في مثل هذا الوقت من العام الماضي، اجتمع قادة السياستين المالية والنقدية بجانب رجال العالم المصرفي في ليما، عاصمة البيرو، في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، وسط ظروف اقتصادية صعبة. تباطؤ اقتصادي للدول المتقدمة، قلق من أداء الدول الناشئة مع تدهور أسعار النفط، وحبس للأنفاس بانتظار قيام الفيدرالي بأول رفع للفائدة منذ الأزمة المالية العالمية.

وبعدها يمر عام كامل، وتستعد الوجوه نفسها لحضور هذه الاجتماعات في واشنطن، وسط الصعوبات نفسها وأخرى جديدة أكثر تعقيدا. عالميا، ستحضر بريطانيا هذه الاجتماعات، مطلّقة عن الاتحاد الأوروبي. الأميركيون سيحضرون وغالبيتهم على استحياء من دونالد ترامب الذي كان ترشحه للرئاسة مجرد “نكتة” في اجتماعات ليما. ألمانيا ستحضر ومعها الحمل الثقيل لأكبر بنوكها على الإطلاق، دويتشيه بنك، والذي يخاف البعض أن يكون “ليمان براذرز” الجديد ليدفع العالم في قاع الأزمة المالية. أما منتجو النفط فيصلون العاصمة الأميركية في خريف 2016 والذي شهد شتاؤه تراجع أسعار “الذهب الأسود” إلى ما دون الثلاثين دولارا للبرميل، ليصبح سعر ليتر النفط أقل من ثلث معدل سعر ليتر المياه المعدنية (19 سنت ليتر النفط، 67 سنت ليتر المياه المعدنية).

أما إقليميا، فيحضر وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في الخليج هذه الاجتماعات، بعد عام صعب تراجعت فيه إيراداتهم لنصف ما كانت عليه في 2014، وأقبلوا فيه على إجراءات تاريخية للسيطرة على العجز المالي. مصرفيو الخليج يحضرون بتحديات صعبة أيضا من تراجع السيولة وما أثير حول خروج الودائع، إلى تباطؤ الاقتصاد الذي يهدد بانتفاخ المخصصات في أي لحظة. مصر حاضرة على أمل تأمين قرض صندوق النقد الدولي بينما يستعد المصريون في أي لحظة لتعويم الجنيه.

العربية ولتسع سنوات الآن تحرص على تغطية الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، كونها من الفرص القليلة التي تمكننا من جس نبض المسؤولين لمعرفة أين سيتوجهون بأموالنا وأي طريق سيسلكون لحملنا من جديد إلى شاطئ الأمان. وهنا، قد ترسم على وجوه كثيرين علامات التعجب أو الاستهزاء: أين بر الأمان من إلغاء المكافآت والزيادات السنوية، أو زيادة أسعار البنزين والمياه والكهرباء، أو فرض ضريبة القيمة المضافة، أو غيرها من الخطوات التي تحاول فيها الحكومات السيطرة على ميزانياتها؟ الإجابة صعبة لمن اعتاد أن تبقى خطوات التقشف عناوينا لنشرات الاقتصاد العالمية ولكن ليس المحلية. فكان من الاعتيادي السماع عن فقدان ثمانية ملايين أميركي لوظائفهم خلال عامين من الأزمة المالية، أو تخفيض معاشات المتقاعدين في أوروبا مرات ومرات، أو فقدان المودعين في قبرص ثلاثين في المئة من ودائعهم، وغيرها العديد من العناوين التي لطالما اقتصرت على الغير والتي عند استذكارها قد تجعلنا نفكر مرتين فيما إذا كنا بالفعل قد نجونا من الأسوأ مرارا وتكرارا حتى في ظل الظروف الحالية.

الاجتماعات ستعقد في أروقة مقرات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، ولكن آذان الآلاف، ونحن منهم، ستكون منصتة للمؤتمرات الصحافية والاجتماعات الرسمية وغير الرسمية لمعرفة خارطة الأشهر المقبلة والتي قد لا تحدد تفاصيل مشهد الأشهر المقبلة، ولكنها على الأقل ستجعله أقل ضبابية.