مجلة مال واعمال

لماذا تستورد مدينة دُبي الصحراوية الرمال من الخارج؟

-

160517185126_even_dubai_imports_its_sand_640x360_istock_nocredit

ولّد ازدهار قطاع البناء والتشييد على المستوى العالمي طلباً هائلاً على الرمل حتى في المدن المحاطة به.
لقد بات الرمل الذي لم نكن نهتم به، ونراه في كل مكان حولنا، من الصحاري إلى الشواطيء مروراً بساحات لعب الأطفال، ورغم وفرة مصادره، يغذي اتجاها عالميا للاستيلاء على الأراضي الرملية، حتى أنه أدى إلى خلق عصابات مختصة في تهريب الرمال.
قبل ست سنوات، كان العالِم باسكال بيدوزي يقوم بأبحاث عن تآكل الشواطيء في مدينة نيجريل في جامايكا. في تلك الأثناء، أصابته الدهشة بعد حوارات أجراها مع ساكني قرية ساحلية يعملون في صيد الأسماك. فعلى الرغم من أجهزة الجغرافيا المكانية وأدوات الاستشعار عن بعد التي كان يستعملها لمسح الأضرار التي تصيب تلك البيئة الساحلية، لم يستطع أن يتكهن بسبب واحد للتآكل الحاصل للشاطيء الغربي في جامايكا.
فقد أخبره السكان المحليون عن عصابات مافيا يعملون في تلك المنطقة، وهم رجال مسلحون يأتون إلى الشاطيء في منتصف الليل وينقلون أكياساً من الرمل، من أجل بيعه لشركة للبناء تستخدمه في إنشاء مجمع سكني ساحلي جديد.
وقال بيدوزي، وهو مدير العلوم في قسم الإنذار المبكر والتقييم في برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة: “صُدمت لسماعي أن الناس يتقاتلون من أجل الرمل”. وأضاف: “عملت لأكثر من 20 عاماً في علوم البيئة، لكن الرمل كان بمثابة مفاجأة بالنسبة لي.”
ولأنه يستعمل في مواد البناء، صمد الرمل أمام اختبار الزمن. ففي عام 3500 قبل الميلاد، صنع المصريون القدماء وسكان بلاد ما بين النهرين الزجاج من الرمل، الذي تكون بشكل رئيسي من عملية طحن الرياح والمياه للصخور لتحولها إلى حبيبات غنية بمادة السيليكون.
وفي وقتنا الحاضر، يستعمل عاملو البناء في كافة بقاع العالم مصادر هذه المادة الطبيعية، الموجودة في الأنهار والبحيرات والمحيطات، في العديد من مواد البناء، بما فيها الأصباغ والأسمنت.
ومع ازدهار قطاع البناء عالمياً والبدء في استعمال تقنية “التكسير الهيدروليكي”، التي تقوم على استخدام الرمال لاستخراج النفط والغاز من الآبار في الولايات المتحدة الأمريكية، تزايد الطلب على الرمل بشكل مفاجيء. وفي عام 2014، وصلت كميات الرمل، ونظيره الأكبر الحصى، المستخرجة من مختلف بقاع العالم إلى 196 مليون طن، وفقا لوكالة “المسّاح الجيولوجي الأمريكي”.
ويأتي الماء بعد الرمال كأكثر الموارد الطبيعية وفرة من حيث كثرة الاستعمال، حسب قول بيدوزي. ويستعمل الرمل في كل شيء تقريباً، بداية من استعماله في مرشحات أحواض السباحة، إلى السبائك المعدنية، مروراً بآبار النفط، وشاشات الهواتف الذكية، وحتى بعض معاجين الأسنان.
وقُدرت القيمة الإجمالية لسوق الرمل والحصى بـ8.3 مليار دولار أمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العام الماضي، وبلغت حوالي 1.7 مليار جنيه استرليني (2.5 مليار دولار أمريكي) في المملكة المتحدة في عام 2013، وذلك حسب وكالة “المسّاح الجيولوجي الأمريكي”، و “جمعية المنتجات المعدنية” البريطانية.

ويتوقع أن يزداد الطلب العالمي على الرمل بنسبة 5.5 في المئة سنوياً حتى عام 2018، حسبما جاء في تقرير ديسمبر/كانون الأول عام 2014 لـ “مجموعة فريدونيا” الاقتصادية. ويستطيع المستثمرون الراغبون في الصمود أمام تقلبات السوق ومواجهة المخاطر البيئية المحتملة أن يحصدوا الأرباح نتيجة الإقبال المتزايد للحصول على هذه السلعة العالمية.

كانت سوق الرمل، لسنين طوال، “هادئة” تماماً، حسب قول سوني رانداو، نائب الرئيس المسؤول عن الأبحاث في قطاع الطاقة لدى شركة “دي. أي. دافيدسن” الاستثمارية ومقرها في ولاية أوريغون الأمريكية.

أما في السنوات الأخيرة فقد أصبحت سوق الرمل أكثر ما تكون مثل “وليمة”، حسب قوله، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.

طلب عالمي غير مستقر

يتفاوت الطلب على الرمل بحسب المناطق المختلفة من العالم. فقد زاد انتعاش البناء في الصين والهند من الطلب على الرمل في هذه الأسواق. وعلى مستوى العالم، ووفقا لـ “فرع الإحصاءات التجارية لدى الأمم المتحدة”، تشكل الصين التي تستورد كميات كبيرة من الرمال خُمس الواردات العالمية من للرمل.

وبسبب خطط التنمية المسعورة لبناء السدود والطرق والمباني والمصانع الجديدة، استعملت الصين كميات من الرمل خلال السنوات الأربع الأخيرة تجاوزت ما استعملته الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن الماضي، بحسب بيدوزي. كما أن الصين صبّت كميات هائلة من الرمال على الشعاب البحرية لإنشاء جزر جديدة وتوسيع مواطيء قدمها في بحر الصين الجنوبي.

حتى دولة الإمارات العربية المتحدة استوردت ما قيمته 456 مليون دولار أمريكي من الرمال والصخور والحصى في عام 2014، حسب ما ذكرته الأمم المتحدة.

وبالرغم من وقوعها في قلب الصحراء، فإن دبي بُنيت بالرمل المستورد، بحسب باسكال. فرمال الصحراء التي تشكلها الرياح ناعمة جداً ولا تصلح للبناء هناك.

ونجد في هذه الأثناء أن الحاجة إلى الرمل قد انخفضت في المملكة المتحدة بسبب تباطؤ تشييد المباني الجديدة وحصول المواد المعاد تدويرها على الدعم من قبل الساسة.

وقد انخفض الطلب على الصخور والحصى والرمل بنسبة 25 في المئة مقارنة بمستويات عام 2007، حسبما ذكرت “جمعية المنتجات المعدنية” في المملكة المتحدة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، خلقت الزيادة في استعمال التكسير الهيدروليكي، أو ما يعرف بعملية “التصديع الهيدرولي” في مجال استخراج النفط، نزعة قوية للحصول على الرمل. ففي عام 2013، وصل إنتاج الرمل بغرض الاستعمال في استخراج النفط والغاز إلى 19 ضعف ما كان عليه قبل عقد من ذلك التاريخ، حسب ما ذكرت وكالة “المسّاح الجيولوجي الأمريكي”.

وتشمل تلك العملية ضخ كميات من الماء والرمل وبعض المواد الكيمياوية عبر آبار تُحفر أفقياً وتقع تحت سطح الأرض بمسافة آلاف الأقدام، نحو تشكيلة معينة من الصخور بغرض استخراج النفط أو الغاز الطبيعي.

ومع أن سوق الرمل الصناعية تبعت النمو الاقتصادي العام في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الطلب على الرمل المستعمل في عملية “التصديع الهيدرولي” كان متفاوتاً بقدر تفاوت أسعار النفط. فخلال الأعوام من 2011 إلى 2014، نما الطلب على الرمل المستخدم في تلك العملية لأكثر من الضعف، من 24 مليون طن إلى 59 مليون طن، إلا أنه تراجع في العام الماضي إلى 50 مليون طن، حسب قول رانداو.

وحتى مع انخفاض أسعار النفط، فإن الطلب على شراء الرمل يزداد. ويعود ذلك، في غالب الأمر، إلى الكميات المتزايدة من الرمل الداخلة إلى الآبار في محاولة لاستخراج المزيد من النفط، حسب قول مارك بيانتشي، وهو مدير عام لدى شركة “كاوين آند كومباني”.

ومع تحسن تقنية التكسير لاستخراج كميات أكبر من النفط من كل بئر، فإن كمية الرمل المستعملة في كل بئر قد تضاعفت أيضاً، من ألفي طن لكل بئر في الربع الثاني من عام 2013 إلى 4400 طن في الربع الأخير من عام 2015، حسبما قال بيانتشي.

السبيل للاستثمار

عليك أن تملك وفرة من الموارد المالية وروحاً ريادية لكي تشتري بشكل مباشر منجماً للرمل أو منشأة على الساحل. وتنظّم العديد من البلدان قواعد لاستخراج الرمل، ولذا تراها تمنح عدداً محدوداً من التراخيص لتمنع الإفراط في عملية استخراجه. كما يرجّح أن تكلف نفقات الاستخراج التقني للرمل ومعالجته ونقله أكثر بكثير من قدرة مستثمر يعمل بمفرده.

حتى الاستثمار في شركات الرمل الحالية يتطلب معالجة طبقات معقدة مما يعرف باسم “سلسلة القيمة”، ابتداءً من الشركات الصغرى التي قد تملك منجماً واحداً، وانتهاءً بلاعبين دوليين كبار مثل “مجموعة سيبيلكو” منذ 144 عاماً، والعاملة في 41 بلداً ومقرها بلجيكا، أو شركة هايديلبيرغ للأسمنت الألمانية التي تصنّع وتبيع الأسمنت في 40 بلداً وتملك وتشغّل منشآت الرمل في أماكن مختلفة من العالم.

إن سوق الرمل التي تتسم بالانقسام والتشتت في أغلبها، باتت أكثر تركيزا في بعض المناطق. في الجانب الأوروبي، تحتفظ “الجمعية الأوروبية لمنتجي السيليكا الصناعيين” بقائمة مكتملة للاعبين الكبار في القارة الأوروبية في هذا القطاع.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تملك 230 شركة 335 منشأة عاملة في قطاع الرمل عبر 35 ولاية، استناداً إلى وكالة “المسّاح الجيولوجي الأمريكي”. وخلال السنوات القليلة الماضية، بدأت أربع شركات رمل أمريكية في بيع أسهمها في سوق تبادل الأسهم في نيويورك، ولدى رانداو تصنيفه الخاص بـ”شراء” تلك الأسهم.
وتركز اثنتان من هذه الشركات – “إيميرج إينرجي سيرفيسز” و “هاي كرش بارتنرز”- حصرياً على سوق الرمل المستخدم في عملية “التصديع الهيدرولي” لاستخراج النفط، بينما نجد أن لدى شركتي “فيرماونت مينيرالز” و “يو إس سيليكا” أيضاً عمليات تشغيل صناعية أخرى للرمل. وبسبب تسجيلها مؤخراً، يقول رانداو إن من الصعوبة متابعة عوائد تلك الشركات.
ونظراً لأسعار النفط التي لا يمكن التنبؤ بها، ينبغي على المستمثرين الراغبين في خوض المخاطر أن يتهيأوا لتقلبات هذه السوق.
ويعتقد كل من رانداو وبيانتشي أن شركة “يو إس سيليكا”، التي تأسست حوالي عام 1900، هي الأفضل في مواجهة تلك التقلبات، إذ أن الزبائن القدامى للشركة يوفرون لها مصدر دخل ثابت، حتى وإن تناقص الطلب على الرمل المستخدم في استخراج النفط.
أضف إلى ذلك أن الشركة تخلق منتجات جديدة مرتبطة بالرمل، مثل إضافة طبقة مضادة للجراثيم إلى الرمل المستعمل في مرشحات المسابح.
قلق من المستقبل
أخيراً، هناك مخاوف قانونية وبيئية يجب أخذها في الحسبان في مختلف بقاع العالم. فقد تآكلت الشطآن بمعدل 40 متراً بين أعوام 1968 و 2008، حسبما يقول بيدوزي.
وفي بعض المناطق، مثل ولايتي كارولاينا الجنوبية وكاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، تسبب الإفراط في استخراج الرمل من الشاطئ، والاحتباس الحراري العالمي، في تآكل مئات الأمتار من الشواطيء. وفي بقاع أخرى من العالم، اختفت بعض الجزر بالكامل.
ويقول بيدوزي: “لا زالت لدينا كميات هائلة من الرمل، لكن بسبب استعمالنا له بصورة كثيفة، أصبح الرمل نادراً، ولا يعني هذا القول إنه ينبغي علينا التوقف عن استعمال الرمل، بل علينا توخي الحذر أكثر من ذلك.”