في الأنباء، أن بعض قوى الائتلاف الوطني للمعارضة السورية، تفكر جدياً في «استعارة» نموذج منظمة التحرير الفلسطينية، كإطار ناظم للعلاقات الداخلية لمكونات الائتلاف، وصيغة جاذبة لاعترافات إقليمية ودولية، بها كممثل شرعي وحيد للشعب السوري … وقد ارتفع منسوب هذا التفكير في ضوء اعتراف الولايات المتحدة بمكاتب الائتلاف كبعثات خارجية، لها مكانة شبه دبلوماسية.
من حق الائتلاف أن يفكر على هذا النحو، أو على أية شاكلة يريد … لكن قبل الإقدام على خطوة من هذا النوع، يتعيَّن الإجابة على سلسلة من الأسئلة والتساؤلات:
عندما قامت منظمة التحرير الفلسطينية، كان الشعب الفلسطيني، غائباً عن الخريطة الجغرافية والسياسية للإقليم بأسره، بعد سنوات من محاولات طمس هويته وتبديد كيانه الوطني المستقل … الشعب السوري، لا يواجه مشكلة من هذا النوع، فهو قائم في التاريخ والجغرافيا، وله دولة، ما زالت تحظى باعتراف العالم، حتى من قبل أشد خصوم النظام ضراوة في العداء.
في البدء، قامت المنظمة، من ضمن لعبة صراع المحاور العربية، وفي سياقات الحرب الباردة المستعرة آنذاك، وارتبط نشؤها بدعم قوي وتبني واضح من قبل المحور القومي – التقدمي، بقيادة جمال عبد الناصر، ما شكل حاضنة وشبكة أمان لها في بواكير انطلاقتها، مثل هذا الشرط، لا يتوافر للمعارضة، والائتلاف لا يلقى دعماً قوياً من عواصم عربية وازنة، والمعارضة عموماً مدعومة بمحور عربي، يثير من الريبة بأكثر مما يثير من الارتياح .
لم تجمع المنظمة الصفة التمثيلية القانونية، بالصفة التمثيلية الجماهيرية، إلا بعد انخراط فصائل العمل الثوري الفلسطيني في صفوفها، وتحولها من إطار رسمي «فوقي»، وعاء ناظم للحركة الجماهيرية والشعبية الفلسطينية … الصورة أيضاً تبدو مختلفة مع الائتلاف، الذي منذ انشائه، تتقاسم النفوذ بين مكوناته، عناصر وجماعات، محسوبة على دول وعواصم وأجهزة استخبارات، يصعب حصرها، ولقد رأينا كيف تتلاعب الأجهزة والداعمين، بمواقف عناصر الائتلاف وتوجهات قياداتها.
الثورة الفلسطينية، في انطلاقاتها الثانية بعد هزيمة 67 خاصة بعد معركة الكرامة، كانت «راية توحيد» لكل المناضلين العرب، وقبلة لكل الثوريين والوطنيين والتقدميين العرب، بل من أرجاء العالم الأربع… فيما «الثورة» السورية، موضوع خلاف وانقسام في العالم العربي، وهي تجتذب إلى صفوفها «فائض التطرف والغلو والإرهاب» من أرجاء الأرض الأربع كذلك … لذا يبدو الإسقاط تفاؤلياً ورغائبياً، لا أكثر ولا أقل.
منظمة التحرير الفلسطينية لم تفلح في تحرير الأرض، بعد نصف قرن على إنشائها، فهل يعني ذلك أن قادة الائتلاف، باتوا يخططون لإدارة الأزمة السورية لخمسين سنة قادمة؟ … هل نتوقع أن القوم بدأوا يتعايشون مع أزمة مفتوحة على السنين والعقود الطويلة القادمة؟ … وماذا إذا أصبح النضال في سبيل تحرير سوريا، «بزنس»، تنشأ من حوله فئات وطبقات وشرائح اجتماعية، لها مصلحة في إدامة الأزمة وليس في حلها؟ … ماذا إن انتهت «منظمة التحرير السورية» نهاية المجلس الوطني والائتلاف السوري، وربما «حكومة عموم فلسطين»؟
ليست مشكلة الائتلاف والمعارضة، في الشكل أو الصيغة أو الإطار … مشكلتها بنيوية، أعمق من مجرد البحث عن إطار ملائم … مشكلتها تتجلى أولاً وأساساً، بضعف تمثيلها للشارع السوري وانفصالها عنه واغترابها عن همومه وأولوياتها … أما مشكلتها الثانية، ففي قبولها بتسليم إرادتها وقرارها الوطني، إلى غيرها من اللاعبين العرب والإقليميين والدوليين، حتى أننا بتنا نقرأ توازنات القوى الإقليمية والدولية، من خلال استعراض أسماء أية هيئة قيادية جديدة للمجلس من قبل والائتلاف من بعد … أما ثالث مشاكل المعارضة، فتكمن في فساد رموزه وقياداته، التي استفاقت على «البترو دولار» بعد سنوات عجاف من الجوع والتجويع … لقد احتاجت الثورة الفلسطينية لخمسة عشر عاماً من الكفاح المرير، قبل أن تقع في مستنقع الفساد البترودولار، أما المعارضات السورية، لا سيما الخارجية منها، فلم يستغرقها الأمر، أكثر من خمسة عشر أسبوعاً للوصول إلى خط النهاية.
منظمة أم ائتلاف، لا فرق، طالما أن الخلل أبعد من «الغلاف» أو الإطار الخارجي …. ولن يُصلح عطَّار منظمة التحرير ما أفسدته بعض أموال النفط واستخبارات العالم بأسره.