بقلم: محمد فهد الشوابكه
بينما يعاني الاقتصاد الأردني من العديد من التحديات التقليدية مثل شح الموارد الطبيعية، وارتفاع معدلات البطالة، والضغط السكاني الناتج عن الأزمات الإقليمية، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: كيف يمكن للأردن أن يعزز اقتصاده ليصبح قوة اقتصادية إقليمية مستقلة ومستدامة؟
إن الطريق إلى هذا الهدف يتطلب استراتيجية شاملة لا تقتصر فقط على تعزيز النمو بل تتعداه إلى بناء أسس قوية تحقق استدامة اقتصادية على المدى الطويل. ما يحتاجه الأردن اليوم هو رؤية جديدة تتحقق من خلال تحولات جذرية في بنية الاقتصاد المحلي، واستغلال الفرص العالمية التي قد تكون على مرمى اليد إذا تم التعامل معها بحنكة وذكاء.
الاستثمار في القطاعات غير التقليدية: الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة
الأردن يمتلك فرصة ذهبية للانطلاق نحو المستقبل من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة، والتي يمكن أن تكون حجر الزاوية لاستراتيجياته الاقتصادية المستقبلية. بالنظر إلى موقعه الجغرافي الذي يتمتع بكميات ضخمة من أشعة الشمس ورياح قوية، يمكن للأردن أن يتحول إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة. هذا الاستثمار لا يوفر فقط الطاقة المستدامة داخليًا، بل يفتح الأفق أيضًا لتصدير الطاقة إلى دول الجوار، مما يعزز الإيرادات ويساهم في تحسين العجز في الميزانية.
لكن الطاقة المتجددة لا تعدو كونها جزءًا من المنظومة الاقتصادية المتكاملة التي يجب أن يتبناها الأردن، فانتقال الاقتصاد إلى “الاقتصاد الأخضر” يضمن للأردن مكانة متقدمة في أسواق العالم المستقبلية. تعزيز الابتكار في التقنيات البيئية، ودعم المشاريع التي تركز على الاستدامة، يمكن أن يكون له تأثير بالغ على النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة في القطاعات الصناعية الحديثة.
الاستثمار في رأس المال البشري: قوة العمل المدربة ركيزة النجاح
أحد أبرز عناصر القوة الاقتصادية في أي دولة هو قاعدتها البشرية، والأردن ليس استثناءً. بناء قاعدة معرفية تعتمد على التعليم المتقدم والمهارات الرقمية سيوفر قاعدة صلبة للنمو المستقبلي. ولا يقتصر الأمر على التعليم الأكاديمي فقط، بل يتطلب الأمر تعزيز التدريب المهني والتعليم التقني، مما يوفر للقطاع الخاص عمالة مدربة قادرة على مواكبة احتياجات السوق العالمية.
يجب على الأردن أن يخطو خطوة حاسمة نحو تطوير التعليم في مجالات مثل التكنولوجيا، والهندسة، والذكاء الصناعي، لتحفيز الابتكار في القطاعات الصناعية الحديثة مثل البرمجيات، والأجهزة الإلكترونية، والتكنولوجيا الخضراء. وبناء على ذلك، يصبح الأردن محركًا رئيسيًا للتقنيات المستقبلية ويزيد من فرص الاستثمار الأجنبي.
تعزيز السياحة والتجارة الإلكترونية: فتح أفق السوق العالمية
السياحة والتجارة الإلكترونية تعد من أبرز المصادر الواعدة لدعم الاقتصاد الأردني. فموقع الأردن الجغرافي، وحضارته الغنية، ومواقعه السياحية الفريدة توفر فرصة عظيمة لتوسيع قطاع السياحة بشكل غير مسبوق. بينما السياحة التقليدية تظل ركيزة مهمة، يجب على المملكة أن تركز على سياحة المؤتمرات، والسياحة البيئية، والسياحة الطبية، التي يمكن أن تدر إيرادات ضخمة.
من جهة أخرى، يعد قطاع التجارة الإلكترونية واحدًا من المجالات التي شهدت نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. بفضل التحول الرقمي، يمكن للأردن أن يفتح أسواقًا جديدة في التجارة الإلكترونية ليس فقط على المستوى المحلي ولكن على المستوى الإقليمي والدولي. تطوير بنية تحتية تكنولوجية قوية ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لبيع منتجاتها عبر الإنترنت سيكون له أثر بالغ على النمو الاقتصادي.
تحفيز الاستثمارات الخارجية: استقطاب رؤوس الأموال وتوسيع الشراكات
الاقتصادات القوية لا تُبنى إلا من خلال استقطاب الاستثمارات الأجنبية، والأردن يجب أن يعمل على جعل بيئة الأعمال أكثر جاذبية للمستثمرين الدوليين. تبسيط القوانين المالية والتجارية، وتقديم الحوافز الضريبية للمستثمرين، وتعزيز الشفافية، سيخلق بيئة مواتية للشركات العالمية لزيادة استثماراتها في الأردن.
إلى جانب ذلك، ينبغي على الأردن أن يسعى لتوسيع شراكاته التجارية مع الدول الإقليمية الكبرى والعالمية. الانخراط في اتفاقيات التجارة الحرة والتعاون الاقتصادي مع اقتصادات كبرى مثل الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، ودول آسيا سيكون بمثابة خطوة استراتيجية لفتح أسواق جديدة للمنتجات الأردنية وزيادة الصادرات.
خاتمة: نحو اقتصاد قوي ومتعدد المصادر
إن تعزيز وتقوية الاقتصاد الأردني يتطلب رؤى استراتيجية شجاعة واستثمارًا جادًا في المستقبل. التركيز على قطاعات مثل الطاقة المتجددة، والتعليم التقني، والسياحة، والتجارة الإلكترونية، والاستثمار في البنية التحتية الرقمية، ستكون الطريق نحو بناء اقتصاد قوي ومتعدد المصادر. ومع الإرادة السياسية الفاعلة والشراكات الدولية المبتكرة، يمكن للأردن أن يتحول إلى نموذج اقتصادي إقليمي يحتذى به، قادر على مواجهة تحديات المستقبل وتحقيق النمو المستدام.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-JSI