أُجْبِر العاملون في “فريق السلامة على شبكة الإنترنت” لدى شركة مايكروسوفت على مشاهدة صور ومقاطع فيديو “لاعتداءات جنسية لا توصف”، و”وحشية مُروِّعة”، بالإضافة إلى مشاهد القتل والاعتداء على الأطفال، مما أدى إلى إصابتهم بتوتر شديد لاضطراب ما بعد الصدمة، بحسب ما ورد في دعوى قضائية أقاموها مؤخراً.
وأوضحت الشكوى المُقدمة، نيابةً عن اثنين من الموظفين وعائلاتهم، “المحتوى غير الإنساني والمثير للاشمئزاز” الذي أُجبِر كل منهما على مشاهدته بصورة منتظمة، وزعموا أن الأثر النفسي كان مُبالغاً فيه لأقصى درجة، حتى إن هؤلاء الرجال “يُثار غضبهم” بمجرد رؤية الأطفال، ولا يستطيعون استخدام الكمبيوتر بدون التعرض للانهيار، وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية، الخميس 12 يناير/كانون الثاني 2016.
أما عن الدعوى، التي اتهمت مايكروسوفت بـ”الإهمال لإلحاقها الاضطراب العاطفي” بموظفيها، فهي تفتح نافذة على العالم المُحاط بالسرية في كثير من الأحيان، للإشراف على محتوى الإنترنت، وتسلط الضوء على المعاناة الشديدة التي يعيشها الأشخاص الذين يعملون في مجال التكنولوجيا المسؤولة عن الكشف والإبلاغ عن المحتوى الرقمي “المُصَمَّم بهدف الترفيه عن أكثر الأشخاص فساداً وأصحاب العقول المريضة حول العالم”.
عمل مروع
قال بين ويلز، أحد المحامين الذين قدموا الدعوى في ولاية واشنطن الأميركية، حيث يقع مقر مايكروسوفت، “إنه لأمر رهيب. يكفي رؤية طفل يتعرض للتحرش الجنسي لتشعر بالسوء، ولكن هناك أيضاً جرائم القتل، بالإضافة إلى أفعال أخرى -لا توصف- تحدث مع هؤلاء الأطفال”.
إذا حكم لصالحهم، قد يؤثر الحكم إيجابياً على الشركات العاملة في نفس المجال، وقال ويلز إنه يأمل أن تلهم القضية الآخرين ليتحدثوا عن ظروف العمل السيئة.
وقال متحدث باسم مايكروسوفت في بيان إن الشركة “لا تتفق” مع الادعاءات التي جاءت في الدعوى وإنها “تأخذ مسؤوليتها لإزالة صور الاستغلال الجنسي للأطفال التي تنشر عبر برامجها والإبلاغ عنها، على محمل الجد، وكذلك صحة وسلامة الموظفين الذين يقومون بهذا العمل الهام”.
“لم تحذرهما”
عمل المدعيان هنري سوتو وجريج بلاورت في فريق السلامة على شبكة الإنترنت، المسؤول عن الامتثال للتشريع الصادر في عام 2008، والذي يلزم شركات التكنولوجيا بالإبلاغ عن صور الاعتداء على الأطفال، وغيرها من الجرائم.
لم تحذر مايكروسوفت العاملين من مخاطر هذا النوع من العمل واحتمال إصابتهم بمشكلات نفسية “مرهقة”، وفقاً للدعوى، التي أقيمت في ديسمبر/ كانون الأول 2017 وأعلن عنها هذا الأسبوع.
وقالت الدعوى إنه تم نقل سوتو “رغماً عنه” إلى وحدة العمل تلك في عام 2008، وكانت له سلطات واسعة، فقد كان يراقب اتصالات أي من العملاء. كما شملت وظيفته مساعدة إنفاذ القانون في الإيقاع بـ”العصابات التي تقوم بمثل تلك الجرائم” و”جماعات العنف”، وتطلب عمله مشاهدة “عدة آلاف من الصور وأشرطة الفيديو” التي تحتوي على مشاهد العنف والوحشية.
يقول محامو سوتو “الكثير من الناس لا يمكنهم تخيل ما كان يشاهده السيد سوتو بشكل يومي، إذ إن معظم الناس لا يفهمون كم الوحشية واللاإنسانية التي من الممكن أن يكون عليها أسوأ الأشخاص في العالم”.
كما كان على بلاورت، الذي تم تعيينه موظفاً بدوام كامل في عام 2012، أيضا “مشاهدة الآلاف من الصور من المواد الجنسية التي يستغل فيها الأطفال والمواد الجنسية للكبار، والتي صورت وحشية وانحراف مرتكبيها”.
ورغم أن مايكروسوفت قامت بإنشاء “برنامج للتعافي”، ووفرت استشارياً للعاملين، كانت الخدمات غير كافية وغير فعالة، وفشلت الشركة في مساعدة العاملين على فهم “الصدمة غير المباشرة”، واضطرابات ما بعد الصدمة التي كانوا يعانون منها، وفقاً للدعوى.
تقول الشكوى إن المسئولين عن البرنامج نصحوا العاملين بأخذ استراحات للتنزه واستراحات للتدخين في أيام العمل، واقترحت على بلاورت لعب ألعاب الفيديو للسيطرة على الأعراض التي كان يعاني منها. ولكن مع ذلك، في وقت لاحق، أعطاه رؤساؤه تقييماً سيئاً لزعمهم “قلة إنتاجيته وإضاعة الوقت على ألعاب الفيديو”.
الأطفال وشاشة فيديو داخلية
عندما التقى سوتو في البداية بالأطباء النفسيين، قال إنه كان يعاني من اضطرابات النوم، والكوابيس، والقلق، وكذلك من “شاشة فيديو داخلية في رأسه كان يرى فيها صوراً مثيرة للاضطراب”. مع تقدم الوقت، بدأ يعاني الهلاوس البصرية، ونوبات الذعر في الأماكن العامة، واضطراب الانفصال عن الواقع والاكتئاب.
وقال ويلز لصحيفة الغارديان “أحد مثيرات الاضطراب لديه هم الأطفال. في بعض الأحيان، لا يستطيع النظر إلى ابنه… ولا يستطيع رؤية السكين في المطبخ… أو النظر إلى أجهزة الكمبيوتر”.
وقد حصل سوتو في نهاية المطاف على إجازة مرضية.
وقالت الدعوى إن بلاورت عانى من انهيار بدني وعقلي في عام 2013 عندما كان يواجه “البكاء بغير سبب، والأرق، والقلق، واضطرابات ما بعد الصدمة”. ومن العوامل التي تثير الاضطراب لديه الآن، النظر إلى الأشخاص الذين يشبهون “المعتدين” و”مخاوف على سلامة الأطفال”. وهو أيضاً غير قادر على النظر إلى أي “محتوى متعلق بالأطفال” على أجهزة الكمبيوتر، ولم يعد للعمل بسبب هذه الاضطرابات، وفقاً للشكوى.
بشر لا آلات
يسعى المدعون للحصول على تعويضات، كما اقترحت الشكوى أيضاً بعض الإصلاحات الممكنة التي من شأنها أن تجعل مهمة مراقبة “السلامة على شبكة الإنترنت” أقل ضرراً. ويتضمن ذلك، الخروج من البرنامج بصورة دورية، المزيد من الإجازات، واللقاءات الأسبوعية مع أخصائي نفسي وبرامج التعافي الخاصة بالعلاقات الزوجية.
ورفضت مايكروسوفت التعليق على الادعاءات المحددة، لكنها قالت في بيان، “إن صحة وسلامة موظفينا الذين يقومون بهذا العمل الصعب، تعتبر أولوية قصوى”.
وقالت الشركة أيضاً إنها توفر الدعم النفسي إلزامياً كل شهر، وتستخدم التكنولوجيا “للحد من واقعية الصور”، وتعيد تعيين الموظفين الذين لم يعودوا يرغبون في القيام بهذا العمل، وتحد من مقدار الوقت الذي يقضيه الموظفون في المراقبة.
وقال ويلز إن مايكروسوفت وشركات التكنولوجيا الأخرى عليها القيام بعمل أفضل بكثير “لحماية الأشخاص الذين يقومون بذلك العمل البطولي”. وأضاف “إنهم ينقذون حياة الأطفال. إنهم يسوقون المعتدين الوحشيين الذين يستحقون البقاء في السجون، إلى تلك السجون”.
وقال المحامي إنه يعتقد أن شركات التكنولوجيا الأخرى لديها تحديات مماثلة، وبرامج العافية إما غير كافية أو غير موجودة. في السنوات الأخيرة، كانت هناك تقارير سابقة عن الظروف المقلقة للمشرفين الذين يقومون بمراجعة فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب وغيرها من الشركات.
وأضاف ويلز أن “الجمهور بحاجة إلى فهم أن هذا العمل لا يقوم به جهاز الكمبيوتر”.