هناك حكمة قديمة تقول بأن الأشخاص الذين يتولون مناصب عليا في مؤسساتهم عليك إمتلاك الرؤية، الكاريزما وثقة كبيرة بالنفس.. أما مهارات التفاوض فغير ضرورية.
الحكمة القديمة هذه أبعد ما تكون عن الحقيقة.. القيادة تتطلب مهارات خرافية في التفاوض وأي شخص يريد أن يكون قائداً عليه إمتلاك مهارات التفاوض.
الأهمية هذه تصبح أكبر حين نتحدث عن الرئيس التنفيذي، فهو رأس الشركة وعليه فإن المسؤوليات كلها تقع على عاتقه.
في بحث أجرته ماركت واتش فور نيغوشياشين تبين بأن كل شخص في أي منصب كان يقوم بالتفاوض يومياً أكثر مما يخيل اليه، فـ ٨٠٪ من التواصل اليومي هو نوع من أنواع التفاوض. فهو لا يستخدم للبيع والشراء فقط ولكنه مهارة ضرورية جداً لأي شخص في أي منصب كان داخل المؤسسة وخصوصاً لمناصب القيادة لانه من دونها لا يمكننا الحديث عن رئيس تنفيذي فعال.
أهمية مهارات التفاوض للرئيس التنفيذي
السلطة لها حدودها، فأحياناً ورغم أن الرئيس التنفيذي هو على رأس الهرم ولكنه يتعامل مع مجموعة مختلفة من الأشخاص، بعضهم أكثر ذكاءاً وربما أكثر موهبة منه وفي بعض الأحيان في مناصب أعلى وربما قد يكونوا فئة لا يملك أي سلطة عليهم.
على الرئيس التنفيذي إقناع الاخرين بالسير على خطاه وبتبني وجهات نظره وخططه وعليه هو بحاجة ماسة التواصل معهم بشكل فعال.. أي أن يبيع رؤيته للشركة، وهذه لا يتم الا من خلال التفاوض الفعال والمؤثر.
قيادة على أساس الفائدة
لماذا على الأشخاص الذين تقودهم أن يتبعوك ؟ إن كنت تظن بأن الكاريزما، أو منصبك أو رؤيتك للشركة وأهدافك تكفي فأنت في مأزق كبير.
صحيح أن هذه الأمور تؤثر على نظرة الآخرين إليك وعلى كيفية ربط أنفسهم بك ولكنها لا تدفعهم للسير خلفك أو تبني خططك. العلاقة بين القائد والأتباع قائمة على مبدأ المصلحة والفائدة، فأي موظف أو مدير يعتبر أن السير على خطاك لا يصب في مصلحته فلن يقوم بذلك.
وعليه كما هي حال أي مفاوض بارع عليك التركيز على ما يهم الطرف الآخر، وبعد معرفتها يجب العمل على تحقيقها.. حينها سيصبحون من الأتباع المخلصين الذي يعملون وبشراسة لتحقيق أهداف الشركة.
الصوت القيادي الذي يناسبك
قال الشاعر والت ويتمان « كل من يتحدث معي بصوت صحيح، سأتبعه».. والمقصود بالصوت هنا هو الحديث عن الأمور التي تهم الآخر وفق القنوات الصحيحة التي تتناسب مع البيئة. الشاعر هنا تطرق الى أساسيات التواصل ودوره الكبير في القيادة كما أشار الى أهمية تشكيل مهارات التواصل من أجل ملاقاة حاجات الاخرين وإهتماماتهم. لذلك من الاهمية بمكان معرفة الوسط الذي ستتواجد فيه قبل إختيار مقاربة التفاوض التي تريدها.
فلو إفترضنا أن رئيساً تنفيذياً لشركة ما يريد إقناع أعضاء مجلس الإدارة بالإستحواذ على شركة ما. لو إفترضنا أن المدير هذا قام بإرسال مذكرة جماعية الى أعضاء مجلس الإدارة يتحدث فيها عن آلية الإستحواذ ونتائجها.، فإن النتائج ستكون سلبية وسيكون فشل في مفاوضاته فهو إعتبر، بمذكرته تلك، أن دعمهم من المسلمات وعليه هو لا يضع أي أهمية على رأيهم كما أنها رسالة واضحة لهم بأنه هو، وليس هم، من يسير الأمور في الشركة.
ولكن لو قام بالحديث مع كل عضو بشكل منفرد عن الإستحواذ وفسر له أهمية الخطوة فحينها سيعرف الجزئيات التي تهم كل واحد منهم، وبالتالي لن يحصل على الدعم فحسب بل سيكون صورة عن عمليات الإستحواذ المستقبلية التي تهم الشركة.
التفاوض من أجل رؤية الشركة
المؤسسات كبيرة كانت أم صغير تتطلع الى القادة فيها من أجل تحديد الرؤية. المقاربة المعاصرة هي أن الرؤية تأتي من الرئيس التنفيذي، ومن دون رئيس تنفيذي قوي الشركة لن تملك رؤيتها الخاصة. ولكن هذه المقاربة ليست بالضرورة صحيحة، لأن في الشركة هناك عشرات الأشخاص من مدراء وموظفين يملكون أفكاراً مختلفة وعديدة حول الرؤية نفسها.. التحدي الأساسي هو جمع كل هذه الأفكار والخروج برؤية واحدة تجمع بينها.
غولدمان ساكس واجهت المعضلة هذه حين أرادت التفاوض حول تحولها الى شركة مساهمة عامة. في العام ١٩٨٦، كانت غولدمان ساكس شركة تقدر قيمتها بـ ٣٨ مليون دولار ويملكها أكثر من ٢٠٠ شريك. كان هناك محاولات عديدة للخروج برؤية مشتركة ولكنها فشلت.. النجاح كان في العام ١٩٩٨ حين قام كل من رئيسي مجلس الادارة بالاجتماع وجهاً لوجه مع الشركاء كل على حدى رغم أن عددهم كان ١٩٠ شخصاً.
التفاوض هنا يشبه مفاوضات دبلوماسي محترف، يقوم بالإستماع وتدوير الزوايا ومعرفة كل ما يحتاج اليه الآخر.
أوجه التفاوض الضرورية
الخبراء في مجال التفاوض يملكون القدرة على التأثير بالأخرين. وكرئيس تنفيذي على الشخص أن يتمكن من إدارة العلاقة والخروج بنتائج إيجابية مع الموظفين، رؤوساء الأقسام، الشركاء، والزبائن وغيرهم. التفاوض الفعال هنا يتم بعد ترسيخ صورته كمدير يمكن الوثوق به وبإثبات قدرته على عدم الانهيار تحت الضغوطات.. وكل هذا يعيدنا الى النقطة الأساسية معرفة إحتياجات الاخرين.
التفاوض والقيادة وجهان لعملة واحدة خصوصاً حين يتعلق الأمر بإعادة هيكلة داخل الموسسة. في الظاهر الرئيس التنفيذي قد يبدو خلال تلك المرحلة وكأنه يملك كل السلطة والنفوذ وبأنه قادر على كل شيء، ولكن المقاربة الأكثر نجاحاً هي الإستماع، والاختلاف، والتعاون وفي نهاية المطاف كسب جميع الجهات.