لماذا تُعد شنغهاي أفضل مدن الصين للمغتربين؟

16 مارس 2016آخر تحديث : منذ 9 سنوات
لماذا تُعد شنغهاي أفضل مدن الصين للمغتربين؟
160314160014_chinas_best_city_for_expats_640x360_istock_nocredit

على مدار 150 سنة تستقطب شنغهاي العاملين الأجانب، وعلى الرغم ممّا تشهده من انكماش اقتصادي، إلا أنها ما زالت قبلة للعمالة الأجنبية من أجل كسب العيش.
في بداية الامر، لم تتحمس الأمريكية أندريا ديوتي لفكرة الذهاب إلى شنغهاي. وحين أخبرها زوجها كريس أن شركته عرضت عليه منصبًا في المدينة، لم تكن لديها أي رغبة في مناقشة الأمر.
تتذكر ديوتي، بعد بضعة أشهر، وهي تقضم الجُبن المستورد من أسبانيا في حانة مقبلات “التاباس” في قلب شنغهاي: “للوهلة الأولى كان ردّ فعلي أن قلت له: هذا أمر مرفوض تمامًا”.
وبعد شهرين من انتقال الزوجين، وقعا في غرام شنغهاي، وكشأن الكثير من الأجانب، سيسردا لك قائمة تكاد لا تنتهي من أسباب عشقهما للبلد.
وتعدّ شنغهاي أكبر المدن في الصين وأكثرها تنوعًا للثقافات والأجناس، وما زال سحرها يجتذب الأجانب من شتى أصقاع الأرض. ومنذ ما يربو على 150 عامًا، يشعر الوافدون إلى شنغهاي من بلاد بعيدة هنا كأنهم في أوطانهم، وفي بعض الأحيان، كانت تحثهم هذه الفرصة على الاستقرار هنا.
بيد أن المشاكل الاقتصادية التي تشهدها الصين في الأونة الأخيرة ستقلص عدد المغتربين الذين يحاولون ترسيخ أقدامهم في البلاد. إذ تشير التقارير إلى أن عدد الأجانب في المدينة كان نحو 255 ألف أجنبي منذ ما يقرب من عام مضى، أي يوجد انخفاض بنسبة 2 في المئة عن عام 2014.
وقد تراجع النمو الاقتصادي إلى ما دون 7 في المئة بقليل العام الماضي، وباتت سوق الأسهم متقلبة، كما يبحث الصينيون الأثرياء عن سبل لإخراج أموالهم من البلد. وفي السنوات الأخيرة، أضحت بعض الشركات الأجنبية أكثر تشاؤمًا حيال عملياتها التجارية في الصين، وبدأت توظف صينيين تلقوا تعليمهم في الخارج في المناصب العليا ليحلّوا محل الأجانب. وفي عام 2014، كان عدد المغتربين الذين خرجوا من الصين ضعف عدد الوافدين إليها، بحسب دراسة أجرتها “يوني غروب” لخدمات الانتقال إلى مكان آخر.

وعلى الرغم من أن الجميع يترقبون انفجار الفقاعة الاقتصادية، فإن رأس المال الصيني لا يزال خيارًا مغريًا للغاية للعاملين الذين يبحثون عن مهمة عمل شيّقة في الخارج. فما برح الأجانب ينظرون إلى شنغهاي على أنها فرصة للدفع قدمًا بمستقبلهم المهني، حين يتعذر ذلك في وطنهم، أو لجني المال سريعًا، ويرى الكثيرون، أنها فرصة لتحقيق كلا الأمرين معًا.
جني المال
تقول ديوتي، طاهية أمريكية تعكف على تأليف كتاب طهي عن الفطائر التي تشتهر بها أقاليم فرنسا: “يجد المغتربون هنا فرصة شيقة، لأن البلد لا تزال مزدهرة بعد، ويفد الكثيرون إليها”.
ولا يشعر جلّ المغتربين أن تكلفة المعيشة في شنغهاي مرتفعة للغاية، ولعل هذا بسبب ارتفاع مستوى دخل المغتربين. ففي الصين، يصل متوسط دخل الأجانب إلى قرابة 158 ألف دولار سنويًا، قياسًا بالمتوسط العالمي الذي يتجاوز 104 ألف دولار بقليل، بحسب الاستطلاع السنوي لآراء المغتربين الذي أجراه بنك “إتش إس بي سي” لعام 2015.
ويعمل الكثير من المهنيين في المناصب الإدارية، ويتلقون علاوات لتمكنهم من تحقيق القفزة الكبيرة هنا في الصين، على الرغم من أن العقبات الثقافية التي يواجهونها كانت أكبر نسبيًا، فضلًا عن أن تلوث الهواء يزداد سوءًا، حتى أن بعضهم يتلقى بدل التعرض لخطر التلوث.
فعلى مدار السنوات القليلة الماضية، ساءت مستويات التلوث في شنغهاي. وفي بعض الأيام، كان يعدّ الهواء “غير صحي بالمرة” ولكنه قلّما يصل إلى المستويات “الخطيرة” التي يعاني منها سكان بكين.
بيد أن لبريق الحياة في شنغهاي وما توفره من وسائل راحة عديدة ثمنًا، بحسب استبيان للرأي أجرته مؤخرًا “إي سي أيه انترناشيوال” لتقديم المشورة والمعلومات للشركات. فمن ناحية تكاليف المعيشة، فاقت شنغهاي غيرها من المدن الأسيوية الرئيسية وتصدرت قائمة أغلى مدن القارة بالنسبة للمغتربين.

غير أن استبيان الرأي قارن السلع والخدمات الاستهلاكية فقط ولم يتعرض للإسكان أو الدخل، ولكن توضح دراسات أخرى أيضًا أن المدينة التي يزيد عدد سكانها عن 24 مليون نسمة قد تكون إحدى أغلى الدول في العالم.

ولكن بغض النظر عن وسائل الراحة المنزلية الباهظة مثل منتجات الألبان أو الخضروات والفاكهة الطازجة، فإن تكلفة المعيشة في شنغهاي ميسرة للغاية، قياسًا بهونغ كونغ على الأقل. فتقل تكلفة وجبة الغذاء في المطاعم الغربية عن 10 دولارات في المعتاد، وبنفس هذا المبلغ يمكنك أن تستقل سيارة أجرة تطوف بك في المدينة. أما إذا استخدمت شبكة مترو الأنفاق الممتدة والحديثة، فقلّما يزيد ما تدفعه عن دولار واحد.

قالت ديوتي: “لقد وجدنا أن نفقات المأكل اليومية انخفضت عن ذي قبل، كما أرى أن تكاليف منتجات البقالة والنقل مريحة ماليًا أكثر من تكاليف المعيشة في لندن أو في نيويورك.”

فلم يزد الدخل المتاح لهم للانفاق عمّا كان عليه حين كانوا يعيشون في الغرب فحسب، بل أيضًا، باستثناء تلوث الهواء، تحسن أسلوب معيشتهم.

فتدفع عائلة ديوتي نفس الإيجار الشهري الذي كانوا يدفعونه في لندن، ولكن الشقة التي يعيشون فيها هنا أكثر رحابةً وتتكون من طابقين ومجهزة بغرفة معيشة ومطبخ.

كما وجدت عائلة ديوتي المنزل المناسب بسهولة وبسرعة، على الرغم مما يلاقيه الباحثون عن المنازل من صعوبات لأن الكثير من وكلاء العقارات لا يعوّل عليهم وبعض قوائم العقارات غير حقيقية. وعادةً ما يوصي زملاء العمل أو الأصدقاء الذين يعيشون بالفعل في شنغهاي بوكلاء للعقارات.

أين تستقر

يقول كارلبي شييه، مدير الأبحاث الصينية بمؤسسة “كولييرز إنترناشيونال” للعقارات: “هذا المكان رائع للأجانب”.

وإجمالًا، فإن المدينة ذات طابع عالمي وعصري، ويتسم الاتجاه العام بالحميمية تجاه الأجانب.

ويقول شييه إن شغل الأجانب الشاغل هو الإسكان، فأسعار الإيجارات تختلف اختلافًا كبيرًا من موقع لأخر. وقد وجدت مؤسسة “كولييرز” أن أسعار الإيجارات بشكل عام تبلغ نحو 29 دولارًا للمتر المربع، ولكن يدفع المغتربون في الغالب إيجارات أعلى كثيرًا من هذا السعر لأنهم يضعون الموقع في الاعتبار.

ويشكو المغتربون المقيمون منذ فترة طويله من أن تكاليف المعيشة شهدت ارتفاعًا سريعًا وحادًا في سنوات قليلة. فمنذ وقت مضى كان إيجار الشقة العصرية المكونة من غرفة واحدة والتي تقع في مركز المدينة لا يتعدى 3 آلاف يوان، أي ما يعادل نحو 450 دولارًا أمريكيًا في الشهر، أما الآن فقد زادت الأسعار أكثر من الضعف، بحسب المنطقة.

وقال شييه، إن من أبرز المواقع وأكثرها شهرة، منطقة الامتياز الفرنسي السابق في قلب شنغهاي، التي تتميز بالمنازل الكبيرة المزخرفة ذات الأسقف مثلثة الشكل والقمم الهرمية والأبراج المرتفعة المستدقة. فيصل إيجار الشقة الصغيرة هنا المكونة من غرفة واحدة إلى ألف و200 دولار في الشهر أو يزيد، وهذا المبلغ ربما يمثل ثلثي راتب الأجنبي الشاب قليل الخبرة العملية.
فلتُحضر معك أطفالك
على مسافة محطتي مترو أنفاق من منطقة الامتياز الفرنسي، أسفل نهر هوانغبو، ستصل إلى منطقة بوكسي، التي تضم ناطحات السحاب الفاخرة المتجاورة، حيث تسكن غالبًا العائلات في شقق مجهزة بالكامل وذات خدمة فندقية ليكونوا على مقربة من المدارس الدولية الخاصة.
ويوجد الكثير من المدارس ولكنها باهظة التكلفة. فتبدأ أسعار المصروفات الدراسية للطفل من نحو 1,500 دولار في الشهر، وفقًا للسن والمدرسة، وتبدأ أسعار الشقق ذات الخدمات الفندقية التي تكفي لعائلة صغيرة من نحو 3,500 دولار في الشهر.
إلا أن جلّ هذه التكاليف لا يدفعها المغتربون مباشرة. فيقول شييه: “إذا قدمت إلى الصين بموجب عقد مع شركة ما وكنت على مستوى المديرين التنفيذيين، فحينئذ يحق لك الحصول على حزمة من الامتيازات وستتكفل الشركة بمصاريف مسكنك وما إلى ذلك، ومن ثم، سيمكنك عندئذ إدخار الكثير من المال”.
وحتى لو لم تتكفل الشركة بكل هذا، فإن مصاريف الدراسة وتكاليف الإيجار لن تستنفد كل ما جمعت من أموال. إذ يحصل 25 في المئة من المغتربين على الأقل في الصين على ما يزيد عن 300 ألف دولار سنويًا، وهي أعلى نسبة يمكن تحقيقها في أي دولة من الدول التي يجري فيها بنك “إتش إس بي سي” استطلاعات للرأي.
وتابع شييه: “يأتي الجميع إلى شنغهاي، سواءً أكانوا ألمان أم بريطانيين أم أستراليين أم سنغفاوريين، لغرض جمع المال. وبعضهم يبقى من عامين إلى خمسة أعوام، بحسب قدرتهم على التكيف، وحينما يدخروا ما يكفيهم من المال يعودوا إلى أوطانهم ليستثمروا في العقارات”.

استمتع بحياتك
يستقل الكثير من المغتربين في شنغهاي مترو الأنفاق المكتظ بالناس للذهاب إلى العمل، ويتناولون وجبة الغذاء المكونة من طبق الحساء بكُرات العجين من مطعم صغير رديء المستوى، ويندهشون عند رؤية كبار السن يلعبون الشطرنج الصيني في المتنزهات.
غير أن هذه المدينة يفضلها الأجانب ويحبونها لأن كل وسائل الراحة التي يعرفونها في وطنهم على بعد خطوة منهم.
تقول مورا كونينغهام، مواطنة أمريكية من ولاية فيلاديلفيا تعيش في شنغهاي منذ سنتين، فيما تُحضر رسالة الدكتورة: “لا يخفى عليك أن سلسلة مقاهي “ستاربكس” والأطعمة الإيطالية المميزة على مقربة منك. إنه مزيج جميل حقًا بين الشرق والغرب”.
وتنفق كونينغهام نصف راتبها الذي يبلغ 2000 دولار شهريًا على إيجار شقتها وتدبِّر بقية ميزانيتها بحسب إمكانياتها. وعلى الرغم من هذه الميزانية المحدودة، تتخذ كونينغهام من شنغهاي مقرًا لتنطلق منها لاستكشاف أماكن أخرى في الصين وفي آسيا.
فتستغرق الرحلة، بالقطار فائق السرعة، نحو خمس ساعات للوصول إلى بكين، وساعة واحدة للوصول إلى سائر المدن الرئيسية المطلة على نهر يانغتسي. كما أن رحلة الطيران إلى اليابان غير مكلفة ولا تستغرق أكثر من ساعتين، وتدعوك الجُزر الاستوائية بجنوب شرق آسيا، في مقابل نحو 300 دولار، للاستمتاع بالغطس واحتساء شراب الكوكتيل على الشواطئ الرملية.
ربما لم تستطع كونينغهام الاستثمار في العقارات عندما عادت إلى الولايات المتحدة، ولكن عملها في شنغهاي ومهاراتها اللغوية أهلاها للحصول على وظيفة مديرة برنامج لدى اللجنة القومية للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين.
إن العامل المشترك بين المغتربين في شنغهاي أنهم قد ينتقلون إلى شنغهاي من أجل الدفع قدمًا بمستقبلهم المهني وزيادة دخلهم فقط. ولكن أغلبهم يكتشفون أنهم يستمتعون بحياتهم هنا بالفعل.
وقالت كونينغهام: “على الرغم من أنني لم أقض في شنغهاي سوى عامين، إلا إنني أفتقدها. إنها وطنٌ لي مثل فلاديلفيا تمامًا”.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.