إن المعدل الضريبي المفروض على دخل الشركات في الولايات المتحدة الآن هو الأعلى على الإطلاق بين الدول المتقدمة. حتى بعد العديد من التخفيضات والدفعات المؤجلة، وغير ذلك من الإعفاءات الضريبية، فإن المعدل الهامشي الفعل ــ المعدل الذي تدفعه الشركات على الاستثمارات الجديدة في الولايات المتحدة ــ يظل واحداً من أعلى المعدلات في العالم.
وفي عالم يتسم بتنقل رؤوس الأموال، فإن المعدلات الضريبية المفروضة على الشركات تشكل أهمية بالغة، وأصبحت القرارات التجارية فيما يتصل بكيفية إدارة الاستثمارات ومكانها حساسة على نحو متزايد للفوارق الوطنية. ويعمل المعدل المرتفع نسبياً في الولايات المتحدة على تشجيع الشركات الأمريكية على نقل الاستثمارات وعمليات الإنتاج وتوظيف العمالة إلى دول أجنبية، وثني الشركات الأجنبية عن الاستقرار في الولايات المتحدة، وهذا يعني تباطؤ النمو، وتضاؤل فرص العمل، وتراجع مكاسب الإنتاجية، وانخفاض الأجور الحقيقية.
ووفقاً للرأي السائد فإن عبء ضريبة الشركات يقع في الأساس على أصحاب رؤوس الأموال في هيئة عائدات أقل. لكن مع اكتساب رأس المال المزيد من القدرة على التنقل، فإن العمالة غير القادرة على التحرك نسبياً تتحمل المزيد من العبء بسبب انخفاض الأجور وتضاؤل فرص العمل. ولهذا السبب كانت الدول في مختلف أنحاء العالم حريصة على خفض الضرائب على الشركات. والواقع أن ”السباق إلى القاع” الناجم عن هذا يعكس المنافسة العالمية المتزايدة الحدة على رأس المال والمعرفة التكنولوجية لدعم فرص العمل والأجور المحلية.
فضلاً عن ذلك فإن معدل ضريبة الشركات المرتفع يُعَد أداة غير فاعلة ومكلفة لتوليد العائدات، وذلك بسبب المعاملات المالية المبتكرة والآليات القانونية لتجنب الضريبة. ومن الممكن استغلال المقار القانونية للشركات والمصادر الجغرافية لدخولها لتحقيق مثل هذه الأغراض، والواقع أن الحوافز الدافعة إلى مثل هذا التلاعب ومجالاته كبيرة بشكل خاص في القطاعات حيث تعتمد الميزة التنافسية على رؤوس أموال ومعارف غير مادية ــ القطاعات التي تلعب دوراً رئيساً في دعم القدرة التنافسية للاقتصاد الأمريكي.
وبنسبة 15 في المائة، فإن معدلات الضريبة المفروضة في الولايات المتحدة على أرباح الأسهم والمكاسب الرأسمالية تصبح عند أدنى مستوياتها على مر التاريخ، في حين بلغت حصة الأرباح من الدخل الوطني أعلى مستوياتها على الإطلاق. إن المدافعين عن فرض معدلات منخفضة على أصحاب رأس المال يزعمون أن هذا من شأنه أن يقلص من احتمالات فرض ضريبة ”مزدوجة” على دخول الشركات إلى أدنى مستوى ممكن ــ أولاً بالنسبة للشركات ثم بالنسبة لحاملي أسهمها. إن معدل الضريبة المنخفض على الشركات من شأنه أن يضعف هذا التبرير. فضلاً عن ذلك فإن صناديق التقاعد، وخطط التقاعد، والمنظمات غير الساعية إلى تحقيق الربح، التي تتلقى نحو 50 في المائة من كل أرباح الشركات، لا تسدد ضرائب على هذه الأرباح، وستستفيد من خفض معدل ضريبة الشركات.
ولقد توصلت دراسة حديثة إلى أن فرض الضريبة على مكاسب رأس المال والأرباح باعتبارها دخلاً عادياً خاضعاً لمعدل لا يتجاوز 28 في المائة على مكاسب رأس المال الطويلة الأجل (معدل ما قبل عام 1997)، من الممكن أن يمول خفض معدل الضريبة المفروضة على الشركات من 35 في المائة إلى 26 في المائة. ومثل هذا التغيير من شأنه أن يقلل من الحوافز التي قد تدفع الشركات إلى نقل الاستثمارات إلى الخارج أو تحويل الأرباح إلى النطاقات المنخفضة الضريبة، في حين تزيد من تدرج النتائج الضريبية من خلال تحويل المزيد من عبء ضريبة الشركات من العمال إلى أصحاب رؤوس الأموال.
إن الزيادة في معدل الضريبة المفروضة على الشركات يجد قبولاً لدى العديد من الناخبين الأمريكيين الذين يعتقدون أن الشركات لا تتحمل النصيب العادل من الضرائب، والذين يشعرون بالقلق إزاء اتساع فجوة التفاوت في الدخول. لكن في عالم يتسم بتحرك رأس المال فإن زيادة معدل الضريبة المفروضة على الشركات ــ أو ببساطة تركه على مستواه الحالي ــ تُعَد وسيلة رديئة لتوليد العائدات، ووسيلة رديئة لزيادة تدرج النظم الضريبية، ووسيلة رديئة لمساعدة العمال الأمريكيين.
*نقلاً عن صحيفة “الاقتصادية” السعودية.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-1IV