في عملية يُتوقع استمرارها لنحو 45 ساعة، يشهد مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول، ، إقلاع آخر طائرة ركاب تجارية، حيث بدأت عملية الإنتقال الكبير من مطار أتاتورك إلى مطار إسطنبول أحد أكبر مطارات العالم.
وأطلقت الخطوط الجوية التركية، عملية نقل المعدات والحاويات والآليات التابعة لها في مطار “أتاتورك” إلى المطار الجديد، عبر تحميلها بالرافعات على متن مئات الشاحنات الكبيرة.
ويشهد المطار الجديد 23 رحلة جوية مجدولة في الداخل والخارج، ومع حلول 7 أبريل ستنطلق الطائرات منه إلى أكثر من 300 وجهة حول العالم.
وافتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم 29 أكتوبر 2018، مطار إسطنبول الجديد، الذي سيكون الأضخم في العالم بعد استكمال جميع مراحله، ويقع في الطرف الأوروبي من المدينة العريقة المقسمة إلى شطرين.
وتعتبر إدارة الرئيس أردوغان المطار الجديد أحد المشاريع “المجنونة”، أو ما بات يُعرف بـ”مشروع القرن”؛ إذ يسهم في إدخال تركيا بقائمة أقوى 10 اقتصادات في العالم، تحقيقاً لأهم أهداف “خطة 2023”.
ففي 22 يونيو 2018، نفذت طائرة أردوغان الرئاسية أول هبوط في المطار، الذي يعد أكبر مشروع مطار في العالم يبنى من الصفر، وقال فور هبوط طائرته: “نعيش سعادة إنشاء مطار مهيب”.
ومنذ 6 أكتوبر 2017، أكد وزير النقل والاتصالات والملاحة البحرية التركية، أحمد أرسلان، انتهاء 68% من الإنشاءات فعلياً، في المطار، وأن افتتاح المرحلة الأولى من المشروع، رسمياً، سيكون في 29 أكتوبر القادم (اليوم).
ورغم أن هناك الكثير من الفرص والمشاريع العملاقة التي ستسهم في زيادة نمو الاقتصاد التركي، ضمن “خطة 2023″، تخطط حكومة أردوغان لجعل المطار الجديد يحقق طفرات اقتصادية غير مسبوقة، بأن يضيف ما نسبته 4.9% إلى الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2025، وكذلك دخول قائمة أكبر 10 اقتصادات عالمياً، بحسب وزارة النقل والمواصلات التركية.
ومنذ اللحظات الأولى من إعلان المشروع عام 2013، بدأت العديد من دول الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي تنظر إلى مطار إسطنبول الجديد على أنه مصدر تهديد بالنسبة لاقتصاداتها المحلية؛ لكون خطط المطار التشغيلية تشير إلى أنه سيستحوذ على حركة الطيران والمسافرين بمطارات إقليمية ودولية، منها: مطار دبي في الشرق الأوسط، وفرانكفورت بألمانيا، ومطار هيثرو في بريطانيا، فضلاً عن مطار باريس، بحكم موقعه الاستراتيجي الذي يربط شرقي الكرة الأرضية بغربيها وشماليها بجنوبيها، ومن المقرر أن يتحكم في حركة الطيران بقارات العالم الثلاث؛ آسيا وأفريقيا وأوروبا.
واعتبرت صحيفة “ذا إيكونوميست” البريطانية، في تقرير نشرته عام 2017، أن إنشاء مطار إسطنبول الجديد يهدد مطار “هيثرو” البريطاني، الذي يعدّ ثالث أكثر مطارات العالم ازدحاماً، مضيفة أن مشروع “غراند إسطنبول” سيُشكل “التهديد الأكبر للنقل الجوي الأوروبي”.
تضم مدينة إسطنبول حالياً مطارَي “أتاتورك” في الجزء الأوروبي، و”صبيحة كوكشن” بالجزء الآسيوي. أما المطار الجديد، فيقع في الجزء الأوروبي أيضاً بإطلالته على البحر الأسود، ومن المقرر أن تنتهي مراحل المشروع الأربع بحلول عام 2023. وسيسهم هذا المشروع العملاق، بشكل كبير، في دعم التجارة الدولية والتنمية الاقتصادية؛ وعندها ستكون تركيا مركزاً لحركة التجارة العالمية.
– حركة تسابق الزمن
منذ أن وضع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم 7 يونيو عام 2014، حجر الأساس لمطار إسطنبول الجديد، في خطوة تدعم توجهات الحكومة نحو تطوير معدلات الاستثمار ورفعها، وتحسين واقع السياحة، ودعم الاقتصاد، تعكف الوزارة التركية والجهات المعنيَّة على إنشاء شبكة طرق وسكك حديدية متطورة جداً، لربط المطار بمركز المدينة، وتسهيل حركة المرور نحوه.
رئيس وزراء تركيا سابقاً، (ومرشح حزب العدالة والتنمية لبلدية اسطنبول الكبرى حالياً) بن علي يلدريم، أكد مراراً أن بلاده ستصبح همزة وصل جوية تربط القارات الثلاث الكبرى بعضها ببعض (أوروبا وآسيا وأفريقيا)، عند الانتهاء من إنشاء المطار بالكامل، والذي يُقدم في مرحلته الأولى خدمات لنحو 90 مليون مسافر سنوياً، فضلاً عن توفير فرص عمل لأكثر من 100 ألف شخص.
وتبلغ قيمة استثمار المطار نحو 10 مليارات يورو (نحو 10.6 مليارات دولار)، ويُنفذ بتعاون بين القطاعين العام والخاص. وتقول الحكومة إن تشغيل المطار سيحقق عائدات بقيمة 22 مليار يورو (نحو 23 مليار دولار تقريباً) خلال 25 سنة.
وبإمكان المطار، بعد الانتهاء من عملية الإنشاء بشكل كامل، تقديم خدمات لـ200 مليون مسافر سنوياً؛ ليصبح فعلاً “نقطة وصل” تربط دول العالم قبل الانطلاق مجدداً عبر الفضاء المفتوح.
– منافسة عالمية
قطعت تركيا أشواطاً مهمة في مجال الطيران وصناعة السياحة أو الترويج لها، قياساً ببقية دول العالم، مع أهمية تبدو واضحة، تُولِيها حكومات حزب العدالة والتنمية المتعاقبة لتنمية القطاع الاقتصادي.
وارتفع عدد المطارات التركية من 25 إلى 55 مطاراً عام 2015، على مدى فترات حكومات الحزب الذي أسسه أردوغان. كما ارتفع عدد المسافرين على الخطوط الجوية التركية من 35 مليوناً إلى 180 مليون شخص سنوياً في العام نفسه.
وتَعْتَبر تركيا أن مشروع المطار الجديد سيؤدي دوراً مهماً في تحقيق أهدافها الاقتصادية، المتمثلة بدخول قائمة أكبر 10 اقتصادات في العالم بحلول 2023.
وتقول الحكومة إن المطار الجديد سيغيّر مسار الأحداث الاقتصادية والتنموية في العالم؛ بعظمته وضخامته وقدراته الخدمية، ويسهم ذلك في تحويل أرصدة المال العالمي إلى إسطنبول، لتحقق بذلك رؤيتها المتمحورة حول جعل المدينة أكبر مركز مالي واقتصادي وتجاري في المنطقة.
وتزامن إعلان الحكومة التركية عن مشاريع تطوير مدينة إسطنبول، ومنها مشروع مطار إسطنبول الجديد، ونفق أوراسيا، ونفق (تونيل) إسطنبول، ومترو مرمراي، وجسر السلطان يافوز سليم، وجسر السلطان غازي، مع تورط دول عربية وأوروبية في دعم مظاهرات “جيزي بارك”، التي اندلعت في ظل أحداث الثورات المضادة لثورات الربيع العربي.
وغالباً ما تلمح الحكومة التركية إلى تورط حلفاء لتركيا في دعم المظاهرات، التي تهدف بالأساس إلى إسقاط حكومة “العدالة والتنمية”، أو ثنيها عن إقامة هذه المشاريع، التي بدأت تركيا تجني ثمارها لاحقاً، ومن ضمنها مشروع تطوير حديقة “جيزي بارك” وسط منطقة تقسيم السياحية.
– أين يقع المطار الجديد؟
يقع المطار الجديد بمنطقة “أرناؤوط كوي”، في الجانب الأوروبي من مدينة إسطنبول، ضمن منطقة غابات ومحميات طبيعية مملوكة للدولة التركية، وتقدر مساحة المطار بـ76.5 مليون متر مربع، وتبلغ مساحة المبنى الرئيسي للمطار مليوناً و300 ألف متر مربع، وهو بذلك الأكبر في العالم.
وعرضت شركات هولندية الإسهام في إنشاء المشروع، لكنها انسحبت لاحقاً، وعللت الانسحاب بأنّ المطار يهدد البيئة نتيجة إقامته بمنطقة غابات تُعدّ رئة مدينة إسطنبول، الأمر الذي رفضه المدير التنفيذي للمطار يوسف أقتشاي أوغلو، وقال إن المشروع قائم على العناية بالبيئة، وإن أول من عُيِّن في المطار مدير البيئة.
وتجري عمليات إنشاء ما تبقى من المطار حالياً بواسطة مجموعة شركات تركية؛ وهي: جنكيز، وكولين، وليماك، وكاليونمابا، حيث ربحت مناقصة المشروع عام 2013، ومن المقرر أن تشغله هذه الشركات 25 عاماً قبل تحويله إلى الحكومة.
ولإدارة حركة الطيران بأعلى درجة من الفاعلية والاحترافية، أنشأت إدارة المطار راداراً لمراقبة حركة الطيور، يعدُّ الأول من نوعه في العالم، مع طاقم مكون من 6 اختصاصيين؛ لتقليل تأثير الطيور المحتمل على حركة الطيران.
– ما الذي يميز المطار؟
يتميز المطار الجديد بمساحة واسعة تسع 150 مليون مسافر، وتصل إلى 200 مليون عند انتهاء مراحل إنشائه الأربع، مع وجود 165 جسراً لنزول الركاب من الطائرات، وبمساحة داخلية تبلغ مليوناً و500 ألف متر مربع، ومواقف سيارات تَسَعُ 7 آلاف مَركبة، و6 مدارج هبوط وإقلاع مستقلة، و16 مدرجاً موازياً، و6 ملايين و500 ألف متر مربع ساحة وقوف تَسَعُ 500 طائرة.
ويحتوي المطار كذلك على 3 مبانٍ تقنية متطورة، وبرج مراقبة حركة الطائرات، وصالات للشخصيات الهامة (VIP)، مع فنادق راقية، ومستشفيات ومركز طوارئ، ومسجد للصلاة، ومراكز للمؤتمرات، و4 مبانٍ للمطار، موصَّلة معاً عبر سلالم كهربائية، و8 أبراج مراقبة للمدرجات، وقصر يتبع للدولة، ومحطات توليد كهرباء، ومرافق لمعالجة المياه والنفايات.
ولأن تركيا تتمتع باقتصاد ناشئ ومتنامٍ في ظل حكومة “العدالة والتنمية” منذ عام 2002، تسعى حكومة أردوغان، بعد افتتاح المطار الجديد، إلى جعل إسطنبول واحدة من أكبر المراكز المالية والاقتصادية في العالم.
وتشير توقعات شركة الخطوط الجوية التركية إلى نقل نحو 125 مليون مسافر (60 مليون راكب ترانزيت) سنوياً بحلول عام 2025؛ لكون المطار الجديد سينقل 160 مليون مسافر سنوياً خلال مراحله الأولى.
ورغم أن مطار أتاتورك في إسطنبول يعتبر مطاراً جديداً بسعة 60 مليون مسافر سنوياً، فإن نمو أعداد المسافرين جعل الحكومة التركية تسارع بالتفكير في تجاوُز بعض العراقيل التي تُسببها حركة مرور الطائرات الضخمة كما حدث عام 2015.
ومن أجل تفادي إلغاء الرحلات الجوية وتأخيرها، أصبح بناء المطار الجديد أمراً حتمياً وواقعاً مفروضاً، وفرصة لتحقيق أهم أهداف حكومة “العدالة والتنمية” التي قد لا تعوض، وإحداث طفرة في اقتصادها وجعلها مركزاً مالياً وتجارياً في المنطقة.
– تزايد السكان
ويعيش ما يقرب من 80 مليون شخص في تركيا، ويزداد عدد السكان مع تزايد أعداد السياح طيلة أيام السنة. ووجود مطارين في إسطنبول مع هذه الحركة الجوية الكثيفة يعد غير كافٍ أبداً بالنسبة لهذه الأعداد؛ لذلك شرعت الحكومة في بناء مطار جديد بإسطنبول، التي يبلغ عدد سكانها نحو 22 مليون نسمة، منهم 4 ملايين مقيم.
صحيفة “حرييت” التركية كشفت في تقرير لها بعنوان “الخصائص التقنية في مطار إسطنبول الثالث”، بتاريخ 7 يونيو 2014، أن المطار الثالث أحد أضخم المطارات العالمية، استناداً إلى حجم المسافرين الذين سيتمكن من استيعابهم في رحلات الذهاب والإياب، واستناداً إلى حجم المواد الخام المستخدمة في عملية البناء، حيث استخدم 350 ألف طن من الفولاذ والحديد، و10 آلاف طن من الألومنيوم، و415 ألف متر مربع من الزجاج.
وفي سعيها للاستقطاب والاستحواذ على أكبر عدد من المراكز التجارية والشركات العملاقة في العالم، أقامت تركيا المطار الجديد بتنسيق مع مشاريع كبرى تلتقي جميعها في نقطة واحدة، حيث يجمع منطقةَ المطار وخطَّ النقل السريع وخط القطار السريع والقناة البحرية الموازية للبوسفور “قناة إسطنبول” طريق واحد. كما يوفر الموقع للمسافرين فرصة الوصول إلى مراكز النقل الجوي والبري والبحري في آن واحد.
ويؤكد الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال التركي غزوان المصري، أن تأسيس المطار بهذه المواصفات يعزز من مكانة الموقع الجغرافي لإسطنبول كمحطة أساسية وممر للمسافرين حول العالم.
ويضيف “المصري”، في تصريحات صحفية، أن إسطنبول هي المدينة الوحيدة في العالم التي يمكنك أن تسافر منها إلى 53 دولة.
ويتابع أن استقرار النشاط المالي الكبير في إسطنبول يتطلب توفير خدمات نقل ضخمة تسهل سفر وتنقُّل وإقامة رجال الأعمال والمستثمرين والسياح على حد سواء، وتُمكن تركيا من توفير خدمات الترانزيت لهم من خلال المطار.