مال واعمال..
تتمثل السمة الأساسية لمشاريع النقل في الأردن بالتأخر في تنفيذ المشاريع وتعدد القرارات التي تتخذ فيها، الأمر الذي يتسبب بعرقلة نمو القطاع على الرغم من أهميته بالنسبة للاقتصاد المحلي.
ويبدو أن تأخر “محطات” المشاريع، بات يؤثر على قرارات المستثمرين، وتدفقاتهم المالية في قطاع النقل العام الأردني، الذي يفترض أن يكون ثمرة تعاون جدي بين القطاعين العام والخاص، في ظل ضخامة المشاريع التي خططت الحكومات المتعاقبة لتنفيذها.
وتتلخص المشكلة بالنسبة لهذه المشاريع في الأردن، بالإدارة بشكل عام والإدارة الاقتصادية بشكل خاص، كما قال وزير التخطيط الأسبق تيسير الصمادي، الأمر الذي يؤدي إلى عدم الالتزام ببرامج اقتصادية متكاملة، أو تنفيذ المشاريع والسياسات على نظام “القطعة”، أي بدون ترابط قطاعي أو بدون دراسات مستوفية.
وذكر الصمادي أنه فيما يخص الاستثمار في قطاع النقل، فإن الأجندة الوطنية كانت تتضمن توضيحا لرؤية القطاع والاستثمار فيه لعشر سنوات، بالتعاون ما بين القطاعين العام والخاص، إلا أن هذه الأجندة لم يتم الاستفادة منها.
وبين الصمادي أن مشاريع القطعة مثل “الباص السريع”؛ حيث لم تكن دراسات المشروع مستوفية للشروط أو موضوعية، ولم تكن بالمستوى المطلوب، و”القطار الخفيف” الذي تتمثل أهم مشاكله بكيفية الاستثمار بالمشروع ودور القطاع الخاص فيه، وتمويل الحكومة للمشروع الذي تسبب بإرباك في مرحلة ما.
وأشارت مصادر مطلعة في أمانة عمان الكبرى أن المدعي العام المكلف بالتحقيق في شبهات الفساد المفترضة التي تدور حول مشروع الحافلات سريعة التردد “الباص السريع”، “تحفظ” الأسبوع الماضي على المعلومات والإيميلات الموجودة على أجهزة الكمبيوتر العائدة لدائرة النقل في الأمانة ولمديرها التنفيذي كإجراء احترازي ويأتي في سياق التحقيق في ملف الباص السريع.
يشار إلى أن الشركة البريطانية التي نفذت أعمال الدراسات والتصميم لمشروع الباص السريع تقدمت بمطالبات مالية إضافية جديدة بقيمة مليوني دينار.
وطرحت وزارة الأشغال العامة والإسكان أخيرا عطاء لاختيار شركة تقوم بالتدقيق على دراسات الجدوى لمشروع الحافلات سريعة التردد “BRT” التي كانت قد بدأت بتنفيذه الأمانة في العام 2010.
وكان رئيس الوزراء السابق معروف البخيت، أوقف العطاءات المتعلقة بالباص سريع التردد، فيما شكل لجنة فنية لدراسة مشروع الباص السريع وعطاء التصميم، وستكون وظيفة اللجنة المشكلة، إعادة تدقيق المشروع وعطاء التصميم، قبل إحالة أي عطاء تنفيذ جديد، خاص بالمشروع ترغب أمانة عمان الكبرى بإحالته.
وكان تقرير وحدة التدقيق الداخلي في أمانة عمان الكبرى، والمتعلق بمشروع الباص سريع التردد، كشف عن أخطاء ومخالفات في إحالة عطاء تنفيذ المرحلة الأولى بالائتلاف مع شركة سيجما وطحان وبشناق وجدارا.
وأشار الصمادي إلى أن تأخير تنفيذ هذه المشاريع أدى إلى تقليص حجم الاستثمار عبر التأثير على تدفقات الاستثمار الأجنبي في القطاع، في ظل الظروف السياسية التي تعيشها المنطقة، وقلة حجم موارد الحكومة لتنفيذ المشاريع.
وبين الصمادي أن المبالغة في الحديث عن الفساد في المشاريع التي تنفذها أثر سلبا على تدفقات الاستثمارات الأجنبية، إذ أصبح المستثمر يفكر بأنه “مدان حتى تثبت براءته”، علما أن قطاع النقل من القطاعات الدافعة للنمو الاقتصادي وهو من أكبر القطاعات المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، إذ يوفر فرص عمل، ويعمل على تقليص الفاتورة النفطية.
وذكر الصمادي أن عدم تنفيذ الاستثمارات في قطاع النقل بالوقت والطريقة المناسبة يؤثر على مساهمته بالنمو، ويرفع حجم الفاتورة النفطية، الأمر الذي يزيد الأمور سوءا لتنفيذ مثل هذه المشاريع.
وكان مصدر مسؤول أكد أن الحكومة تتجه لاعتماد الدراسة التي بعثتها مجموعة الطاهر للاستثمار لتنفيذ مشروع القطار الخفيف، بدون تغيير بالمخططات والمسارات.
وأشار المصدر لـ”الغد”، إلى أن الحكومة اعتمدت الدراسات والمخططات مبدئيا، في حين أن الرد الرسمي سيكون خلال فترة قريبة، إلا أن ذلك لم يحصل إلى الآن في ظل تغيير الحكومة.
بدوره قال الخبير الاقتصادي يوسف منصور، إن تأخر المشاريع والحديث عن الفساد فيها أثر عليها بشكل كبير، خاصة أن قطاع النقل في الأردن يعاني من ضعف الهيئة الرقابية عليه وضعف الرؤية، على الرغم من كونه أحد أهم قطاعات الخدمات، في ظل موقع الأردن المحوري بالنسبة للعراق؛ إذ ليس هناك استراتيجية واضحة تخدم قطاع النقل.
وكانت الحكومة قدمت في وقت سابق شروطا محددة للدخول في مفاوضات مع مجموعة الطاهر للاستثمار، حول تنفيذ مشروع القطار الخفيف الذي يربط عمان بالزرقاء.
ومن أهم هذه الشروط تقديم شهادات تسجيل أصولية تتضمن الشركات العاملة في المملكة، بالإضافة إلى شهادات تسجيل وملكية الأسهم في الشركات التابعة لمجموعة طاهر للاستثمار في الخارج وذلك للوقوف على قدرة وخبرة المستثمر في تنفيذ وتشغيل مشاريع مشابهة للمشروع المقترح.
وذكر منصور أن إشاعات الفساد لا تؤثر بشكل كبير على المستثمرين خاصة الكبار منهم؛ إذ ليسوا بسطاء فالمهم عندهم هو استقرار القرارات والسياسات، وفي الأردن ليس هناك سياسات اقتصادية فالقرارات تؤخذ جزافا، ما يؤدي إلى عزوف المستثمرين.
وأشار منصور إلى تجميد عدد من المشاريع في قطاع النقل على الرغم من دورها في تشغيل القطاع ودعم ميزان المدفوعات، ما يدل على عدم القدرة على صياغة قرارات مؤسسية ويشير إلى إضعاف المؤسسات وعزوف المستثمرين الباحثين عن قرار مؤسسي، في ظل تشدد البنوك في منح التسهيلات الائتمانية للمستثمرين.
وكان مجلس الوزراء وافق على الدخول في مفاوضات محددة بجدول زمني مع المستثمر (مجموعة طاهر للاستثمار Quatron International Investment Co. Ltd) “مشروطة بعدم تحمل الحكومة لأي مصاريف أو كلف مباشرة أو غير مباشرة نتيجة الدخول في المفاوضات” باعتبار ان ما تم تقديمه من قبل المستثمر يمكن ان يعتبر ومن حيث المبدأ أساسا للتفاوض.