كنا نحذر ونتخوف قبل 20 عاما من كون الأردن خامس أفقر دولة مائيا في العالم، ونطالب بمشاريع لحل مشكلة الفقر المائي، والآن ورغم كل التحذيرات والإعلانات الكثيرة عن الحاجة للتعامل مع ملف الماء، نجد أن الأردن أصبح ثاني أفقر دولة مائيا في العالم، حيث تبلغ حصة الفرد من المياه في الأردن نحو 30 لترا في اليوم (حوالي 120 مترا مكعبا سنويا)، حسب تقديرات وزارة المياه ودراسة حديثة لوزارة التخطيط، في حين تقدر حصة الفرد العالمية بنحو 1000 متر مكعب سنوياً، كما أن الحصة المائية في تراجع مستمر في الأردن، وحسب التصريحات الرسمية فإن سبب التراجع هو تزايد مستمر في شح المياه وارتفاع عدد السكان في ظل استمرار توافد اللاجئين إلى الأردن.
وينادي بعض الخبراء بالتعامل بجدية مع عوامل الطلب من حيث تحسين نوعيته، فما يزيد على 20 % من كميات المياه المخصصة للأغراض المنزلية يتم استخدامها بطريقة غير مشروعة من قبل البعض، ولا يجوز أن تذهب غالبية المياه إلى الزراعة التي توظف أقل من 4 % من العمالة الأردنية وتنتج أقل من 3 % من الناتج المحلي الإجمالي، في بلد شديد الفقر بالماء ليتم تصدير المحاصيل وكأن الأردن بذلك يصدر ماء الى دول تنعم بجداول مياه أفضل.
وإذا أراد الأردنيون استثمار مياههم في الزراعة، فيجب أن يكون الاستثمار في محاصيل عالية القيمة المضافة قبل كل شيء لتغطية الكلفة الحقيقية للمياه.
ايضا، تتذمر الحكومة من أن كلفة استضافة اللاجئين السوريين (الذين اصبحوا يمثلون 20 % من السكان) على قطاع المياه تقدر بحوالي 507.6 مليون دولار سنوياً، وعلى الرغم من أهمية الرقم وسواء كان مبالغ فيه أم لا، فإن الطلب في تزايد مستمر.
كما يجب أن لا ننسى جانب العرض، فنسبة الهدر الفاقد الناجم عن سرقة المياه واهتراء الشبكة تصل في عمان الى 32 % من المياه التي تضخ في الشبكات وتصل في المحافظات إلى 50 % من المياه، وإذا قبلنا برقم الحكومة بالنسبة للاجئين وكلفة المياه التي يستهلكها الـ20 % الإضافيون، فإن كلفة الفاقد من الشبكة، وبحسبة بسيطة وسريعة، يقارب 1000 مليون دولار، أي ضعف الكمية المستهلكة من قبل اللاجئين.
ومن ناحية أخرى، فقد شهدنا كوارث مائية محزنة كواحة الأزرق وسيل الزرقاء الذي ضخت مياهها إلى محافظات أخرى، وهدر نصفها في الشبكات بينما هاجر الأزرق، الواحة الغناء في يوم من الأيام، 350000 طير بعد أن جففناها من الماء ليهدر هذا الماء في جوف الأرض فلا يستفيد منه أحد.
نعم، يمكن للمواطن أن يرشد استهلاكه، لكن كلفة الفاقد من الماء في شبكات الري مرهقة اقتصاديا وبيئيا، وكما قامت الحضارات حول مصادر ومنابع المياه فقد اندثرت ايضا حين فقدت أرضها ماءها…أرجو ألا نتعامل مع موضوع المياه بذات الحرفية التي تعاملنا بها مع موضوع الطاقة.