ومنذ ليلة الإفتتاح في العاشر من الشهر الجاري تعيش بيروت إحتفالية مطلقة بالرقص والأزياء المتنوعة إلى جانب الزحام السعيد الذي تخلقه العروض من حيث الحركة التي لا تهدأ خارج المسارح التي تستقبلها قبل أن تستهل الفرق نشاطها وبعد أن تنتهي منها إذ يصر البعض على مرافقتها إلى المطاعم والنوادي الليلية التي تمضي فيها ما تبقى من أمسيتها وسط الرقص والإحتفالية وتناول المأكولات المحلية الشهية.
وفي المسارح يتم توزيع كتيب يلخص السنوات العشر التي مضت وفيه دون بعض الفنانين الكبار الذين إستضافهم المهرجان إنطباعاتهم عنه فضلاً عن بعض النقاد الذين يرون فيه مهرجانا عربيا يتخطى حدود لبنان الذي يستضيفه كل سنة فترة أسبوعين ومراكز ثقافية تتعامل معه وكأنه الإمتداد الطبيعي ليوميات الناس من حيث قدرة العروض على معالجة المواضيع الإجتماعية السياسية والإنسانية.
ويؤكد مؤسس مهرجان بيروت للرقص المعاصر (بايبود) والمدير الفني فيه عمر راجح ان المهرجان “تمكن مع الوقت من أن يخلق من بيروت مركزاً للرقص المعاصر في العالم العربي كما خلق حركة ثقافية فنية شبابية. ومن هذا المنطلق يقول البعض انه أشبه بالمساحة الخضراء أو حتى الأكسيجين الذي تتنفسه العاصمة كل عام.”
ويرى بعضهم ان سبب نجاحه يعود إلى عمق المواضيع التي تعالجها العروض متخطية عنصر الترفيه فارضة على المشاهد ان يطرح على نفسه ومحيطه بعض الأسئلة لدى خروجه منها.
ويضيف راجح لرويترز انه منذ العاشر من الجاري المسارح ممتلئة ولا مقاعد شارغة في مختلف العروض كما ان البعض حجز بطاقاته لليلة الختام في 27 الجاري. ويعلق “10 فرق 10 عروض ل10 سنوات”.
ويصر راجح كل عام على أن يطل على الجمهور من خلال كلمة المهرجان التي يدون فيها فكرة الدورة الحالية المحورية. وفي كلمة الدورة العاشرة سلط الضوء على ان الرقص المعاصر لا يروي قصة بل هو “عفوي وبسيط لا يستريح الى التعقيد غير الضروري بل هو مبني على فكرة أو مفهوم”.
أما فيما يتعلق بالجسد يرى راجح ان المهرجان تمكن من أن يطرح “نظرة مختلفة عنه. وبالنسبة إلي فان هذا الجسد يعبر عن وجودنا وكياننا. والنقطة الأهم ان هذا الجسد يعكس مفهومنا لجسدنا في هذه الحياة. ومن هنا إصرار المهرجان على تقديم الفرق التي تطرح مختلف المواضيع التي تحمسنا وتلمسنا في آن. العروض تطرح مواضيع محددة ولكنها لا تروي القصص”.
ويتميز المهرجان بكونه يضم بين فريق العمل العديد من المتطوعين الذين يضعون أنفسهم تحت تصرف الرقص المعاصر موظفين طاقاتهم وأوقات فراغهم لإنجاحه.
ويعيش راجح وفريق العمل لحظات طويلة من التوتر قبل أن تبدأ العروض خوفاً من أن يتأخر البعض عن الوقت المحدد للعروض لاسيما وان أبواب المسرح تقفل بطلب من راجح عند الثامنة والنصف تماماً.
وتقول الراقصة والمسؤولة في المهرجان الشابة ميا حبيس ان ما يجعلها تتحمل مختلف المسؤوليات في المهرجان “هو بكل بساطة الحب. لا أعلم كيف أوفق بين الرقص والمسؤوليات الإدارية ولكن رأسي صار أقرب إلى كومبيوتر. لا أنام ساعات طويلة وأتدخل في أدق التفاصيل في المهرجان منها التنظيم. ولكنني إعتدت هذه الحياة السريعة الإيقاع”.
وعندما يسأل البعض راجح ما الذي يدفعه إلى تقديم المهرجان الضخم في ظل الظروف الأمنية الراهنة يجيبهم بسرعة “لو أردنا إنتظار أن تهدأ الحالة الأمنية كلياً لما كنا نحتفل اليوم بعيدنا العاشر. نحن في الواقع في أمس الحاجة لهذا النوع من العروض الفنية-الثقافية التي تلمسنا من الداخل على المستوى الفردي ولهذا السبب نغض الطرف عن الصعاب المحتومة”.
وكما هي العادة في كل دورات المهرجان-الحدث يسخر فريق العمل وقتا طويلا لتحضير البرنامج لاسيما في ظل إصرار راجح على إستقطاب كل الفئات العمرية مع العلم ان الغالبية المشاركة هي شبابية. كما تشهد العروض العديد من العائلات التي تختار ما يناسبها.
وقال “الأجواء في الكواليس رائعة. هي قصة طريفة تروى وفيها تمتزج التحضيرات مع القلق المحتوم قبل إعتلاء الخشبة إلى التواصل ما بين بعض الراقصين والجمهور الذي يقع تحت سحر راقص أو آخر فيصر على التعرف اليه ولم لا ينضم إلينا عندما نرتاد المطاعم الشعبية فتنتقل الحركة من المسرح إلى مختلف الاماكن في العاصمة. مع العلم ان بعض الفرق تعود مجدداً الى البلد وقد وقعت في حبه وتحت سحر حياته اليومية بصخبها وتنوعها”.
ميساء موراني التي قالت انها تحضر كل العروض ترى في هذا الحدث إحتفالا حقيقيا بالحياة “أعشق المسرح والرقص المعاصر يستفزني كما يجعلني اكثر تنبها لكل ما يحصل من حولي. بيروت تعيش لحظات لا تعوض من المرح والشغف من خلال بايبود. همهمات الناس قبل العروض تصفيقهم عندما يروقهم مشهدا أو آخر وتوجههم بعدها الى أماكن السهر الشعبية لينضموا الى الراقصين تفاصيل لا يمكن غض الطرف عن اهميتها في حياتنا اليومية”.