لماذا قد يتغير مشهد “الجمعة السوداء” خلال السنوات القادمة وما فيه من متسوقين يتدافعون للوصول إلى الأرفف وإفراغها بنهم من شاشات التلفاز الحديثة وغيرها؟
يمكن للتسوق أن يشهد تحولاً كبيراً، فقد يتغير في العقد القادم إلى نشاط دافعه التجربة واستخدام وسائل التكنولوجيا التفاعلية بدلا من الشراء، أو ما يشبه المتاجر المؤقتة التي تتيح لك تجربة المنتجات شخصياً قبل اتخاذ قرار بشرائها.
ويعتبر صعود فكرة التسوق عبر التجربة الذاتية رد فعل على تزايد التسوق عبر الإنترنت الذي ارتفع بنسبة 15 في المئة العام الماضي في أوروبا وأمريكا الشمالية، ويُتوقع أن يزيد بنفس النسبة هذا العام.
لكن هذه الزيادة في التسوق الإلكتروني تعني أن الأسماء التجارية قلّت فرصتها في لقاء زبائنها وجهاً لوجه، وأنها ستسعى جاهدة للتواصل معهم، ما يجعلها تبحث عن طرق أفضل للوصول إليهم.
إذا أخذنا “متحف المثلجات” على سبيل المثال، وهو متحف وليس متجرا، لكنه مكان ربما يجمع بين الاثنين. حيث تكلف التذاكر لزيارة سلسلة محلات المثلجات وردية اللون 38 دولاراً، ومع ذلك فقد بيعت تماماً كل التذاكر في نيويورك وسان فرانسسكو ولوس أنجليس.
وقد حدث ذات مرة أن اختبر الزائرون تجربة مرحة أثناء شرائهم المثلجات ذات اللون البرّاق، شملت القفز إلى بركة كبيرة مليئة بحبيبات السكر الملونة التي تستخدم في تزيين المثلجات.
وأوضح ماريليز بن، الذي صمم هذه التجربة في مقابلة له مع مجلة نيويورك قائلاً: “الطريقة التي استطعنا من خلالها جذب الزائرين وإشراكهم بشكل جسدي ملموس وحسي مع الاسم التجاري لنا عاد علينا بأرباح أعلى بكثير مما يمكن لإعلان تجاري أن يحققه”.
وقد بدأت سلاسل المحال التقليدية ذات الحضور الكبير تختفي شيئاً فشيئاً، مثل ماكيز وسيرز، وكيه-مارت في الولايات المتحدة التي باتت تغلق محالها، وكذلك مارك وسبنسر، وديبنهامز في المملكة المتحدة اللذان يواجهان ذات المصير.
لكن للمفارقة، يستمر بالمقابل افتتاح محال تعرض منتجات بتخفيضات كبيرة وأسعار زهيدة. وفي عام 2017، سيفتتح 4080 محلاً جديداً ليزيد عن عدد المحال التي ستغلق، حسب تقرير أجرته شركة آي إتش إل للبحوث.
الصورة معقدة، لكن النظر إلى تجارة التجزئة فقط من منطلق التسوق سواء الكترونياً أو شخصياً ليس كافياً، حسبما يقول ستيفن دينيس، مستشار استراتيجيات العلامات التجارية، فهو يرى أن التسوق في المستقبل يحتاج إلى أن يكون مزيجاً من التسوق الإلكتروني والفعلي في المحال، حيث يتنقل الزبائن بسلاسة بين الاثنين.
كما سيكون التفاعل الموجه بشكل فردي للزبائن، مثل التطبيقات التي تلبي حاجاتهم وتجارب التسوق التي تنطوي على مغامرات، عاملاً أساسياً للنجاح.
ولفهم كيفية سير الأمور، يقول دينيس إن علينا تحليل طريقة تفاعل الأسماء التجارية الحالية مع الزبائن أكثر من النظر إلى ما إذا كان البيع عبر المتاجر أكثر، أو عن طريق الإنترنت.
ويضيف إن فكرة استخدام محل كمكان للعرض فقط مثلاً هي فكرة جيدة، مثل محل “ستوري” في نيويورك الذي يستخدم معرضاً متغيراً من البضائع أو المنتجات يُصمم حول مفهوم ما كل مرة، مثل قصة الحنين للتسعينيات، وهذا يبني صلة مع الناس بطريقة جديدة.
كذلك أطلقت شركة “كاسبر” لفراش النوم فكرة “القيلولة الجوّالة”، إذ يقوم الزبائن بتجربة فراش النوم داخل مركبة مصممة لذلك، قبل أن يقرروا شراءها عبر الإنترنت.
وحسب دينيس، فإن الأسماء التجارية التي تسعى جاهدة لاستقطاب شريحة واسعة غير محددة ومختلفة العناصر تنتهي إلى فشل ذريع، ويقول: “عليك أن تقرر إما التوجه لطريقة أمازون من خلال تقديم ما هو مناسب في صورة خيارات عديدة، وأسعار زهيدة، أو تذهب إلى النقيض، من خلال تقديم منتجات أكثر تميزاً، ومختلفة عما هو موجود في السوق”.
تعد خطط مقهى ستاربكس خير مثال لتطبيق هذه النظرية، ففي أبريل/نيسان أخبر مدير الشركة هاورد شولتز المستثمرين بأن أي متجر يريد أن يربح في بيئة السوق الجديدة يجب أن يصبح وجهة تجريبية للمستهلكين، مضيفا “فمنتجاتك وخدماتك في أغلبها لا يمكن أن تتوافر على الإنترنت ولا على موقع أمازون”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، أغلقت شركة ستاربكس متجرها الإلكتروني الذي كان يبيع القهوة، وفناجين القهوة المدموغة بالاسم التجاري لها، وآلالات صنع القهوة، أما الآن فتفتتح الشركة نحو ألف مقر جديد تحت اسم “ستاربكس ستور”، والتي يتمثل مفهومها في حانة قهوة رفيعة المستوى يمكن للزبائن فيها أن يروا أمامهم مجموعات مختلفة من حبوب القهوة وهي تُحمَّص، ويمكنهم تذوق نكهاتها المختلفة.
ودخلت شركة سامسونغ تلك اللعبة كذلك، حيث أنشأت مراكز خدمة الزبائن التي أضافت إليها مكاتب مجهزة للعمل عن بعد. واتفقت مع شركة “وي ورك” أن تفتح ثلاثة مواقع من هذا النوع للمستهلكين في الولايات المتحدة في كل من ديترويت وميامي وويليامزبيرغ في نيوورك.
وتتمثل الفكرة، حسبما يقول مايك مكونيل، نائب رئيس قسم التصميم في شركة “سامسونج إلكترونيك أمريكا”، في تقديم مكان عمل للزبائن مجهز بأثاث عالي الجودة، وعلى طراز القرون الوسطى، مع توفير أنظمة للتواصل بالفيديو عبر تقنية “الفيديو كونفرانس”، حيث يمكن للناس أن يستخدموها خلال فترة انتظارهم لإصلاح أجهزتهم.
حتى تجار التجزئة الذين بدأوا أعمالهم عبر الإنترنت يتجهون حالياً لتأسيس مواقع يمكن للزبائن فيها تجربة منتجاتهم بأنفسهم.
شركة واربي باركر للنظارات والتي تقدر قيمتها بمليار دولار، قدمت لزبائنها نظارات من مصممين معروفين وبأسعار مقبولة لتتيح لهم عند بدايتها في عام 2010 تجربة النظارات في البيت قبل أن يقرروا شراءها.
والآن وبعد سبع سنوات، أصبح للشركة أكثر من ستين متجرا في الولايات المتحدة وكندا، حيث يختار الزبائن نظارات ذات مظهر جذّاب ومتألق من خلال محلات عصرية (وقد توسع موقع بورتلاند ليشمل كذلك موقع مدرسة قديمة تحول إلى قاعة ألعاب للفيديو) مع الكثير من المساعدة الشخصية من الموظفين لإعطاء النصائح حول النظارات المناسبة لوجهك.
ولكن حتى عندما تجد نظارات تعجبك، لا يمكنك أخذها إلى المنزل، بل يتم إرسالها بالبريد إليك. كما توفر الشركة خدمات لفحص النظر في بعض المواقع، وفي لاحق، ستطلق الشركة تطبيقاً يتيح للزبائن فحص نظرهم بأنفسهم وهم في منازلهم.
محل “بونوبوس” للأزياء الرجالية لديه استراتيجية مشابهة، حيث بدأت الشركة عبر الإنترنت، لكنها فتحت متاجر فعلية في الولايات المتحدة الأمريكية، تحت اسم “معارض افتراضية للموقع الالكتروني”.
لماذا تقيم الشركات العالمية لموظفيها مبان ضخمة ومكلفة؟
حيث يرحب “دليل” بالزبائن ويعمل كمتسوق شخصي يقدم لهم النصح والمقترحات، لكن الملابس على الأرفف تبقى في مكانها، ويتم إرسال المشتريات بالبريد من المخازن المركزية.
بالتأكيد ليس هنالك نقص في المساحات من أجل هذا النوع الجديد من “التسوق عبر التجربة الذاتية”، فهناك ما يُقدر بما يزيد عن 800 مليون قدم مربع من مساحات فارغة تصلح لتجارة التجرئة في الولايات المتحدة الأمريكية. كما تزايد عدد المتاجر الفارغة على مدى عامين في المملكة المتحدة بشكل كبير لتبلغ النسبة واحدا مقابل كل 28 متجرا.
لذلك فهناك ترقب لما يمكن أن يملأ هذه المساحات الفارغة، لكن مع احتمالية تزايد نشر تكنولوجيا المحلات الإلكترونية لمفهوم التسوق عبر التجربة الذاتية، يمكن القول إن “الجمعة السوداء” ستصبح تجربة تسوق أكثر منها تعطشٌ للتخفيضات.