السيدة ماري هيلين ابوت، رغم بلوغها سن السابعة والسبعين، تضع أحمر شفاه زهريا فاقعا وترتدي تنانير قصيرة في حصص اللياقة البدنية. فهذه السيدة المسنة تشارك في دراسة علمية لاكتشاف أسرار الحفاظ على صحة جسدية ونفسية جيدة في خريف العمر.
ففي حين يسعى بعض الاختصاصيين إلى تطوير أدوية للوقاية أو المعالجة من أعراض الخرف المرتبطة بالتقدم في السن، يهتم آخرون كالاختصاصي في الطب العصبي النفسي ديفيد لوينشتاين من جامعة “ميامي” في ولاية فلوريدا جنوب شرق الولايات المتحدة بالأشخاص الذين لا تصيبهم هذه الأعراض.
ويقول ديفيد لوينشتاين “أدرس مرض الزهايمر، لكن إذا ما أردنا كشف ألغاز الدماغ علينا أيضا معرفة السبب وراء الشيخوخة السليمة لبعض الأشخاص”.
ولهذه الغاية، يمول المعهد الأميركي للصحة دراسة ممتدة على 5 سنوات تشمل أشخاصا تراوح أعمارهم بين 63 و100 عام غير مصابين بأي حالة مشخصة من الخرف، ويتميزون إما بصحة عقلية سليمة أو أنهم يظهرون علامات مبكرة عن فقدان الذاكرة.
ويتطرق لوينشتاين إلى دراسات خلصت سابقا إلى أن حوالي ثلث الأشخاص فوق سن 85 عاما يعانون الخرف. أما الثلث الآخر من هؤلاء فقد فكشفت فحوص أجريت عليهم بعد الوفاة وجود نسبة كبيرة من مؤشرات الخرف في الدماغ في حين أن هؤلاء الأشخاص كانوا في وضع سليم خلال حياتهم.
ويضيف لوينشتاين “كيف استطاع هؤلاء الأشخاص عيش حياة طبيعية؟ العلم لم يقدم جوابا على هذا التساؤل. وهذا هو ما نحاول اكتشافه”.
العمل والحياة الاجتماعية
ومن أصل نحو مئة شخص يشاركون حتى اليوم في الدراسة، يعيش أكثر من أربعين في قرية ايست ريدج للأشخاص المتقاعدين محاطين بأعداد كبيرة من حيوانات الطاووس البرية وسط أشجار النخيل وعربات الغولف المتنقلة في داخل مساحات خضراء مصانة بعناية فائقة.
تكلفة العيش في هذا المكان ليست بخسة البتة. فيتعين على الراغبين في الإقامة
في هذه القرية دفع حوالي 111 ألف دولار للانتقال إلى الموقع من ثم دفع إيجار شهري لا يقل عن 2700 دولار.
وبعد فترة وجيزة على وصولها إلى المكان قبل سبع سنوات، بدأت المربية السابقة في مدرسة إعدادية غوين نورث البالغة 85 عاما- لكنها تبدو اصغر من سنها الفعلي بعشرة أعوام- بالاهتمام بمتجرها للبضائع المستعملة. وتفاخر بأنها تعمل “لست ساعات أسبوعيا تقريبا”.
أما زوجها آرت البالغ 86 عاما فمعروف بشخصيته المرحة وحبه لتشارك المعلومات ومهارته في إصلاح الأعطال الالكترونية.
سر الشباب الدائم
وخضع آرت وغوين لاختبارات ذاكرة، وقدما عينات من النخاع العظمي لترصد الآثار البيولوجية الأولى للشيخوخة. حتى أنهما يعتزمان التبرع بدماغهما لخدمة العلم.
وعن سر شبابهما الدائم، تجيب غوين “الأمر عائد إلى الحفاظ على النشاط الجسدي والى الجينات السليمة”.
من ناحيته يرى آرت أن الفضل في هذا الوضع يعود “ببساطة إلى العمل والى زوجتي”.
هذه النظرية تؤكدها بيانات علمية. وفي هذا الإطار تشير لورا كارستنسن مديرة
مركز للبحوث في جامعة ستانفورد خلال مؤتمر في واشنطن إلى “أننا نعلم منذ زمن طويل أن الناس الذين يعملون يتمتعون بصحة أفضل مقارنة مع الأشخاص غير العاملين”.
دور للفوارق الطبقية ؟
ومن بين العوامل المعروفة على صعيد الحد من أعراض الشيخوخة هناك ممارسة الرياضة بانتظام واعتماد النظام الغذائي المتوسطي القائم خصوصا على تناول كميات كبيرة من الفواكه والخضار والبطاطا والحبوب وزيت الزيتون والأسماك والقليل من اللحوم.
ويشير ديفيد لوينشتاين إلى أن “الدراسات الوبائية تظهر أن الناس الذين يعيشون حياة غنية بالأنشطة المحفزة على المستوى الذهني والعلاقات الاجتماعية يواجهون خطرا أدنى بتدهور قدراتهم الذهنية مع تقدمهم في السن”.
إلا أن الوضع المالي يمثل أيضا عاملا مهما على هذا الصعيد. فالكثير من سكان
قرية ايست ريدج للمتقاعدين يتمتعون بمستوى تعليمي متقدم وهم من البيض. وقد ادخروا مبالغ كبيرة خلال حياتهم وقاموا باستثمارات ناجحة واستفادوا من الطفرة في أسعار العقارات.
في المقابل يواجه الفقراء خطرا أكبر للإصابة بأعراض الشيخوخة. فقد أظهرت
دراسات أن السود والأشخاص المنحدرين من أصول أميركية لاتينية لديهم مستويات خرف أعلى بكثير من تلك المسجلة لدى الأشخاص البيض.
ويشير بعض الخبراء إلى أن الارتفاع المحتمل لعدد حالات الخرف في العالم بواقع ثلاثة أضعاف في حلول سنة 2050، قد يؤدي إلى إفلاس اقتصاديات عالمية كبرى وشل الأنظمة الصحية إذ من المتوقع بلوغ هذه الحالات عتبة 132 مليونا.