لا تزال العاصمة البرتغالية لشبونة تسعى للوقوف ثانية على قدميها بعد أزمة منطقة اليورو التي أثرت على الاقتصاد الوطني للبلاد. وتبذل لشبونة جهودا كبيرة لدعم التجارة والأعمال الوطنية، واجتذاب أصحاب الشركات الناشئة من كافة أنحاء العالم.
ودعمت بلدية المدينة، على مدى السنوات الثلاث الماضية، الشركات الناشئة مما ساعد في نيل المدينة للقب “المنطقة الأوروبية الرائدة في مجال التجارة والأعمال لعام 2015”.
وفي نفس الوقت، شهدت المدينة أعمال ترميم وتعمير. فقد رُممت الأبنية المتداعية في مركز المدينة وافتُتحت متاجر ومقاه جديدة، وبدأ العاملون يعودون إليها.
“التغييرات كانت جذرية”، حسبما يقول روي كويلهو، المدير التنفيذي لوكالة “إينفيست لشبونة” لتشجيع الاستثمار في المدينة، مضيفاً: “شهدنا، خلال عام 2015، أرقاماً قياسية غير معهودة في الاستثمار في العقارات، والسياحة والشركات الرائدة في التجارة والأعمال.
هذا رائع. ومع ذلك، لسنا راضين عن أنفسنا. لا زالت نسبة البطالة عالية جداً، وفيما يخص إعادة إعمار وسط المدينة، لا يزال هناك الكثير لإنجازه.”
ومع أن نسبة البطالة على المستوى الوطني انخفضت عن 17.5 في المئة في عام 2013 حتى نهاية عام 2015، إلا أنها لا تزال بنسبة 12.2 في المئة من السكان.
وتأسست “ستارت-أب لشبونة” في عام 2011، وساعدت في إنشاء أكثر من 250 شركة. ويعد ما يقرب من 30 في المئة من رواد التجارة والأعمال الجدد في المدينة من الأجانب.
ويقول كويلهو: “نظراً للتطور التكنولوجي، يمكن للموهوبين من الناس أن يعملوا ويعيشوا أينما كانوا، لذا فإنهم يختارون مكاناً مناسباً ليعيشوا فيه، ومن المؤكد أن لشبونة هي إحدى تلك الأماكن”. ونلاحظ أن بين الشركات الناشئة نسبة معتبرة في مجال التقنية العالية والسياحة والصناعات الخلّاقة، حسب قوله.
تقع مدينة لشبونة الساحلية على المحيط الأطلسي، وهي عاصمة صغيرة نسبياً بعدد سكانها البالغ 548 ألف نسمة، وشواطئها الرملية الذهبية، و220 يوماً من الأيام المشمسة في السنة.
وتوفر لشبونة أنشطة متنوعة في مجالات العمل، والعيش، وركوب الأمواج، وممارسة لعبة الغولف، كل ذلك في أجواء مبهجة، ومناظر خلابة.
كما أن أهلها يتكلمون باللغة الإنجليزية على نطاق واسع. أضف إلى ذلك أن نفقات تأجير المكاتب وتشغيل الموظفين منخفضة نسبياً، مقارنة بغيرها من عواصم دول أوروبا الغربية.
عملياً، ليست في المدينة صناعة ثقيلة، ويشكل فيها قطاع الخدمات كل شيء.
ومن ضمن الشركات التي أسست لها مراكز خدمية هنا، شركة “فوجيتسو” اليابانية لتوفير أجهزة وخدمات تقنية المعلومات، وبنك “بي إن بي باريبا” الفرنسي، وشركة سيسكو الأمريكية للمعدات الشبكية، وشركة نوكيا الفنلندية للاتصالات وشبكات البيانات، وشركة سولفاي البلجيكية المختصة في الصناعات الكيميائية، وغيرها الكثير.
وتسيّر شركات تزويد الطاقة، مثل “سبسي 7″، و”تكنيب” و”ناشينال أويلويل فاركو”، أعمالها الخدمية من داخل المدينة، إضافة إلى شركة صناعة طائرات رجال الأعمال، “نيتجيتس”. وتجتذب المدينة أكثر من أربعة ملايين زائر سنوياً، وقرابة 40 في المئة منهم يأتونها بغرض التجارة والأعمال.
معرفة الآداب المحلية
تجري الأمور في هذه العاصمة الصغيرة نسبياً عبر مزيج متقن من التعامل الرسمي والعفوي. “في كثير من الأحيان، في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما تطلب تحديد موعد لاجتماع ما، سيلقي الشخص المقابل نظرة على جدول مواعيده ويقول، “أنستطيع أن نلتقي بعد ثلاثة أسابيع؟”.
أما في لشبونة، فسيقول لك الناس، “بالتأكيد، لماذا لا يكون ذلك بعد ظهر اليوم فتأتي لنشرب القهوة؟”، كما قالتها مورين فيرغسون، استشارية الأغذية والمشروبات والضيافة، والتي انتقلت مؤخراً إلى لشبونة قادمة من فيلادلفيا، وطنها الأم بالولايات المتحدة الأمريكية.
وتقول فيرغسون: “يتصف سلوك الناس بالحميمية والودية، ولغتهم الانجليزية مذهلة، ولكن يتوجب عليك أن تجتهد لتكسب صداقتهم. وللانتقال من الحديث عن التجارة والأعمال إلى تبادل المعلومات الشخصية، ستجد أن ذلك يتطلب بعض الوقت”.
وتوصي فيرغسون بالقول إن الوسيلة المثالية لكسر جليد العلاقات هو الاستفسار عن الأطعمة المحلية والنبيذ المحلي.
وبسبب الأزمة المالية الأخيرة، (والتي قلبت توقعات الكثير من البرتغاليين من الناحية المهنية) نجد تقبلاً ملموساً للأفكار الجديدة في المدينة. ولذا، “توجد في مدينة لشبونة في الوقت الحاضر روح حقيقية لمواجهة أي شيء رائد في مجال التجارة والأعمال وإنجازه”، بحسب فيرغسون.
وتضيف: “خلال الأزمة، وجد الكثيرون فرصاً للعيش في أماكن أخرى، ولإيجاد طرق مختلفة لإنجاز الأمور. والآن، حيث بدأنا نشهد فرصاً أكثر هنا، تراهم يعودون ويجلبون معهم كل تلك الطاقة.”
المطار
يقع مطار لشبونة “بوتيلا” على بعد سبعة كيلومترات (4 أميال) إلى الشمال من مركز المدينة. إنه مطار عصري سهل، وهو المطار الرئيسي للمدينة الذي يسير رحلات مباشرة إلى 43 بلداً و110 وجهة أخرى.
إضافة الى الرحلات الجوية القادمة من مدن أوروبية عديدة. وتشمل الرحلات مدناً أفريقية مثل أكرا، وباماكو، وداكار، ولواندا، ومابوتو، وفي الأمريكيتين هناك مدن مثل ريو دي جانيرو، وساوباولو، وبرازيليا؛ وبوسطن، وميامي، ونيويورك؛ وبوغوتا، وكاراكاس، بالإضافة إلى بنما.
تتوفر في صالة المطار رقم 1 محلات تجارية ومطاعم راقية، أما في صالة المطار 2 فهي تستعمل بشكل رئيسي من قبل شركات الطيران ذات الرحلات المنخفضة الأسعار، والخدمات فيها محدودة.
تسير القطارات مباشرة من المطار الى مركز المدينة (محطة أنفاق سالدانها) من الساعة السادسة والنصف صباحاُ وحتى وقت متأخر من الليل وتستغرق الرحلة 21 دقيقة. سعر التذكرة هو 1.40 يورو (1.52 دولار أمريكي).
إن معظم المسافرين بغرض التجارة والأعمال يستقلون سيارات الأجرة من المطار للوصول إلى مركز المدينة بطريقة أسرع.
ويكلف ذلك قرابة 15 يورو (16.33 دولار أمريكي) للفرد، وتستغرق الرحلة 15 دقيقة تقريباً.
لكن تأجير سيارة أجرة يكلف أكثر في الليل، كما أن هناك رسوماً إضافية للأمتعة والحقائب العديدة. ويشيع أيضاً استئجار سيارة خاصة لقيادتها نظراً لكلفتها الزهيدة كبديل عند إجراء لقاءات عمل تبعد عن وسط لشبونة، حيث يكلف تأجير سيارة اقتصادية مثل أوبل كورسا ما يقرب من 30 يورو يومياً، إضافة إلى نفقات الوقود.
الأمور المالية
يٌقبل الدفع ببطاقات “أميكس” أو “فيزا” على نطاق واسع، وبطاقات “ماستركارد” لكن بصورة أقل، لكن يفضل أن يحمل المسافر 50 يورو (54 دولار أمريكي) نقداً لاستعمالها عند شراء أشياء بسيطة، أو عند تأجير سيارات الأجرة، أو لشراء الوجبات الخفيفة، على سبيل المثال.
ويكلف شراء فنجان قهوة إسبريسو، – ويُدعى هناك بيكا- 60-80 سنت من اليورو (67-85 سنت من الدولار الأمريكي) في المقاهي المحلية، وتكلف قطعة حلويات “باستيل دي ناتا” (وهي فطائر الكاسترد التي اشتهرت بها مدينة بليم) يورو واحد فقط.
وستكون التكلفة أكثر إذا ما جلستم خارجاً في الشرفة أو إذا ما كنتم في أحد الأماكن السياحية المزدحمة. وإذا لم تتضمن القائمة تكاليف الخدمة فمن المتعارف عليه دفع بقشيش بنسبة تتراوح ما بين 5 في المئة، أو تصل أحياناً الى 10 في المئة في المطاعم الفاخرة.
ولا داعي بتاتاً لدفع بقشيش إذا ما أكلتم وجبة خفيفة أو تناولتم القهوة فقط، ولكن إذا ما رغبتم، يمكن ترك العملة النقدية المتبقية المكملة ليورو واحد.
الفنادق
تتضمن الخيارات الرائجة لدى مسافري التجارة والأعمال فنادق قريبة من ساحة “ماركيز دي بومبال”، ومنها فندق “إيبيك سانا” اللامع المتألف من 311 غرفة نوم، والمواكب لروح العصر.
ويبعد الفندق ثمانية دقائق مشياً على الأقدام من أقرب محطة لقطارات الأنفاق، مع أنه مزود أيضاً بمرآب مسقف لوقوف السيارات لقاء أجر مدفوع.
ويخصيص الفندق مساحة 2,169 متر مربع لرواده لممارسة نشاطات متنوعة، وهو بذلك قادر على استضافة أية فعالية جماعية، بدءاً من الاجتماعات الصغيرة إلى الولائم الضخمة. ولأوقات الاستجمام، فهناك منتجع علاجي مع مسبح داخلي، إضافة إلى مسبح في الهواء الطلق على سطح المبنى.
وهناك في مركز المدينة أيضاً يقع فندق “إنسبيرا سانتا مارتا”، وذلك بالقرب من شارع “أفينيدا دا ليبيريداد”.
إنه فندق رائج يضم 89 غرفة، وهو مصمم على طراز “فينج شوي”، وبه منتجع صحي ومطعم يفخر بتقديم الأكلات الخاصة للنباتيين.
توجد في الفندق صالتان للاجتماعات وقاعة على شكل سينما. أقرب محطة لقطارات الأنفاق لا تبعد سوى أربع دقائق سيراً على الأقدام.
تناول الطعام
يشكل جسر “25 أبريل” المعلق أحد معالم المدينة. ويقع تحت هذا الجسر، وعلى حافة مرسى السفن، مطعم “5 أوسيانوس” الفسيح، والذي تعرض أسماكه ومأكولاته البحرية الطازجة بشكل بهيٍّ على غرار ما هو معروض في السوق.
وسواء جلست في طابقه العلوي المنعش بزخارفه العصرية، أو في الشرفة، فسوف تستمتع بمناظر فنية مطلة على نهر تاجُه، في الوقت الذي تتذوق فيه الأكلات المحلية مثل “ألاغارييرو” (الأخطبوط المطبوخ في الفرن مع البطاطا) أو “بولياو باتو” (المحار المطبوخ مع الثوم).
وتحسب أسعار أكثر أنواع السمك والأكلات البحرية هناك حسب الوزن، لذا تأكد من الكمية التي تريدها.
في ساحة “براسو دو كوميرسيو” (والمعروفة أيضاً لدى السكان المحليين باسم “تيهيرو دو باسو”)، المواجهة للبحر، يقع مقهى ومطعم “مارتشينيو دا أركادا”. إنه بقعة رائعة لمشاهدة المارة، ويقع ضمن أروقة متاجر أنيقة.
وقد أصبح هذا المقهى-المطعم المكان المفضل للقاءات منذ عام 1782، ويشتهر برواده من أصحاب الأعمال المحليين وموظفي الدولة المدنيين.
وقد استُخدم خلال القرن الماضي كمكان تردّد عليه كثيراً الأديب فرناندو بيسوا، الشاعر البرتغالي المشهور. وبإمكانك أن تدخله لاحتساء فنجان من القهوة مع ’باستيل دي ناتا‘ (فطائر الكسترد بالبيض) في الشرفة، أو أن تتجه إلى قاعته الداخلية الشاعرية.
وترضي الأكلات المحلية الأذواق المختلفة، مثل “ساردينيا أسّادَس” (سمك الساردين المشوي) أو “باكالاو” (سمك القد المملح).
أوقات الفراغ
ستكون مقصِّراً لو تركت لشبونة دون الذهاب إلى مقهى لسماع أنغام موسيقى “فادو”، وهو لون من الألحان خاص بالبرتغال.
ويمكنك أن تتجول في الأحياء التاريخية مثل “ألفاما” أو “بايهو أوتو” لتجد نادياً أو مقهى تستمع فيه إلى أنغام موسيقى “فادو”، أو احجز لنفسك طاولة في مطعم مثل “كلوبي دي فادو”، وهو مكان مريح يقع في “ألفاما” بالقرب من الكاتدرائية.
في “بايهو أوتو”، وخلف واجهة مغطاة باللون الأصفر، يقدم مطعم “أديغا ماتشادو”، الذي أسسه الموسيقار أرماندو ماتشادو في عام 1937، عروضاً مثيرة للمشاعر مصحوبة بمأكولات محلية وعالمية.
ولترى الموقع الذي شدّ منه فاسكو دي غاما الرحال وأقلع بمركبه، هو وغيره من الملاحين العظام، عليك التوجه إلى أبرشية “بيليم” غرب المدينة، حيث اعتبرته اليونسكو من مواقع التراث العالمي.
هناك، لعب “برج بيليم”، بشكله الرباعي، دوراً في الدفاع عن الواجهة البحرية للمدينة لما يقرب من 500 عام. ويقع دير “جيرونيموس” المهيب بجماله على مسافة قصيرة. وقد اعتاد البحارة العائدون من البحار السبعة أن يعترفوا فيه بخطاياهم لرجال الدين.
اعتبارات خاصة
للمدينة شوارع تتعرج بحدّة، لذا فالطريقة المثلى لاستكشاف المدينة هي أن تقفز وتستقل إحدى قطارات الترام المحلية. جرب بوجه خاص خط الترام رقم 28، فهو يمرّ بمناطق يمكنك أن ترى فيها مناظر خلابة، ولكن نظراً لاجتذابه الكثير من السياح فإنه يجذب إليه النشالين أيضاً.
ويمكنك أن تستقل قطارات هذا الخط، قدر الإمكان، في الأوقات التي لا يكون فيها مزدحماً بالركاب؛ في الصباح الباكر، أو أواخر المساء.
ومهما كان المنظر آسراً، تأكد على الدوام من أن حافظة نقودك أو حقيبتك في مأمن.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-cyK