خلال العقد الثاني من القرن العشرين، كان رئيس وزراء بريطانيا المستقبلي، ونستون تشرشل، على مقربة من إنهاء مسيرة أحد أهم مؤسسي الاتحاد السوفيتي. فبطريقة غريبة، نجا الرجل اللاتفي الأصل جيكابس بيترس (Jēkabs Peterss) من قبضة السلطات البريطانية قبل أن يعود لروسيا ويساهم في إحداث تغييرات أحدثت الفارق وحافظت على صلابة الاتحاد السوفيتي لعقود.
صورة لإحدى المعلقات الدعائية في خضم فترة الرعب الأحمر
صورة لإحدى المعلقات الدعائية في خضم فترة الرعب الأحمر
فخلال القرن الماضي، أثار اسم جيكابس بيترس الرعب في نفوس الروس، حيث صنّف الأخير كأحد أهم البلشفيين وساهم عقب ثورة تشرين الأول/أكتوبر 1917 في تنظيم ما عرف بالرعب الأحمر، الذي أدى لسقوط مئات آلاف القتلى.
إعدام عشرات الآلاف
وبرفقة صديقه فيلكس دزيرجينسكي (Felix Dzerzhinsky)، ساهم جيكابس بيترس في ظهور جهاز الشرطة السرية المعروف بـ “تشيكا” (Cheka) خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 1917. وإلى حدود تاريخ حلّها مطلع العام 1922، تحدّث العديد من المؤرخين عن مسؤولية التشيكا عن عمليات إعدام طالت عشرات الآلاف من الروس المعارضين أثناء فترة الحرب الأهلية.
لكن قبل عودته لروسيا وتأسيسه للتشيكا عام 1917، قضى جيكابس بيترس سنوات عديدة كلاجئ ببريطانيا. ففي حدود منتصف العقد الأول من القرن العشرين، ألقت السلطات القيصرية الروسية القبض على جيكابس عقب ثورة 1905 الفاشلة واتهمته بالترويج لأفكار معادية للنظام ومحاولة قتل مدير أحد المصانع. ومع صدور قرار بتبرئته، فضّل هذا الرجل ذو الأصول اللاتفية مغادرة الإمبراطورية الروسية والفرار نحو الأراضي البريطانية.
حول لندن لمسرح جرائم
ومع استقراره بلندن سنة 1910، التحق جيكابس بيترس بعدد من الفوضويين اللاتفيين الذين تواجدوا بالعاصمة البريطانية واتجهوا لقيادة عمليات سرقة وسطو مسلح ضد عدد من محلات بيع المجوهرات. إلى ذلك، أثارت هذه العمليات الإجرامية غضب اللندنيين حيث تحوّل وسط مدينة لندن لمسرح جرائم. وأمام هذا الوضع، قرّر ونستون تشرشل الذي شغل منصب وزير الداخلية حينها التحرّك لإلقاء جيكابس بيترس ورفاقه خلف القضبان.
وعلى إثر حادثة مقتل 3 من رجال الأمن في خضم عملية سطو مسلح، وقع بيترس ورفاقه في قبضة الشرطة حيث اعتبر الأخير حينها المسؤول الرئيسي عن المذبحة. وأثناء تواجد جيكابس بيترس بالسجن، عاشت لندن على وقع أحداث شارع سيدني الذي اشتبكت خلاله الشرطة وعناصر من الجيش مع عدد من المسلحين اللاتفيين. وقد أدت هذه الحادثة حينها لسقوط قتيلين كان من ضمنهما أحد أقارب بيترس.
التطهير الأعظم
بالتزامن مع ذلك، باشرت الشرطة البريطانية بالتحقيق حول موضوع شخص يدعى “بيتر الرسام” اتهم بتزعم المجموعة الإجرامية بلندن. كما تحدّثت تقارير الشرطة حينها عن ضلوع نفس هذا الشخص في عدد من العمليات التخريبية وقيامه بأعمال إرهابية بروسيا عام 1905. وأمام هذا الوضع، لجأ المسؤولون البريطانيون للربط بين شخصيتي جيكابس بيترس و”بيتر الرسام”.
ومع نقص الأدلة ضده وفشل سكوتلاند يارد (Scotland Yard) في إدانته، فضّل القضاء إطلاق سراح بيترس الذي تزوّج من ابنة أحد مصرفيي لندن قبل أن يتخلى عنها ويعود لروسيا مع بداية أحداث الثورة التي أسس على إثرها جهاز التشيكا. لاحقاً، اتهم جيكابس بيترس بالخيانة من قبل القائد السوفيتي جوزيف ستالين وأعدم رمياً بالرصاص يوم 25 نيسان/أبريل 1938 في خضم ما عرف بالتطهير الأعظم.
من جهة ثانية، أحس ونستون تشرشل، الذي شغل منصب وزير الداخلية حينها، بالإهانة عقب إطلاق سراح جيكابس بيترس. وعن الحادثة، قال تشرشل “بيتر الرسام كان واحداً من الوحوش والمجرمين اللاتفيين بلندن وبعد سنوات استغل الحرب الكبرى ليبتلع ويخرّب دولة الشعب الروسي”.