في آخر مرة تحدثت فيها في دبي، تناولت زوجتي الغداء مع ثلاث نساء فطنات من خلفيات شيعية وسنية ومسيحية.
وبحكم العادة، لا يمكنك أن تتوقع أن يتفق 3 أشخاص من هذه الخلفيات الدينية على رأي واحد، لكنهن فعلن ذلك.. وتمثل هذا الأمر في أن الغرب لا يفهم سبب كره العالم العربي لهم.
والمسألة التي يصعب فهمها للغاية، هي أن مصالحنا النفطية جعلتنا نتطفل على شؤون هذه المنطقة لعقود من السنوات. وعلى هذا الأساس، فليس من الصعب أن ندرك أنهم يكرهوننا بسبب تدخلنا في شؤونهم.
لسوء الحظ، فنحن نزيد في الوقت الراهن من انخراطنا في الصراع القائم في اليمن، الأمر الذي سيؤدي -في نهاية المطاف- إلى جعل علاقتنا مع هؤلاء الناس حتى أسوأ حالاً.
ولكن الصورة الأكبر هي الآتي: لقد سقطنا في دورة جيوسياسية سلبية منذ أحداث 11/9. وهي نفسها الدورة التي تشير إلى فترة مواتية ستبدأ من العام 2020 أو ما إلى ذلك، إلا أن ذلك لن يحدث حتى أن يبذل العالم العربي/ الإسلامي ما بوسعه لإعادة النظام والتوازن إلى ذاته.. علماً بأن ذلك لا علاقة له البتة بنا.
ومن جهة أخرى، فالسبب الذي يجعل من أزمة اليمن في غاية الأهمية حالياً هو أن تنظيم القاعدة قد اختار الدولة الصغيرة كمقر جديد له.
عاشت اليمن مؤخراً انقلاباً لا يفضل بطبيعته تأثير العربية السعودية في المنطقة، وهي بطبيعتها حليفنا الرسمي.
وفي الوقت ذاته، تقوم إيران –شيعية الحكم- بدعم المتمردين في اليمن، وهي التي لطالما كانت عدونا الرسمي حتى المفاوضات الأخيرة.. إذا إلى أي حد من التعقيد سيؤول الأمر؟
تعد المملكة العربية السعودية وإيران أكبر قوتين عسكريتين في الشرق الأوسط. وفي حال انفجر “برميل البارود” هذا يوماً ما، فقد يتحول إلى حرب سنية شيعية تعظم أي حروب أهلية فردية وحركات تمرد في الشرق الأوسط.
وبالطبع، سيكون أفضل ما يمكننا أن نقوم به هو مجرد أن نبقى بعيداً قدر الإمكان عن الأمر.. ولكن التاريخ أن ذلك ليس الحذو الذي نحذوه بقوة.
بواقع الحال، بعد الأزمات التاريخية الضخمة مثل الحرب العالمية الأولى والثانية، مال المنتصرون إلى تقاسم الغنائم وإعادة رسم الخطوط لسياسات جديدة ترتبط بشكل مباشر بمصالحهم. وقليلاً ما كانوا يأخذون بالاعتبار المصالح السياسية والدينية الداخلية للمناطق التي يظفرون بها.
لقد أدركت هذا الأمر عندما كان والدي يقوم بالمهام وبالأعمال الخيرية في رومانيا. فقد وصفنا تلك الدولة بأنها “شيوعية”. وتبين أن هذا هو خط آخر رُسم في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وليس للأمر علاقة بالطريقة التي ترى فيها رومانيا نفسها.
لحسن الحظ، كان بإمكان والدي، الذي كان بمثابة المخطط الاستراتيجي السياسي الأبرز في “البيت الأبيض” خلال فترة الرئيس نيكسون، أن يستخدم صلاته لمنح رومانيا مكانة “أكثر الدول المحبوبة والمفضلة”.
كان ذلك أحد أخطائنا التي صححناها.. لكنها لم تثننا عن مواصلة تحقيق مصالحنا في الأقاليم الأخرى مثل الشرق الأوسط.
واليوم، هناك “ربيع عربي” طبيعي يحدث في المنطقة. وأصبحت الدول التي كانت تُحكم في معظمها من قبل المستبدين – أو الديمقراطيات الفاسدة الشبيهة- تتطلع إلى الثورة كوسيلة لخلق بعض الانتظام الديني السياسي الأفضل.
وبشكل أساسي، ليس هنالك من فروق كبيرة بين ما يقومون به الآن، وما فعلوه في أواخر القرن الثامن عشر.
ولكن هناك مشكلة كبيرة هنا: بعض الدول مثل العراق وأفغانستان.
حيث تعاني كلا الدولتين انقسامات دينية رئيسية التي تعود إلى الخطوط المرسومة منذ الحرب العالمية الثانية. بينما تملك إيران، مثلها مثل العراق، تعدادا سكانيا ضخما من الشيعة. ولكن هذه الدول تملك أقلية سنية قوية أيضاً إلى الغرب باتجاه العراق ووحدات أصغر من الأكراد إلى الشمال، واتساق أكبر مع جنوب تركيا.
ومن ناحية أخرى، يهيمن السنة على التعداد السكاني الأفغاني، فيما يشكل الشيعة أقلية هناك، وتبقى إيران أكبر الدول من حيث الأغلبية الشيعية.
عندما يتعلق الأمر بذلك، فأنا لا أرى أن الحروب الأهلية والصراعات اللانهائية ستنتهي حتى يعيد الشرق الأوسط تنظيم نفسه على طول الحدود الدينية. وهذا يعني أن إيران ستستولي على الجزء الغربي من العراق، بينما ربما يندمج الجزء السني من العراق بسورية أو العكس بالعكس، فيما يرحل أكراد العراق إلى تركيا.
وبصراحة الأمر، فنادراً ما تماشت هذه الطوائف الإسلامية المختلفة مع بعضها البعض، ويبدوا أنهم أقل احتمالاً لأن يتماشوا في المستقبل أيضاً.
ينبغي لذلك أن يكون سبباً كافياً لعد الانخراط في حربين فاشلتين في العراق وأفغانستان، حيث إنك لا تستطيع أن تُنشئ دولة ديمقراطية مجدية من هذه الإيديولوجيات المختلفة!
وعلاوة على ذلك، يرانا العالم الإسلامي على أننا كفار! وهم لا يريدوننا أن نتدخل في شؤونهم السياسية والدينية.. حتى وإن ساعدناهم في الإطاحة بدكتاتور مثل صدام حسين والعديد غيره.
إنه لمن الطبيعي أن تقف إلى جانب السعودية في الصراع الحالي مع اليمن. حيث إن سياساتهم تميل إلى تفضيل القيم الغربية، حتى وإن لم يكن شعبها كذلك.
وإيران هي عكس ذلك تماماً. فهي كتابية “دينية” بحتة على الأصعدة السياسية. بينما يعد شعبها، من ناحية أخرى، شعبا متعلما يحبذ الديمقراطية ويوالي الغرب. وفي الحقيقة، فقد يكون من الأفضل لنا أن ننحاز إليهم على المدى الأطول.
وفي كلتا الحالتين، فلن يكون هناك من انتصار لنا. فبغض النظر عن الجانب الذي سننحاز إليه، سيبقى العالم العربي يكرهنا لتدخلنا وتطفلنا.
لماذا لا ندعهم يسوون منازعاتهم الخاصة بهم؟ فقد تحاربت هذه الثقافات الصحراوية المرتابة على الماء والديانة منذ الأزل. لماذا لا ندعهم يقررون إذا ما كانوا يريدون الديمقراطية أم لا؟
ليس ذلك أمراً يمكننا أن نصلحه بين عشية وضحاها. فلن تصبح الدورة الجيوسياسية مواتية حتى العام 2020. وربما قد نراهم يعيدون رسم حدودهم وسياساتهم بحلول ذلك.
ولكن، في الوقت الراهن، ينبغي علينا أن نتوقف عن التدخل في المنطقة من أجل حماية مصالحنا النفطية. لقد كلفنا الأمر فعلياً حربين مكلفتين جداً، وأكثر من ذلك أيضاً.
وبالنسبة إلى مصالحنا النفطية، فنحن نستطيع أن ننتج نفط الصخر الزيتي والغاز الطبيعي بأسعار معقولة هنا في موطننا.. وحتى ضمن أسعار النفط المنخفضة الحالية.
إذن فما هو الخيار الأفضل: دفع الثمن.. أو مواصلة الانخراط في هذه المنطقة المتفجرة والمتقلبة؟
أنا أعلم لأيها سأصوت.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-6i4