سارة طالب السهيل
تتسارع ثورة الذكاء الاصطناعي في قوتها وسيطرتها على حياتنا السياسية الاقتصادية والاجتماعية والدينية والفكرية بشكل بات يرعب الكثيريين من المفكرين والمختصين بمستقبل الجنس البشري ليس فقط فيما يتصل بمستقبل لقمة عيشه ، ولكن ايضا فطرته الانسانية وأديانه .
فالمقاطع المنتشرة على اليويتوب حول زواج الرجل بدمية حاسوبية قد يجلبها من الصين وغيرها ، يبرمجها بما يشاء وتشاطره الحديث والافكار ، ورغم انها تبدو نوعا من الفانتازيا الا انها تخرق الناموس الطبيعي للاسرة والمجتمع ، وقد تهيئ تلك الفيديوهات الامر لتحقيقه في واقعنا .
للأسف الشديد فان سنوات جائحة كورونا ” المصطنعة ” هيئت البشرية للعيش في كنف العزلة ومخاطبة الالة والتواصل الانساني فقط عبر الموبايل ، فهل كانت الجائحة جزء من مخطط عزل البشرية ومن ثم برمجتها لاحقا على التعايش مع مشاعر الوحدة والاندماج فقط مع تطيبقات الالة وصولا للتحكم الكامل بمشاعر الانسان وعقله والسيطرة عليه وتوجيهه بما يريده صناع الذكاء الاصطناعي ؟ّ!!!
فتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي هي أسلحة عملية ذو حدين تخفي السم في العسل ، مثل برمجيات “تشات جي بي تي” أتقنت لغتنا البشرية فصارت قادرة على تشكيل ثقافاتنا وتستخدم اليوم في علاج بعض مشكلات الذكاء العاطفي والاجتماعي بما تتيحه لمستخدميه من فرصة التعبير عن افكارههم وأرائهم باللغة التي يختارونها ، فانها ايضا دون ان ندري قد تدفع المستخدمين الى تغيير افكارهم ومعتقداتهم الى حد كتابة نصوص مقدسة ومع الوقت تصنع دينا جديدا يلغي الاديان السماوية كما يؤكد المختصون بمجال تاريخ الجنس البشري .
ومع ما حققته هذه التكنولوجيا من نجاحات كبيرة في مجالات الصحة ، والأمان البيئى وتوفير فرص عمل جديدة ، لكنها تسببت في زيادة معدّلات البطالة ، وتسريح العاملين بقطاعات مختلفة وحتى الشركات العالمية سرحت اكثر من 150 موظفا عام 2022
ووفقا لبنك الاستثمار جولدمان ساكس ، فان الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل ما يعادل 300 مليون وظيفة في الفترة المقبلة ، وان تقنياته المختلفة ستقوم بمهام ربع الوظائف في الولايات المتحدة وأوروبا.
الغاء الانسان
بحسب أحدث دراسة لآثار تقنيات الذكاء الاصطناعي بسوق العمل بامريكا ، صدرت عن جامعة بنسلفانيا بالمشاركة مع منظمة أوبن أيه آي الأمريكية ، فان 80% من القوى العاملة الامريكية ستتأثر بنسبة 10% من مهام عملها ، وسوف تستولي تقنيات تعلم الآلة على 49% من عملها .
التأثير السلبي سيشمل الأجور وأيضا اصحاب الدخل المرتفع ، بينما يشمل تهديد الوظائف كل من المحاسبين وموظفي الضرائب والصحفيين والمحللين الإخباريين ، فيما بقيت مهن أخرى بعيدة عن التهديد ، كالرياضيين وعمال البناء والطهاة والرسامين ، بجانب المهن الحرفية كالنجارة والسباكة و الأدباء وغيرها .
الواقع العملي يؤكد صدق نبؤة هذه الدراسة وغيرها ، حتى في أشد المهن تاثيرا في تشكيل وعي الناس كالاعلام فقد يختفي دور الاعلامي والمذيع بالشاشات والاذاعات ، مثلما حدث بالصين واستخدامها أوّل مذيع أخبارٍ آليّ يعمل بتقنيّة الذكاء الاصطناعى ، اسمه بـ«إى آي» يقوم بقراءة الأخبار .
ايضا تنشيء مَحكمة ذكيّة فيها قاضٍ واحد يحضر المرافعات ، وينسِّق مع المدّعى العامّ والمُحامى والمُدَّعى عليه ، عبر أجهزة الحاسوب ، ويُساعده كاتِب ضبط آليّ.. يقوم بتسجيل جلسة المُحاكَمة .
ومع توقع العلماء بتنامي وظائف الذكاء الاصطناعى فى حياتنا اليوميّة ، فيمكنه إدارة شئون المنزل واستقبال الزوار ، و التنبيه إلى اخطار الحرائق او تعرُّض طفلٍ صغير للسقوط أو تعرُّض المنزل للسرقة ، وأيضا القيام بإعداد القهوة ، وطَلَبْ مستلزمات المنزل من السوبر ماركت ، وقيادة السيّارة ، والتعرُّف إلى حالتنا النفسيّة والمزاجيّة وترشيح المُنتجات التى تُناسب اهتماماتنا وأماكن توافرها .
حتى عالم الغيب الخاص بالجنة والنار في الاخرة لم يسلم من تصور تطبيقات الرسم بالذكاء الاصطناعي ، حيث تم تداول رسوم منها لتصور الجنة وهو ما يتعارض مع معتقد الايمان بالغيب ، وكما يقول ـ علماء الاسلام ـ لا يمكن قياس نعيم الدنيا بنعيم الاخرة ، لان مدركاتنا الحسية المادية قاصرة جدا عن خيال تصور حديث سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم في قوله : “ إن فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة عام لا يقطعها ”؟!
مخاطر جسيمة
رغم انقسام العالم بشأن الثورة التي سيُحدثها الذكاء الاصطناعى ، بين تأييدها نظرا لما تحققه من فوائد تحسن حياة الناس واسعادهم ، وبين التشاؤم من مخاطرها الجسيمة على البشرية كما ذهب رئيس ومؤسِّس شركات « نسلا وسباس أكس » و« أيلون موسك » وتوقعاتهما بأنها ستقود العالم الى حرب عالمية ثالثة .
بل ان استمرار تطور تطبيقات الذكاء الصناعي قد يمهد لنهاية الجنس البشري بحسب عالِم الفيزياء الكبير « ستيفن هوكينغ » .
وبرأيي ان تطبيقات الذكاء الصناعي جزء من تطور العلم والحضارة الانسانية بالالفية الثالثة للميلاد ، ولا يمكننا الهروب منها هي جزء من حياتنا المعاصرة ، ولكننا لابد وان نمتلك الوعي الفكري والثقافي والديني اللازم لحماية انفسنا من نكون مجرد قطيع بأيدي صناع هذه التكنولوجيا .
فيجب الوعي تماما بمخاطر الذكاء الاصطناعي ، بدءا من وعي الحكومات بضرورة تغيير المناهج الدراسية المناسبة لهذا العصر وتحدياته ، وذلك بالتوسع في التعليم الحرفي والمهني بجانب التعليم الرقمي والتقني .
وبتقديري ايضا ان انكار هذه الثورة التقدمية يعد ضربا من الخيال ، ومن ثم يجب ان نتعامل مع تحديات عصرنا العلمية وفق ضوابط تحفظ لنا بقاء الاسرة والترابط العائلي ، ولقمة العيش اللازمة لاستمرار بقاء الانسان وخلافته على الارض .
سارة طالب السهيل
المصدر : https://wp.me/p70vFa-I12