مجلة مال واعمال

مسودة قانون الاتصالات…توسيع صلاحيات «الهيـئـة» وإدارة الظـهـر لمستـقبـل القـطـاع

-

اتصالات نتشهد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تذبذبا في الاداء، وعدم الاستقرار بشكل عام خلال السنوات الثلاثة الماضية ، وبرغم بداية هذه الفترة كان دخول تقنية الجيل الثالث الى السوق المحلية تواليا من قبل المشغلين الثلاثة القائمين، وهي اورانج خلوي، وزين، وامنية، والمؤشر الوحيد الذي حافظ على اتجاهه الصعودي هو عدد المشتركين، الذي ارتفع بوتيرة بطيئة، علما بان هذا المؤشر لا يعكس تعافي القطاع او ايجابية المؤشرات الاخرى.
وفي قراءة فاحصة لواقع قطاع الاتصالات اجرتها «الدستور» للوقوف على اهم المشكلات والعقبات التي تواجهه، فقد اظهرت المؤشرات الرئيسية للقطاع انتقادات  لهيئة تنظيم الاتصالات و دورها  في تباطؤ تطور مؤشراته بشكل ايجابي.
وبالنظر الى نتائج الاجراءت التي تمت خلال السنوات الثلاث الاخيرة، فقد لوحظ تراجع ايرادات شركات عاملة في السوق واخرى نمت بشكل محدود للغاية بالمقارنة بادائها، واذا ما تم قياس هذه النتائج على المديين القصير والمتوسط فانها ستسهم في تراجع الايرادات بنسب متباينة، وهذا يرجح تراجع  ايرادات الحكومة من قطاع الاتصالات.
وفي نفس السياق فان الاجراءات الاخيرة وفي مقدمتها …قانون الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الجديد الذي تم عرضه للاستشارة العامة على الموقع الالكتروني لديوان التشريع والرآي، وتم تمديد موعد الاستشارة العامة حتى الثامن من الشهر المقبل، لاتاحة فرصة اكبر للاستماع لاراء المعنيين بالقطاع.
وبعد استطلاع اراء معنيين وقانونيين حول المسودة الاخيرة للقانون، فقد اكد عاملون ومستثمرون في القطاع ان ما تم نشره على موقع ديوان التشريع والرآي، جاء في بعض احكامه بصورة مغايرة تماما لما تم عرضه اثناء الاستشارة العامة التي تمت من قبل وزارة الاتصالات، وما اتفق عليه، كما ان القطاع الخاص لم يطلع الا على المسودة التي اعدت في نهاية شهر اذار الماضي، وهي مختلفة كثيرا عن المسودة المعروضة للاستشارة العامة والتي ظهرت على الموقع الالكتروني لديوان التشريع والراي، علما بان القانون المقترح لم يراع أفضل المعايير والممارسات العالمية، وأهم مُرتكزات العملية التنظيمية اللازمة للوصول الى التنظيم الذاتي (بحسب شركات).
وفي قراءة متأنية لمواد مسودة القانون يلاحظ منح هيئة تنظيم قطاع الاتصالات صلاحيات كبيرة لا تتناسب مع مبررات انشائها، علما بان الهيئة اشرفت على وضع مسودة القانون، وكانت ترد احيانا على استفسارات مشغلين،  وذلك بالتعاون مع المستشار المعين من قبل وزارة الاتصالات، وحسب مسودة القانون الجديد منحت الهيئة دور السلطة القضائية، ويرى قانونيون ان هذا التخويل يخالف مواد الدستور الاردني، فهي جهة تنظيمية غير مخولة بالقيام بهذا الدور.
وايمانا بأن العلة تكمن في التفاصيل، فقد تجاهلت مسودة القانون الجديد النصوص التشريعية الواردة في القانون النافذ حاليا، والتي تحقق توازنا موضوعيا من ناحية الحقوق والواجبات لجميع الجهات المعنية  من مرخصين و»تنظيم الاتصالات» ومستهلك خدمات الاتصالات، وبحسب المسودة الجديدة فقد تم منح هيئة تنظيم الاتصالات مزيدا من السلطات التي تحدث خللا بحسب قانونيين بالتوازن الحالي بين كافة الاطراف المشاركة في القطاع.
ان توسيع سلطات الهيئة وانفاذ قراراتها بالشكل الوارد في مشروع المسودة الجديدة يجب ان يعد وفق دراسة محايدة من قبل الوزارة، ويتم دراسة عدة نقاط بشكل معمق، منها بحث السلطات الحالية الممنوحة للهيئة ومدى قصور التشريع الحالي في تقييد هذه الصلاحيات.
كما ان هناك ضرورة ملحة لدراسة واقع  قرارات الهيئة الحالية ومدى فعالية تطبيقها، وما اذا تمت وفق اسس مبنية على الشفافية والموضوعية وواقع تطبيقها ضمن الاسس والغايات التي انشئت لاجلها الهيئة، ومدى فعالية الاجراءات التنظيمية من قبل الهيئة وواقع مقارنتها مع الممارسات العالمية، ومدى اثر توسيع الصلاحيات في ظل المعطيات الحالية، بالاضافة الى دراسة اثر هجرة الكفاءات المتوفرة لدى الهيئة والوقوف على اسباب الازدياد الكبير في هجرة هذه الكفاءات وما اثرها على فعالية الاجراءات التنظيمية.
مسودة القانون الجديد منحت سلطات مطلقة للهيئة تتمثل بالتشريع (اصدار التعليمات والقرارات التنظمية) والقضاء (التحقيق وفرض الجزاءات) والتنفيذ في ظل غياب رقابة مباشرة على ادائها، وبالنظر الى الهيكل التنفيذي لها والذي يتكون من رئيس مجلس المفوضين وهو نفسه الرئيس التنفيذي وكذلك مجلس المفوضين وهم انفسهم من يقوموا بادارة دوائر الهيئة، علما بان جميع هذه الكوادر مهندسين ولا يضم المجلس اي قانوني و/أو اقتصادي.
وفي ظل الهيكلية الحالية واستمراها ضمن مسودة مشروع القانون الجديد يصار الى توسيع صلاحيات وسلطات الهيئة الامر الذي يفضي الى خلل في استقرار المعادلة بين المستثمر والحكومة ومستهلكي خدمات الاتصالات.
اما في جانب الغرامات في المسودة الجديدة، التي تتضمن فرض غرامات على مخالفة قرارات التنظيم وقيمتها بموجب القانون، فان هذا الامر ينسحب عليه مجازفة كبيرة للهيئة في حال صدور قرار قضائي قطعي ينقض قرار الهيئة بفرض هذه الغرامة وتحصيلها، وهنا يترتب على الهيئة اعادة مبلغ الغرامة والفوائد القانونية اضافة الى مقدار فوات الربح المتأتي للمرخص له جراء تطبيق قرار الهيئة المنعدم قانونيا، وهذا يشكل مجازفة خطيرة ومكلفة لا يمكن تفاديها وتجعل من فرض هذه الغرامات وتحصيلها تحت هذا البند قد يؤدي الى خسارة مالية كبيرة للهيئة (خزينة الدولة)، الامر الذي يحتم ضرورة البحث في الممارسات الفضلى لتفادي ذلك من خلال ان تكون صلاحية فرض الغرامة هي من مهام القضاء.
علما بان مسودة القانون الجديد  تخالف الضمانات الدستورية بحق اللجوء الى القضاء وبالرغم مما استقر عليه الفقه بعدم جواز تحصين اي قرار، فقد خرج مقترح المسودة الجديدة (المادة 88) بمنع المرخص لهم بالمطالبة بأي تعويض عن أية أضرار نتجت عن الاجراءات التي اتخذت بموجب المادة (87) والمادة (40) من هذا القانون…، وهذا يعتبر مصادرة لحق دستوري كفله الدستور للجميع.
وفي موضوع اخر يتعلق بالعملية التنظيمية لقطاع الاتصالات والهيئة القائمة عليها ولبحث ما هي امكانياتها لنيل كل هذه الصلاحيات في المسودة الجديدة، نجد ان هيئة تنظيم القطاع كانت مكتوفة الايدي، ولم تكتف  بذلك بل اتخذت موقف المؤيد للقرار الحكومي القاضي بمضاعفة الضريبة الخاصة على خدمات الهاتف النقال، وقالت على لسان رئيسها التنفيذي (ان لا اثر على المستهلك (دافع هذه الضريبة) ولا على القطاع جراء مضاعفة الضريبة الخاصة على خدمات الخلوي).
علما بان مضاعفة هذه الضريبة التي حملت المواطن تكاليف اضافية، ادت الى تراجع ايرادات الشركات بنسبة لا تقل عن 10%، نتيجة لجوء المستهلكين  لتقليص مخصصاتهم المالية شهريا للانفاق على خدمات الاتصالات، وفي احسن الاحوال الثبات عند نفس حجم الاستهلاك المالي المخصص شهريا، وبالنتيجة تراجع في ايرادات الخزينة من القطاع.
وبناء على ذلك فان مؤشرات القياس الاخرى لا تظهر مدى التأثر السلبي على القطاع جراء القرار، ومؤشر ارتفاع عدد دقائق الاستخدام (وارد وصادر) غير دقيق، ذلك ان الشركات تقدم عادة ضمن اطر المنافسة المحتدمة فيما بينها عروضا معظمها تهب المشترك دقائق مجانية في خطوة للحفاظ على مشتركيها، وفي هذا الاطار فان الهيئة تخلت عن ابرزمهامها وهي حماية المستهلك.
بالاضافة لما سبق، فقد قامت الهيئة نهاية شهر حزيران الماضي بطرح عطاء لحيازة الترددات التي تتيح تقديم خدمات الجيل الرابع، واعلنت نيتها قبول دخول مشغل جديد الى سوق الاتصالات المحلي الذي يشهد منافسة محتدمة بلغت حد حرب الاسعار، وشهدت هذه الفترة مطالبات كبيرة من قبل الخبراء والمعنين من شركات ومختصين بان تقوم الهيئة باجراء دراسة لواقع السوق وهل لدى هذه السوق المحدودة القدرة على استيعاب مشغل جديد ام لا ؟
وبعد اشهر اكدت الهيئة انها لم ولن تجري هذه الدراسة، وتذرعت بان من يريد التقدم للعطاء سيقوم باجراء الدراسة، علما بان موقف «تنظيم الاتصالات» هذا يخالف انظمتها وتعليماتها، بالتالي فشل عطاء ترددات الجيل الرابع كما فشل عطاء ترددات الجيل الثالث عندما طرح للمرة الاولى، وكانت النتيجة مضيعة للوقت، علما بان خدمات الجيل الرابع متوفرة في عد كبير من اسواق الاتصالات في العالم، وبقيت السوق المحلية متاخرة في تقديم الخدمات والتقنيات الجديدة.
واخيرا، هناك موضوع حيوي وهو تجديد رخص المشغليين الحاليين، والحالة القائمة الآن هي تجديد رخصة اورانج خلوي بالنسبة لخدمات الجيل الثاني، حيث تتعامل الهيئة مع هذه الحالة  بغموض، توجته بالاعلان موافقتها على تجديد الرخصة ضمن بيان صحفي مبهم صدر عنها، وهنا نورد انه من حق المستثمر بموجب القوانين والتشريعات وما هو معمول به حاليا ان يكون على بينة مسبقة باجراءات تجديد الرخص والية احتساب هذا التجديد، وذلك ضمانة لاستقرار استثماراته وبناء استراتيجية العمل على تطورها على المدى القريب والبعيد، مع الاخذ بعين الاعتبار الكلف الناجمة عن ذلك التجديد للرخص العامة، لا أن يتفاجئ بآخر لحظة بآلية او اجراءات لم تكن معروضة امامه مسبقا ( في ظل غياب وجود تعليمات واضحة لهذا الموضوع الحيوي) وعلى قاعدة القبول أو الرفض.