على عجالة، اقترب حسام جمال من محطة الرمل بمحافظة الإسكندرية، انتظر الشاب الثلاثيني وصول عربة ترام بلجيكية عمرها 89 عاما، بعد عودتها للعمل منذ أيام، ابتسامة علت وجهه مع اقترابها من المكان بلونها الأحمر، متمنيًا قضاء جولة ممتعة.
حصل “جمال” على تذكرة بقيمة 5 جنيهات مصرية، وهو يتحدث لموقع “سكاي نيوز عربية” قائلًا: “رغبت في خوض تلك التجربة منذ تشغيل العربة الأيام الماضية، لا أصدق استقلال ترام من إنتاج عام 1931”.
يضيف “جمال” وعيناه مشدوهتان إلى تصميم العربة: “تشعر كأنك عدت إلى الماضي في لحظات عند ركوب الترام “البلجيكي” ومدى اهتمامهم في فترة الثلاثينيات بصنع وسيلة مواصلات بإتقان وفن”.
وكان محافظ الإسكندرية، اللواء محمد الشريف، قد شهد إعادة تشغيل الترام العتيق، في 6 أكتوبر الجاري، بعد عقود من البقاء داخل ورش الهيئة العامة لنقل الركاب، منذ توارت عنه الأنظار مع مرور الزمن.
وقضى خبراء مختصون بالهيئة عدة أشهر لترميم عربة الترام البلجيكية، وجرت محاولات مختلفة لإعادة تشغيلها من جديد، وفقا للمهندس محمد زكريا، رئيس الهيئة العامة لنقل الركاب في الإسكندرية في تصريحاته لموقع “سكاي نيوز عربية”.
ويوضح زكريا أنهم واجهوا تحديا كبيرا في الحفاظ على الشكل الأساسي للترام القديم، من الداخل والخارج وكابينة القيادة كونها القطعة الوحيدة المتبقية من هذا النوع.
ويضيف: “حرصنا على مطابقة الترام مع صورته الأولى، وفرنا كراسي خشبية بأحجام كبيرة ودهانه بالألوان نفسها التي اشتهر بها، بجانب صيانة الأجزاء التالفة بالعربة البلجيكية”.
وفي رحلته داخل الترام البلجيكي لم يكتفِ “جمال” بالجلوس على المقاعد الخشبية المخصصة للركاب، دفعه الفضول للاقتراب من كابينة القيادة، لفت انتباهه، كما يقول لموقع “سكاي نيوز عربية” تفاعل “عم محمد” سائق العربة مع الركاب.
بدا واضحًا سعادة عم محمد بقيادة الترام البلجيكي، يقول خلال نقاشه المتواتر مع الركاب عند وقوفه في المحطات المختلفة بخط الرمل، إن طريقة التحرك في العربة القديمة مختلفة عن العربات الأخرى.
رئيس الهيئة العامة لنقل الركاب بالإسكندرية يؤكد لموقع “سكاي نيوز عربية” على تخصيص سائقين فقط لقيادة الترام البلجيكي وخضوعهما للتدريب عليه لفترة طويلة قبل استخدامه في شوارع الإسكندرية.
وينوه زكريا إلى أن العربة تعمل فقط من الساعة الواحدة ظهرًا إلى التاسعة مساء، مشددًا على تشغيلها في أوقات الذروة والتي تشهد إقبال على ركوب الترام للحفاظ عليه من كثرة الاستهلاك.
وعن عودة استخدام عربات الترام العتيقة مرة آخرى في خطوط النقل بالإسكندرية، يُشير زكريا لموقع “سكاي نيوز عربية” إلى تنفيذ تلك الخطوة من قِبل بتشغيل “الترام كافية” خلال السنوات الماضية.
وبحسب محافظة الإسكندرية، فإن عربة “الترام كافية” تتسع لـ 32 راكبا وتحوي مكتبة وشاشات عرض، وكافتيريا تُقدم مشروبات ساخنة ومثلجة، وهي عربات مصنعة منذ 70 عاما، خضعت لأعمال صيانة وتطوير وفقا لرئيس الهيئة العامة لنقل الركاب.
ليست الإسكندرية وحدها التي شهدت عودة عربات ترام قديمة، حيث تلألأت إحدى أقدم العربات في مصر خلال افتتاح قصر البارون إمبان بالقاهرة في يونيو الماضي، بحضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
ويقول عاطف الدباح، مدير المكتب الفني للأمين العام بوزارة السياحة والآثار المصرية، في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”: العربة كانت في حالة غير جيدة، جرى تشغيلها للمرة الأولى في أوائل القرن العشرين ضمن خطوط الترام بمصر الجديدة.
ويستطرد الدباح: “تولى معهد الحرف الأثرية مسؤوليتها من الهيئة العامة لنقل الركاب، حصلنا عليها من المخازن إلى ورشة تابعة للوزارة وخضعت لأعمال ترميم كاملة من قِبل أصحاب الخبرة”.
ويشدد الدباح في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” على أن وتيرة العمل امتدت لنحو 8 شهور، زادت في الفترة التي سبقت افتتاح قصر البارون من أجل اللحاق بالوقت المُحدد لفتح أبواب المكان للجمهور.
وبالتزامن مع تجهيز العربة للعرض، قام فريق من الفنيين بإعداد منطقة داخل حديقة قصر البارون لتصبح مكانا للترام، كما يوضح الدباح لموقع “سكاي نيوز عربية” من خلال آليات مُحددة.
ويضيف: “نفذنا قاعدة صلبة وأخرى خشبية لمنع تعرض العربة للرطوبة فضلًا عن تثبيت فلنكات وقضبان سكك حديد لتتحول تلك الساحة إلى قطعة من محطات الترام”.
ومنذ افتتاحه، يستقبل قصر البارون أعدادا كبيرة من الجمهور، فيما أعلنت وزارة السياحة والآثار في الأسبوع الأول لفتح الأبواب أمام الزائرين عن نفاذ جميع التذاكر، التي تصل في اليوم الواحد إلى 900 تذكرة.
وأقر المجلس الأعلى للآثار مواعيد استثنائية لقصر البارون إمبان، لتُصبح الزيارات متاحة من الساعة التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء، بواقع ساعتين إضافيتين عن المواعيد الطبيعية، لمدة أسبوعين فقط، ثم جرى مدها نظرًا لإقبال الزائرين.
ومن أجل حماية عربة الترام من التلف خلال توافد الجمهور عليها، وضعت وزارة السياحة والآثار خطة، كما يُشير الدباح، من بينها عمل كردون حديدي حول العربة منعًا للمساس بها.
ويتابع مدير المكتب الفني للأمين العام بوزارة الآثار المصرية: “كما نلتزم بإجراء صيانة دورية للعربة حفاظا على العمر الافتراضي لها، وحمايتها من أي ضرر خاصة نظرًا لأهميتها الكبيرة كونها عربة تاريخية”.