مجلة مال واعمال

مكوّنات الطيران: من الريش إلى المواد المركّبة

-

787 AP #3 ZA003 Taxi Takeoff and Landing K64904-01

من استخدام الريش في محاولة لمحاكاة الطيور أثناء تحليقها في السماء، إلى المواد المركّبة التي يتم استخدامها اليوم في صنع العديد من الطائرات فائقة التطوّر، حيث يجسد تطور المواد التي يتم استعمالها لتحويل حلم الإنسان في الطيران إلى حقيقة مقدار التقدّم الكبير الذي شهده قطاع الطيران.

يقال إن عباس ابن فرناس، العالم العربي العظيم، كان أول إنسان يستخدم الريش لبناء آلة طائرة غريبة وبدائية في القرن التاسع بعد الميلاد. لكن ما من دليل قاطع على نجاح محاولته، غير أن إدراكه في ذلك العصر لضرورة استخدام مواد ديناميكية هوائية خفيفة الوزن لبناء آلته الطائرة يعد أمراً لافتاً بلا شك.

وقال مايكل كيه سينت نائب رئيس تطوير المنتجات في بوينج للطائرات التجارية أنه وبعد مرور ما يزيد عن ألف عام، تفوق مكونات الطائرة التي تم ابتكارها اليوم خيال ابن فرناس الجامح بأشواط. وهناك فرق شاسع بين التعقيد الذي يتسم به عالم الطيران المعاصر وبين بساطة المحاولات الأولى للطيران. ومضى أصحاب الرؤى الثاقبة، مثل الأخوين رايت، بإصرار لتحقيق طموحهم للقيام برحلة طيران باستخدام الآلة وعملوا بأنفسهم على بناء طائرة. وفي الواقع، قام رايت فلاير، وفقاً للمعايير الحالية، بصنع طائرة شراعية بسيطة تعمل بالطاقة ومصنوعة من الخشب والنسيج.

وأشار سينت أن تأثير هذه الحقبة الزمنية في تاريخ الطيران لا ينسى، فقد تم خلالها إثبات أن الطيران باستخدام الطائرات العاملة بالطاقة أمر وارد وممكن الحدوث، كما كانت المحفز لنشوء قطاع الطيران. وتم استبعاد المعادن لثقل وزنها وقابليتها للتآكل، وقام الرواد الأوائل مثل وليام بوينج ببناء هياكل الطائرات باستخدام خشب البتولا الراتنجي الرقائقي (الأبلكاج) أو خشب البلسا، ومن ثم عملوا على تغطيته بالقماش.

وعلى الرغم من استخدام الألمنيوم لصناعة المحركات المكبسيّة التي كانت تشغّل هذه الطائرات، غير أن القدرة على تصنيع طائرة مصنوعة بالكامل من الحديد لم ترَ النور حتى جاء ألفريد ويلم، عالم الفيزياء الألماني، الذي طور سبائك معدنية جديدة وخفيفة الوزن أطلق عليها اسم ديورالومين. وقد لعبت هذه المادة الجديدة دوراً جذرياً في تجربة هوغو جانكرز وساعدته على بناء طائرة تجارية جديدة مصنوعة بالكامل من المعدن، تم الكشف عنها بعد ذلك بثلاث سنوات.

ومنذ ذلك الحين، فتح استخدام السبائك المعدنية الباب أمام تحقيق قفزات جديدة في مجال الأداء، لم يكن تحقيقها ممكناً لو اقتصر الأمر على استخدام هياكل الطائرات المصنوعة من الخشب والقماش.

وأسهم استعمال المعادن التي كانت قادرة على التعامل مع الضغط الميكانيكي للطيران من جهة والاعتماد على مبدأ الكتلة الواحدة، الذي يقوم على الاستفادة من السطح الخارجي للطائرة لدعم ثقلها البنيوي على نحو لا يختلف كثيراً عن قشرة البيضة، من جهة ثانية في إمكانية تطوير طائرة بوينج 247 في عام 1933. وكانت حينها أول طائرة عصرية في العالم تعمل على توظيف قوة سطحها الخارجي المصنوع من الألمنيوم المؤكسد للمحافظة على السلامة.

ومهد هذا بدوره الطريق أمام التحكم بالضغط الداخلي للمقصورة، وأصبحت طائرة بوينج 307 ستراتا لاينر في عام 1938 أول طائرة تجارية تمتاز بالتحكم بالضغط الداخلي للمقصورة. ومع تحقيق هذا التقدم، أصبحت الرحلات الجوية طويلة الأمد والعابرة للمحيطات حقيقة واقعة.

وخلال خمسينيات القرن العشرين، شقّ الجيل الأول من طائرات الركاب النفاثة مثل طائرتي دي هافيلاند كومت وبوينج 707 عباب السماء للمرة الأولى. وأتاح هيكل الطائرة المصنوع بالكامل من الألمنيوم نقل الركاب والحمولة بمنتهى الراحة واجتياز المسافات على نحو غير مسبوق، مما خلق ما يسمى بقطاع الطيران العالمي.

ورغم أن طائرة بوينج 707 تعتبر النموذج الهندسي لطراز الطائرات التي جاءت بعد ذلك، غير أن طائرة بوينج 747 – التي تسمّى بملكة الأجواء – جسّدت القفزة الرئيسية التالية في مجال تصميم الطائرات. وبفضل سبائك الألمنيوم المعزز، تميزت طائرة «جامبو جيت» المبتكرة بجزئها العلوي المحدب بشكل واضح، وبمقصورتها التي تتسع لأكبر عدد من المسافرين وبأضخم حيز للشحن تمتلكه أي طائرة حتى ذلك الحين.