سجلت المصارف في دول مجلس التعاون الخليجي «أداء جيداً» العام الماضي، استناداً إلى تقرير لشركة «كيه بي أم جي»، الأول حول النتائج التي حققتها، أشار إلى أن التوقّعات المستقبلية «لا تزال إيجابية إلى حدّ ما»، عازياً ذلك إلى «استمرار الدعم الحكومي والتزام الاستثمار في البنية التحتية».
ويحلّل التقرير البيانات المالية المنشورة لـ56 مصرفاً تجارياً مدرجاً في بورصات البحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات. ويغطّي أكثر من 90 في المئة من الأصول المصرفية المدرجة في المصارف المعنية. وأشار إلى أن القطاع المصرفي الإقليمي «في طور الدخول في إطار عمل جديد نشهد فيه انخفاضاً في السيولة ونمواً متواضعاً للأصول والأرباح، إضافة إلى نشاط محدود في سوق رؤوس الأموال، ومستوى أعلى من التركيز على خفض الكلفة ونطاقاً أوسع من الحاجة إلى رؤوس الأموال والقدرات التمويلية».
وفي هذا الإطار، قال رئيس قسم الخدمات المالية لـ «كيه بي أم جي» الشرق الأوسط وجنوب آسيا عمر محمود، إن القطاع المصرفي في المنطقة «خرج من مرحلة الفائض في نسب رؤوس الأموال والسيولة، ويشير تقريرنا إلى أن أيام نمو معدّلات القطاع بالأرقام المزدوجة انتهت، إذ تواجه المصارف تحدّيات جديدة ناجمة عن الأجواء الاقتصادية الحالية، وارتفاع مستوى الإشراف من قبل الجهات التنظيمية والرقابية، فضلاً عن ارتفاع مستويات المنافسة». لكن أكد أن القطاع «مستمر في النمو بوتيرة أبطأ من السنوات السابقة».
وعلى رغم أثر تراجع هوامش الربحية الناتجة من ارتفاع كلفة التمويل وازدياد مستوى المنافسة على الأصول، إلا أنّ «نسب الربحية والأصول ازدادت بمعدّل 6.8 في المئة و6.3 في المئة على التوالي. ويعود النمو المستمر في معدلات الربحية والأصول إلى المخططات والمقاربات الحذرة التي تعتمدها المصارف». ورجّح التقرير أن «تشهد السنة المقبلة مزيداً من النشاطات الرأسمالية وجمع الأموال، لدعم متطلّبات رؤوس الأموال والسيولة المنصوص عليها في اتفاق «بازل- 3» وإدارتها، خصوصاً بعدما سجلت مستويات كفاية رؤوس الأموال والسيولة تراجعاً عام 2015 مقارنة بعام 2014».
ولم يستبعد التقرير «تحقيق مزيد من عمليات التوحيد في المستقبل القريب، على شكل اندماج و/ أو إعادة تنظيم، نتيجة المنافسة القوية والضغوط المتنامية على التكاليف».
وانخفضت تكاليف تراجع قيمة الأصول السنوي بمعدّل 9.2 في المئة، ما يعكس مقاربات الإقراض الأكثر حذراً التي اعتمدتها المصارف في السنوات السابقة. لكن هذا الاتّجاه «لن يدوم طويلاً، نظراً إلى التعثّر الناجم عن أثر تدني أسعار النفط على الاقتصاد عموماً، ولتطبيق المعيار الدولي الجديد لإعداد التقارير المالية (رقم 9) الذي ينصّ على طريقة جديدة لاحتساب الخسائر الائتمانية. ويرجح أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع تكاليف انخفاض قيمة الأصول.
ومن الواضح أن القطاع «يبحث عن طرق للتخفيف من أثر الضغوط المالية الحالية، إذ تقلّصت معدلات الكلفة إلى الدخل 7.4 في المئة منذ العام 2014»، وفي هذا السياق، قال محمود: «أدّى الانخـفاض في معدّلات الكلفة إلى الدخل، إلى سعي المصارف للحصول على خدمات استشارية على صعيد تقليص الكلفة والكفاءة التشغيلية، وتقنية المعلومات، وغيرها من الطرق الرامية إلى تحسين معدّلات الربحية». ورأى أن «من شأن هذه الخطوات الاستباقية أن تعزز مستوى صمود المصارف في المرحلة المقبلة».
وعلى رغم الضغوط التي يضفيها ازدياد الأنظمة المفروضة، فهي «تترك أثراً إيجابياً على القطاع، وهو اتّجاه من المتوقّع استمراره على المدى البعيد، إذ ستواصل أنظمة «بازل- 3» التي تعتمدها دول مجلس التعاون الخليجي، الارتقاء بمستوى صمود القطاع في وجه الصعوبات المالية والاقتصادية، وتحسين مستويات إدارة الأخطار والحوكمة، وتعزيز الشفافية في المصارف».
وأوضح محمود أن «هذه البيئة المليئة بالتحدّيات تفرض على المصارف اعتماد إجراءات للتكيّف معها»، ولفت إلى «تسجيل زيادة لافتة في مستويات التنافس بين المصارف، خصوصاً في ما يتعلق بفعالية العمليات والكفاءة التشغيلية». وأشار إلى أن المصارف «تسعى لاعتماد طرق مبتكرة لتحقيق النمو ونتائج إيجابية، فيما تدير توقّعات المساهمين». وأضاف: «لدينا قناعة راسخة بأن بعض هذه التغيّرات الأساسية التي نشهدها بدءاً من ارتفاع نسب التدقيق التنظيمي وصولاً إلى مستوى أكبر من الفعالية، ستساعد قطاع الخدمات المالية، وستوفّر مستوى أعلى من الاستقرار على الأمد البعيد».
وأعلن رئيس قسم الخدمات المالية في «كيه بي أم جي» في السعودية أدريان كونتن، أن المملكة العربية السعودية «حافظت على مكانتها كأكبر سوق مالية في منطقة الخليج»، مضيفاً: «على رغم استمرار تزايد معدل نمو السوق السعودية، وقوة نسب رؤوس الأموال وثبات معدلات انخفاض رؤوس الأموال، يواجه السوق ضغوطاً واضحة بسبب السيولة والهوامش الربحية ومعدلات الانخفاض المتواصلة، لاسيما أن توجهات أسواق السعودية والمنطقة متشابهة لهذه السنة».
واعتبر أن «من المهم في هذه المرحلة إنشاء مجموعة من المصارف الصغيرة، بالتزامن مع تنظيمات صارمة، وزيادة تركيز الإدارات العليا على ضمان الاكتتاب وتصميم النماذج الرأسمالية ووضع المخصصات، ما من شأنه أن يساعد المصارف السعودية في تجاوز هذه المرحلة والخروج منها أقوى من ذي قبل». وقال: «لا شك في أن دخول مصرفين عالميين كبيرين إلى السوق كان خطوة إيجابية عكست البعد العالمي للسوق السعودية التي أثبتت امتلاكها إمكانات ممتازة تتصف بالديمومة والاستقرار».