عندما قرر الشاب لي بيغينز الذي كان يعمل بائعا للسجاد أن يؤسس موقعا للتوظيف على الإنترنت، لم تدفعه فكرة عدم امتلاكه لأي مهارات في مجال الكمبيوتر للتراجع عن ذلك المشروع.
عندما كان بيغينز يبلغ من العمر 19 عاما، كان لديه طموح كبير في نجاح فكرة مشروعه التجاري على الإنترنت، وذلك في عام 1999. فقد ذهب حينها لشراء جهاز كمبيوتر، وكتاب يشرح له كيفيه التعامل مع الإنترنت، مما كلفه 899 جنيها استرلينيا.
كان بيغينز قد ترك المدرسة عندما كان في الـ 15 من عمره، حينما كانت نتائجه الدراسية ضعيفة جدا. لكنه التحق بعد ذلك بدورة لمحو أمية الكمبيوتر في مدينة “فلييت” في هامبشاير حيث يقيم، والتي تقع على بعد 45 ميلا جنوب غربي لندن.
وعندما أدرك بيغينز أن بإمكانه أن يواصل مشروعه مع بعض المساعدة في الأمور الفنية، ذهب إلى الحانة التي كان يجتمع فيها مع أصدقائه في الحي، وسأل الجميع: “هل يعرف أحدكم أي شخص يمكنه أن ينشيء موقعا على الإنترنت؟”
فقال أحد زملائه إنه سوف يسأل صديقا له يدعى برايان ويكم، والذي أنشأ قبل ذلك موقعا إلكترونيا للمولعين بالسيارات. وافق ويكم على الانضمام لبيغينز كشريك في المشروع، وأسسا معا موقعا إلكترونيا للباحثين عن وظائف، والذي يحمل اسم “سي في لايبراري” (أي مكتبة السير الذاتية)، وذلك في عام 2000.
ومن خلال قرض بنكي قيمته 9000 جنيه استرليني، ركز ويكم على استكمال النواحي التكنولوجية للمشروع، بينما ركز بيغينز على ابتكار أفكار جديدة، وعلى قيادة المشروع.
وبعد ثلاث سنوات من بداية المشروع، والتي كان نمو الشركة خلالها يسير ببطء، بدأت الشركة في تحقيق أرباح خيالية. واستمر نمو الشركة بوتيرة سريعة حتى اليوم، وأصبح موقع “سي في لايبراري” ثالث أكبر موقع إلكتروني للباحثين عن وظائف في المملكة المتحدة.
وتبلغ قيمة الشركة حاليا نحو 100 مليون جنيه استرليني، ولا يزال المقر الرئيسي للشركة في مدينة “فلييت”، كما يبلغ حجم التداول السنوي للشركة 25 مليون جنيه استرليني. وتسعى الشركة حاليا للانتشار في الولايات المتحدة.
ويقول بيغينز الذي يبلغ 38 عاما: “مررت بالفعل بوقت عصيب في المدرسة، ولم تكن لدي ميول أكاديمية، وكنت أبذل جهدا كبيرا بالفعل. اعتقدت أنني خاسر.” ويضيف: “لكن عندما كبرت، أردت أن أثبت لنفسي ولكل شخص آخر، أنني يمكن أن أحقق نجاحا كبيرا.”
فكرة مدهشة
ويقول بيغينز إن فكرة إنشاء موقع للباحثين عن وظائف على الإنترنت كانت تُعزى إلى ما أصابه من إحباط شخصي نتيجة للمشقة التي لاقاها أثناء البحث عن وظائف، وعند التقدم لها.
ويضيف: “كنت أبحث عن وظائف، واضطررت لإرسال نسخا من سيرتي الذاتية إلى جميع شركات التوظيف تلك. وكنت أفكر في نفسي قائلا ‘ينبغي أن تكون هناك طريقة أفضل للقيام بذلك'”.
ويتابع: “ولذا جئت بفكرة إنشاء موقع يمكنك من خلاله كباحث عن وظيفة أن تترك بياناتك، وبالتالي يمكن لأي شخص (من أصحاب الشركات والأعمال، ووكلاء التوظيف) أن يتواصل معك.”
وبينما كانت الشركة لا تحقق أرباحا تذكر في أول ثلاث سنوات، كان بيغينز يواصل عمله في مجال بيع السجاد مع والده.
ولكي يزيد بيغينز من معرفته بمجال الوظائف عن قرب، كان يذهب للعمل بدوام جزئي في إحدى شركات التوظيف للتعرف على تفاصيل ذلك المجال الجديد بالنسبة له.
وبعد أن فشلت المحاولات الأولى للتسويق للموقع في جلب عدد كبير من العملاء، من خلال الملصقات وأوراق الدعاية التي توضع على السيارات التي تقف خارج محطة “فليت” للقطارات، بدأ بيغينز التسويق لشركته من خلال الإعلانات مدفوعة الأجر على موقع غوغل، ومحركات البحث الأخرى على الإنترنت.
وبعدها بدأ عدد المستخدمين للموقع يتزايد قبل أن يحقق الموقع نجاحا مدهشا في عام 2004، عندما أصبح الموقع شهيرا على نطاق واسع، وعندما زاد الإقبال بدرجة كبيرة وبشكل مفاجئ من قبل الباحثين عن وظائف على مواقع التوظيف على الإنترنت بشكل عام.
وقد تطلب ذلك من بيغينز أن يبدأ في تعيين أول موظفيه بالشركة. ويقر أن جزءا من نجاح الشركة يمكن أن يُعزى للتوقيت، وإلى حقيقة أن الموقع كان قد أنشيء عندما كانت شبكة الإنترنت لا تزال في بداية مهدها نسبيا، مع وصول الناس إلى الإنترنت من خلال خدمات النطاق العريض ذات السرعات العالية.
ويقول بيغينز: “كنا نحتاج فقط إلى مبلغ 9,000 جنيه استرليني لإنشاء ذلك المشروع، لأن شبكة الإنترنت كان جديدة، ولم يكن هناك مشروع آخر يحتل تلك المساحة.”
ويتابع: “لكن الآن أصبحت العقبات أمام دخول ذلك المجال كثيرة، واليوم لا يمكنك أن تحلم بإنشاء مشروع مماثل دون امتلاك مليوني جنيه استرليني لتبدأ وتظهر على الساحة.”
“نشيط جدا”
وهناك حاليا نحو 9,5 مليون مستخدم مسجل على موقع “سي في لايبراري”، وهناك أكثر من 10 آلاف شركة ووكالة توظيف تستفيد من خدمات ذلك الموقع.
ومن بين هذه الشركات “تيسكو” و”آسدا”، و”هينكين”، وبنك “إتش إس بي سي”، و”رويال ميل”، و”سكاي”.
وبينما تدفع الشركات الكبرى عشرات الآلاف من الجنيهات الاسترلينية لذلك الموقع، يمكن لصاحب حانة يبحث عن موظف لتقديم المشروبات أن يدفع مبلغا يبدأ من 149 جنيها استرلينيا مقابل الحصول على تلك الخدمة.
ومنذ عام 2013، أصبح بيغينز يمتلك الشركة بالكامل بمفرده، بعد أن قرر شريكه ويكم الرحيل للتفرغ لعائلته. وقد اشترى بيغينز حصة شريكه في المشروع مقابل 10 ملايين جنيه استرليني.
وبعد أن افتتح بيغينز فرعا جديدا للشركة في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، يخطط الآن للتوسع على مستوى العالم، ويريد أن تصبح قيمة الشركة “مليار دولار” في غضون خمس سنوات من الآن.
ويقول بيغينز إنه كل يوم يكون “نشيطا جدا، ويذهب دائما إلى مكتبه، ويتجول في فروع الشركة للتأكد من أن كل العاملين لديه يشعرون بالسعادة”.
لكن ذلك لا يمنع من وجود جانب يتسم بالشدة لدى بيغينز، إذ أن موظفي شركته البالغ عددهم 140 موظفا لا يُسمح لهم بالذهاب للتدخين، أو استخدام هواتفهم المحمولة، أو تصفح مواقع الإنترنت لأغراض شخصية خلال ساعات العمل.
يقول بيغينز: “لقد ورثت أخلاقيات العمل من والدي. ويقول الناس إن فكرة أن يصبح المرء رائدا في مجال الأعمال هي شيء يبدأ منذ ولادته، لكنني أعتقد أن ذلك يتعلق بسمات المرء الشخصية.”