهدت أسعار الوحدات السكنية الفخمة ارتفاعاً مقداره 59% عبر السنوات الخمس الأخيرة لينتهي ذلك في 2014، وهو أداء أفضل مما هو عليه في لندن ذات المعدل (52%) ونيويورك (47%) وهونغ كونغ (31%) وباريس (18%) وسنغافورة (7%) وسيدني (2%).
ولكن التقارير تشير إلى أن القطاع السكني في دبي واجه بعض العقبات في السنة الفائتة مما أدى لانخفاض الأسعار. وبالفعل فقد انخفضت أسعار الوحدات السكنية الفاخرة وفق معدل سنوي قدره 4.5% في نهاية الربع الثاني من 2015، ولكن ذلك لا يعدو عن كونه انخفاضاً ضئيلاً مقارنة مع الانخفاض العام لإجمالي الوحدات السكنية..
والذي وصل إلى 12,2% على نفس الفترة. وكذلك الأمر، فإن حجم المعروض من الوحدات السكنية الفخمة تحت الإنشاء لا يعتبر كبيراً مما يشير إلى أن الأسعار ستحافظ على درجة أكبر من المرونة في فترة 12 – 18 شهراً مقبلة.
الأكثر أماناً في العالم
أكد التقرير أن إمارة دبي تبقى أحد أكثر الأماكن أماناً في العالم، تنعم بشبكة ارتباط ممتازة مع العالم كلّه وتتمتّع بنظام ضريبي منخفض وكذلك نظام سياسي مستقر ونموذج اقتصادي قوي. وبدون شك فإن تظافر تلك العوامل سيمهد الطريق لنجاح الإمارات ليس فقط كمركز اقتصادي إقليمي، بل على مستوى العالم أيضاً.