الأوروبيون، كالفرنسيين والألمان على سبيل المثال ليسوا أفضل حالاً من السعوديين في التحكم بمسألة “الزمن” وشراء العقار المناسب في مقتبل العمر، حيث كشفت إحصاءات رسمية أن أغلبية الألمان لازالون يفضلون استئجار منازلهم بدل التملك. 36% فقط من الألمان خططو لتملك منازلهم في وقت مبكر بالمقارنة مع 50% من الفرنسيين و60% من البريطانيين الذين يرون تملك العقار من أولويات الأفراد بعد حصولهم على أول وظيفة، رغم أن الأنماط الشرائية قد تتغير في المستقبل القريب مع ازدياد أعداد المتعلمين وارتفاع مدخولات الأفراد خصوصاً مع الطفرة العقارية التي تشهدها برلين.
لكن بالرغم من نمو تملك المنازل بشكل تدريجي في أوروبا، لا يزال ينظر إلى التأجير كبديل مقبول نسبياً، والذي يعود لارتباطة بالنسيج المجتمعي الألماني الذي يرغب بشراء قطعة أرض أولاً ثم بناء منزله في وقت لاحق عندما تتسنى له الظروف المناسبة لذلك.
الحكومة المحلية أيضاً استطاعت ضبط وتنظيم سوق الإيجارات ما جعلته الخيار الأمثل لهذه الفئة، تزامناً مع حذر النظام المصرفي الألماني من مسألة الإقراض الشامل للشباب قبل التأكد من الحالة الوظيفية وقدرة هؤلاء الأفراد على السداد وبالتالي يقف صعوبة الحصول على قروض عالية مع إحجام البنوك أو الهيئات السكنية على تقديم تسعيرة مناسبة للرهن العقاري أحد الأسباب المهمة لرواج ثقافة التأجير في أوروبا.
خليجياً، دخلت دول المنطقة طور تأجير المنازل حديثاً، وبالتحديد تزامناً مع سرعة وتيرة تطور البنى التحتية وتباعاً للطفرة العقارية التي تشهدها تلك الدول لمواجهة النمو السكاني وتوسعها بالاستثمار بمشاريع عقارية عملاقة لاستيعاب الزيادة المستمرة في الطلب على الوحدات التجارية في أغلب العواصم المالية، وخصوصاً مدينة دبي، حتى بات تملك العقار خياراً استثمارياً بالمرتبة الأولى وبذلك اختلفت مقاييس الشراء وشملت تحديد المساحة والمنطقة الأفضل مردوداً. غير أن اختلاف الأسس العقارية والاستثمارية في كل دولة على حدة جعلت رواج التأجير العقاري وربحيته تتفاوت بشكل كبير بل وربما تنعدم في بعض المدن، وبالتالي تقلصت معها حدية المنافسة، لكنها فرضت بذلك خياراً جديداً ومتوافراً للشباب محدودي الدخل، قد يعتبرة البعض أفضل الحلول السيئة مع تزايد الفجوة بين ارتفاع أسعار الأراضي مقارنة مع تدني الأجور بين أوساط الشباب.
وقال مجلس الأمة الكويتي في تغريدة عبر حسابه الرسمي إن عدد الأسر الكويتية التي لا تملك منازل يصل إلى 280 ألف أسرة بينما عدد الكويتيين دون العشر سنوات يصل إلى 620 ألف كويتي.
وتشهد الكويت منذ فترة أزمة حادة في الإسكان. وتعود أسباب الأزمة بحسب العديد من الخبراء والمحللين إلى تراجع أسعار النفط الذي يعد المصدر الرئيسي للدخل القومي الكويتي بالإضافة إلى ارتفاع ظاهرة المضاربة في الأراضي والعقارات.
ومن بين الأسباب الأساسية الأخرى أيضا التي ساهمت في تشكل أزمة الإسكان في الكويت ندرة الأراضي حيث تشكل الأراضي الصحراوية غير المستغلة نسبة مرتفعة جدا من مساحة دولة الكويت، ما دفع الكثيرين إلى التفكير بجدية لبناء شقق سكنية أو بيوت صغيرة لتقليل حجم النفقات.
من جهة أخرى، أظهر تقرير اقتصادي لـ”ألبن كابيتال” بعنوان “قطاع البناء في دول مجلس التعاون الخليجي” أن نحو 30% من السعوديين فقط يمتلكون منازل بداية عام 2014 في حين أن المعدل العالمي يصل إلى 70%، وتستأثر النسبة الباقية من السكان بمساكن مؤجرة أو تعتمد على الوحدات السكنية التي تقدمها لهم الشركات التي يعملون بها، غير أن الأرقام الحالية بدأت في التغير خلال السنوات الأخيرة الماضية وتحديداً مع تنفيذ “رؤية السعودية 2030″، والتي خصت القطاع العقاري بجل اهتمامها وكشف تفاصيلها ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إذ جاء في حديثه أن نسبة من يمتلكون مساكن وصلت حالياً إلى 47%، ومن خلال الرؤية الجديدة سترتفع نسبة تملك السعوديين للسكن لتصل إلى 52%، مشددا على أن مشروع الرؤية سيبتلع مشكلة الإسكان.
وبدأت فعليا سياسة ابتلاع مشكلة الإسكان ضمن أجندة تنفيذ رؤية 2030، التي تبنت الكثير من القضايا التي يعاني منها السعوديون، إذ أعلنت وزارة الإسكان تسليم 100 ألف منتج سكني للتخصيص والتسليم، وتتواصل على مدى عام كامل بمتوسط تخصيص يصل إلى نحو 8 آلاف منتج سكني في كل شهر. وحددت ست فئات مستهدفة في تخصيص وتسليم الـ100 ألف منتج سكني، وهي: أن يكون عمر المستفيد من 40 سنة فما فوق، أو أسرة من رجل مع أبنائه، أسرة من أرملة مع أبنائها، أسرة من مطلقة مع أبنائها، ذوي الاحتياجات الخاصة، ذوي الدخل المتوسط فما دون.
إلى ذلك، أوضح الرئيس التنفيذي لمؤسسة تمويل عقاري قيد الإنشاء مازن الغنيم في تصريحات صحافية، أن نسبة انتشار الرهن العقاري في المملكة بمعدل أدنى من جميع دول الخليج وذلك بنحو 2.3٪ في العام 2014. في حين أن متوسط نسبة الرهن العقاري في دول الخليج الأخرى تمثل 8.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي، إذ يميل الكثيرون من السعوديين إلى تجنب ملكية المنازل بسبب بعض المفاهيم الخاطئة حول فكرة الحصول على القرض و”عدم القدرة على تحمل مصاريف القرض”، وقلة خيارات التمويل المتاحة وتقلبات السوق، وغيرها.
وأَضاف قد يبدو استئجار الوحدة السكنية خياراً مغرياً وأكثر سهولة للسعودي، لكن امتلاك منزل هو دائماً الخيار الأفضل على المدى البعيد، وفي حين أن صندوق التنمية العقارية ساهم بشكل كبير في توفير التمويل للمواطنين السعوديين، وكذلك اتخذت الحكومة تدابير إضافية لضمان حصول عدد أكبر من المواطنين على التمويل العقاري، إلا أن نسبة التملك لازالت منخفضة.