سأسردها لكم بقصة قصيرة، بضعة فقرات لتلخيص نتائج مثابرة بدأت منذ ثمانية عشر عاما ولا تزال مستمرة حتى الآن بقناعة تامة وإيمان مطلق بأن لا مجهود يضيع هباءً. “أُسأل دائماً متى قررت أن أكون ريادية؟ فأجيب، لم أقرر ذلك يوماً، فهذا المصطلح تم إطلاقه عليّ فجأة من قبل من حولي، ولن أُنكر استساغتي له فهو يشعرني بقيمة الإنجاز وكأنه وسام على صدري”. بهذه الكلمات بدأت ماسة الدلقموني حديثها لمال وأعمال. سكتت لبرهة، وكأنها تراجع شريط الذكريات لتعود بنا إلى سنوات عدة انقضت، ثم أردفت القول: “لا أزال أذكر غرفة الجلوس تلك قبل 18 عاماً حيث بدأت الحكاية، فكُنّا ولا نزال امرأتان تملكان الشغف للتعليم، ساعات وساعات وأيام وأسابيع وأشهر وسنين مرّت لنجد الحلم أصبح حقيقة، وغرفة الجلوس تلك أصبحت مدرسة قائمة بحد ذاتها، وبين تلك الغرفة والمدرسة محاولات ومحاولات لا تحصى، مصاعب وتحديات بعضها أطفأ في عيوننا الأمل، وضحكات واحتفالات أنعشت فينا روح العمل، وشراكات ساندتنا بلا كلل ولا ملل”. بنبرة ملؤها الفخر والسعادة تضيف: “بدأنا بغرس بذرة في معهدنا الأول (mathCLUB) غير مدركين آنذاك أننا نضع أساساً لجذور وأغصان نمت لتتفرع منها معاهد وحضانات ومدرسة، غير مدركين قيمة الفرص التي أُتيحت لطلاب وطالبات الجامعات والأمهات الذين عملوا معنا. أتمعّن في فريق عملنا اليوم سواء القائم في تلاوتي أو في حضانات Little EINSTEIN‘s أو مدرسة الأكاديمية الدولية البريطانية، لأرى ثقافة مشتركة قائمة على المبادرة، وفريق عمل كامل يٌؤمن أن خلق جيل مُعَدّ وواثق وقادر على تحويل البلاد إلى ورشة للعمل المثمر الباعث للحياة هي مسؤولية تقع على عاتق كل فرد فينا”. أفكار متداخلة وضعتها أمامنا سيدة شقَّت الصّخر، فحكاية ماسة قصة لا نستطيع المرور أمامها مرور الكرام، فهي تمثل صورة مشرقة لامرأة عصاميّة. وإليكم ما دار بيننا من حوار…
مال وأعمال…ذكرتِ سابقاً أن إحدى أهدافك اليومية يكمن بإحداث تغيير إيجابي ملموس في مجتمعنا، كيف تحققين هذا التغيير الذي تتحدثين عنه اليوم؟
ماسة الدلقموني… تخرّجت – كما هو حال الكثير – من نظام تعليمي أصفه بـ “أحادي الجانب”، يقف فيه معظم المعلمين على منصات أمام الألواح، ويجلس فيه الطلاب مصفوفين منصتين، فهو نظام لا يعترف بغير التقييم الأكاديمي المجرد، نظام بلا رؤية، ظُلِمَت وهُمّشت فيه الكثير من القدرات والمواهب. ومن هُنا، وُلد شغفي للإبداع في التعليم – هذه المنصة الواسعة التي يمكن من خلالها إحداث التغيير- وخاصة فيما يتعلق بمساعدة الطلاب على اكتشاف أنفسهم وقدراتهم ومواهبهم لتمكينهم من تخطيط اتجاهاهم الأكاديمي أو المهني عن وعي وقناعة بما يتناسب وميولهم آخذين بالحسبان متطلبات سوق العمل المستقبلية.
مال وأعمال…. مجال الإبداع في التعليم مجال واسع، ومن الواضح خلال مسيرتك أنك لا تتوقفين عن خلق ما هو جديد، على ماذا تعملين اليوم؟
ماسة الدلقموني…أؤمن أن إحدى الطرق المهمة لخلق الدافعية ورفع مستوى الإنجاز تكمن في ما يسمى إدارة المواهب، فكل طالب يملك قدرة معينة تميّزه عن غيره، ومن واجبنا كتربويين وأكاديميين مساعدتهم على تحديدها واكتشافها وإطلاقها وتفعيلها. أقوم اليوم، ضمن فريق عمل الأكاديمية الدولية البريطانية، بتصميم وإدارة برنامج اكتشاف القدرات والمواهب لأعمار ١٢-١٤ سنة، الذي بدأنا ببناءه في بداية عام ٢٠١٦، وبدأ تطبيقه خلال السنة الأكادمية ٢٠١٦/٢٠١٧ والسنة الأكاديمية الحالية من خلال تفريغ حصة أسبوعية في البرنامج الصفي، حيث نأخذ فيها الطالبات – بطريقة ممنهجة ومدروسة – عبر مراحل مختلفة تساعدهم على اكتشاف ذواتهم.
البرنامج يأخذ أولوية كبيرة مني على المستوى الشخصي، لأَنِّي أرى فيه وسيلة لإحداث التغيير الإيجابي على نطاق واسع إذا ما طُبّق في معظم مدارسنا خاصة الحكومية منها.
أما على مستوى الطفولة المبكِّرة، فقد وصلت إلى قناعة تامة بأهمية الاستثمار بجودة التعليم لهذه الفئة العمرية لرفع مستوى القدرات الوجدانية والذهنية والجسمانية والاجتماعية للطفل، والتي لها تأثير مباشر على مهاراته الأكاديمية والاجتماعية والمعرفية المستقبلية، فالتغيير الحقيقي الجذري يبدأ من هنا. أعمل اليوم وفريقنا المتخصص في الحضانات على بناء منهج الذكاء العاطفي لأعمار ٢-٥ سنوات ودمجه في البرنامج اليومي للأطفال، من خلال تصميم وسائل تعليمية تتناسب وهذه الفئة العمرية، فالاستقرار العاطفي مربوط بشكل طردي بالتحصيل الأكاديمي، عدا عن تأثيره المباشر أيضا على جوانب مختلفة مرتبطة بالقدرات النفسية والعقلية والاجتماعية.
مال وأعمال…من الواضح أنك لا تتواني عن تطوير معلوماتك بالبحث والقراءة المستمرة وحضور مؤتمرات التعليم على المستوى المحلي والعالمي، إن قررتِ تصميم بناء لمدرسة تحاكي اُسلوب تعلم هذا الجيل، كيف ستكون؟
ماسة الدلقموني… الحقيقة أن هذا موضوع قيّم يستحق مقالا خاصاً، كتبت سابقاً عن اندثار الحقائب المدرسية، وعن اندثار مهارة الكتابة، إلا أنني لا أرى قلمي يكتب عن اندثار المدارس بشكلها الحالي في الوقت القريب – على الأقل في منطقة الشرق الأوسط – لكني أكاد أجزم باندثار الغرف الصفية التقليدية، فما يحتاجه هذا الجيل الرقمي هو مساحات مفتوحة للتعلم الذاتي بإشراف مُيسرين.
مال وأعمال… قد يلحظ بعض من يقرأ مقالاتك اتجاه واضح لنشر ثقافة ” المبادرة”، وإيصال رسالة ضمنية بأن كل فرد فينا مسوؤل عن تطوير قطاع التعليم، نرى هذه القناعة بوضوح بالإنجازات التي تحقّقت حتى اليوم، وقبل أن نُنهي، نسألك ماذا بعد هذه المحطّة!
ماسة الدلقموني… أحب مصطلح محطّة فهي تُمثِّل حالنا، فنحن وفريق عملنا في حالة حركية مستمرة، مسؤوليتنا في مجال التعليم تتطلب منا إبداع بلا حدود، فمدرستنا اليوم ما هي إلّا تذكرة انطلاق أُخرى تُساهم في إثراء خبرتنا لخدمة مجتمعنا الفتيّ. قد لا أتمكن من تحديد محطتنا التالية في هذه المرحلة، ولكنني أؤكد لكم أنها مرتبطة بوجهة واحدة نحو تطوير التعليم.
* حصري لمال واعمال اي اقتباس او اعادة نشر يعرضك للمسألة القانونية
المصدر : https://wp.me/p70vFa-nd0