فيينا، تفوّقت العاصمة النمساوية فيينا مؤخراً على 229 مدينة أخرى تشتهر بأجواء التشويق والأنشطة الهادفة والفعاليات، لتتوَّج بلقب المدينة الأكثر ملاءمة للعيش في العالم، حسب دراسة أجرتها شركة ميرسر الاستشارية.
الموقع الجغرافي لمدينة فيينا، إضافة إلى سهولة العيش فيها يجعلانها تستقطب أصحاب التجارة والأعمال بشكل كبير. أما القلاع المعمِّرة لقرون، وما تنتجه الفنون الجميلة فيها، فيجعلانها وجهة سياحية رائجة، بنفس قدر رواجها لدى من يقصدونها من أصحاب التجارة والأعمال، حسب بي بي سي.
يقول ماغنس باير، وهو مهندس يعمل في أحد الأقسام الفنية بكلية لندن إمبريال كوليدج: “كانت فيينّا بالنسبة لي أجمل مدينة في أوروبا”. وقد زارها باير في المرة الأولى في شهر إبريل/نيسان للمشاركة في إحدى الفعاليات الخاصة بالجمعية العمومية للاتحاد الأوروبي لعلوم الأرض.
وفي الوقت الذي تشتهر فيه المدينة بسحرها المتعلق بالعالم القديم، يقول الزائرون الذين تحدث إليهم جان بول دانتيل، مدير عام فندق “ريتز كارلتون فيينّا”، إنهم يشعرون بالذهول من جمالها.
ويضيف دانتيل عن هؤلاء الزائرين: “تجدهم مندهشين تماماً وعلى الدوام بسبب الجمال المجرد الذي تبدو عليه المدينة حقاً. كما تجد العديد منهم يتعجبون من سهولة التجول فيها مشياً على الأقدام، ومن روعة وسائل النقل العام فيها. كما أن حركة المرور هنا ليست سيئة إطلاقاً، إذا ما أخذنا في الاعتبار أنها عاصمة”.
ويقول دانتيل إن نصف نزلاء الفندق تقريباً يأتون إلى المدينة لأغراض تجارية، وكثير منهم دبلوماسيون، ومسؤولون حكوميون رفيعو المستوى، ومستشارون، يتقابلون أثناء لقاءات عالمية لتمثيل دولهم في مؤسسات مثل منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، التي تدير عملياتها الدولية من فيينّا منذ عام 1965.
وكأحد أكبر أربعة مقرات رئيسية للأمم المتحدة، تعد فيينّا موطنا لبعض المؤسسات الكبرى للأمم المتحدة، بما فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتوظف مكاتب الأمم المتحدة هناك ما يقرب من 4400 شخص من 120 بلداً.
يقطن في المدينة أكثر من 1.8 مليون شخص، وبذلك تصبح فيينّا ثاني أكبر مدينة ناطقة باللغة الألمانية في العالم. وهناك نحو 200 ألف طالب جامعي يضيفون إلى عنصري الشباب والعالمية للمدينة، مما يوسع من نشاطات المدينة لتشمل حياة المطاعم والسهرات الليلية، حسب قول أورسولا كاينز، من “وكالة فيينّا التجارية” التي تقدم استشارات للشركات الوطنية والعالمية.
وتقول كاينز: “إذا كنت قد قدمت إلى هذه المدينة قبل عشر سنوات، فإنك لن تتعرف عليها أبداً، فهناك الكثير من المطاعم والمقاهي والحانات، وابتكارات في قطاعات عديدة، وتنوع أكبر، إضافة إلى انفتاح أكثر. كما تنبض المدينة بألوان أزهى من ذي قبل”.
كانت المدينة فيما مضى أكثر المرتكزات شرقاً بالنسبة لأوروبا الغربية، فأصبحت فيينّا الآن القلب النابض للقارة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وباتت بوابة الشركات الساعية إلى توسيع نطاق تجارتها إلى أسواق اقتصادية ناشئة ظهرت مؤخراً في الشرق.
علاوة على ذلك، كان لتوسع الاتحاد الأوروبي شرقاً تأثيره في وضع فيينّا مباشرة كمعبر ذي اتجاهين للتجارة والاستثمار بين شقّي أوروبا.
وهناك مكاتب ومقرات رئيسية في فيينّا لأكثر من 200 شركة عالمية، وتفتتح المزيد من الشركات العالمية مكاتبها في المدينة، حسب قول كاينز. كما أن المستوى العالي للمعيشة فيها، ووفرة الجامعات، والاستقرار الاقتصادي، وقربها من أوروبا الشرقية تعد عوامل استقطاب كبرى.
الهوس الثقافي
غالباً ما يُعرف النمساويون بكونهم رسميون بإفراط. يظهر ذلك، على سبيل المثال، في إلحاحهم على استعمال الألقاب ودلالات الاحترام والتقدير، حتى عند التحدث مع طلبة الجامعة، يراعى استخدام الألقاب المتعلقة بدرجاتهم العلمية التي يدرسون للحصول عليها.
ومن غير المقبول استعمال تحية بسيطة مثل كلمة “مرحباً” ما لم تكن قد كونت علاقة قوية مع شريك تجاري لك. بدلاً من ذلك، يُستعمل تعبير “غرووس غوت”، وترجمته الحرفية هي “تحية لله”، وهو تعبير شائع يستعمله الشركاء التجاريون فيما بينهم عندما يتصافحون في هذا البلد الذي يتبع التقاليد الرومانية الكاثوليكية.
ومع ذلك، فالنمساويون هم، من نواحي عديدة، متمهلون ومسترخون أكثر من جيرانهم الألمان في الشمال. لن تكون هناك مشكلة تُذكر في فيينّا إذا تأخرت لخمس أو 10 دقائق.
ويتلهف سكان فيينّا، مع افتخارهم بتقاليدهم العريقة، لدعوة شركائهم في مجال التجارة والأعمال لتناول وجبات تقليدية، وهي تتضمن في الغالب احتساء البيرة أو قدحاً من النبيذ أثناء تناول الغداء.
بعد زيارة إلى دار الأوبرا المهيب، غالباً ما يتم اصطحاب الشركاء التجاريين إلى منطقة أكشاك “فيرستيلشتاند”، وهي أكشاك لبيع النقانق التي تشتهر بها شوارع المدينة.
وتقول كاينز ضاحكة: “إنها تبيع أطعمة سريعة ذات مستوى رفيع، وليست مثل وجبات ماكدونالدز، وعليك أن تتوقع أن تؤخذ إليها عندما تكون في رحلة تجارية. ونصيحتي: لا تطلب شوكة وسكيناً”. وتوضح قائلة إن النقانق المقطعة إلى شرائح تقدم على طبق من الورق المقوى مع صلصة ريفية خاصة، وصلصة الطماطم، لتأكلها بيديك.
الوصول إلى هناك
وتقدم أكثر من 60 شركة لخطوط الطيران ما يصل إلى 180 رحلة مباشرة من وإلى مطار فيينّا. أكثر المسارات ازدحاماً هي تلك المتجهة إلى فرانكفورت والقادمة منها، وكذلك مدينتي زيوريخ، ولندن. وقد مرّ بالمطار، الذي تم تحديثه مؤخراً، ما يقرب من 23 مليون مسافر في العام الماضي.
ويقود قطار المطار المسافرين إلى وسط فيينّا خلال 16 دقيقة، وهي رحلة بدون توقف وتكلف 11 يورو (12.25 دولار أمريكي).
ويمكن شراء تذكرة لثلاثة أيام لركوب وسائل النقل العامة، التي تشمل قطارات الأنفاق، والترام، والحافلات، وتكلف 16.50 يورو (18.35 دولار أمريكي). أما لمن يريد أن يمكث فيها أكثر، فيمكنه الاستفادة من تذاكر ذات آجال أطول تجعل تكلفة التنقل أقل من يورو واحد (1.10 دولار أمريكي) في اليوم.
وتعتبر الأسعار في فيينّا، بشكل عام، معقولة بالنسبة لعاصمة أوروبية. وتكلف وجبة غداء أقل من 10 يورو (11 دولار أمريكي)، ويكلف قدح نبيذ جيد جداً ما لا يزيد عن 4 يورو (4.5 دولار أمريكي).
ولكن عليكم توخّي الحذر: فحمل النقود هو من الضروريات. لا زالت العديد من المحلات والمطاعم ترفض قبول الدفع ببطاقات الإئتمان، أو بطاقات السحب المباشر من الرصيد. وتغلق غالبية المحال التجارية أبوابها قرابة السابعة مساءً، وتغلق أيضاً خلال أيام الأحد.
أماكن الإقامة
أعطت مكاتب ومقرات الشركات العالمية العديدة ونمو الاستثمارات التجارية دفعة قوية أيضاً لقطاع الخدمات المتعلق بأماكن عقد الاجتماعات، والمؤتمرات، والمعارض في المدينة.
وقد استضافت المدينة في العام الماضي 3685 مؤتمراً واجتماعاً ولقاءً دولياً، نتج عنه بقاء الزائرين لما يصل في مجموعه إلى 1.7 مليون إقامة ليلية، في واحد من بين 65 ألف من أسرّة فنادق المدينة.
ولكون فيينّا مدينة متراصة، ويمكن التجوال فيها، وتقع أكثر المعالم في ’الحي الأول‘، فإن ايجاد فندق بموقع مركزي سيساعدك في الاستفادة القصوى من رحلتك التجارية.
ولمن يريد الإقامة في مكان ذي جاذبية تاريخية، فإن فندق زاخا من بين أكثر فنادق المدينة المبنية على الطراز التقليدي، وكان قد استضاف الملكة اليزابيث الثانية، وجون كينيدي قبل ذلك.
وقد افتتح ادوارد زاخا ذلك الفندق في عام 1876، بعد سنين قليلة فقط من ابتكار والده كعكة “تارت زاخا” التي أصبحت مشهورة الآن، وهي كعكة شوكولاته مع طبقة من مربى المشمش وكمية وفيرة من قشطة الحليب.
الطعام والقهوة
تعد ثقافة احتساء القهوة من بين الأمور المهمة في فيينّا. وقد حاول الجنود الأتراك غزو المدينة في القرن السابع عشر، وتركوا وراءهم كيسين من أكياس القهوة. وتسبب ذلك في إثارة ثقافة تختص بها المدينة وصلت إلى درجة أن اليونسكو أعلنت “ثقافة مقاهيها” من معالم التراث العالمي غير الملموسة.
إن قدحاً من القهوة يوفر لك وقتا كاملا للتأمل المتواصل، سواء في الصباح أو فترة بعد الظهيرة. وسترى عديداً من الناس وهم يجلسون إلى طاولة عملهم أو قراءتهم لساعات، وعليها قدح قهوة فارغ، دون أن يحدق فيهم عاملو المقهى بنظرات غريبة.
يمكنك أيضا أن تطلب كعكة “تارت زاخا” التقليدية، أو معجنات بطعم التفاح، مع خلطة القهوة التي تعرف باسم “وينر ميلانج”، وهي خلطة تختص بها فيينّا.
ويعد مطعم “شتايريرك” مكانا شائعا لتناول وجبة غداء نظراً لموقعه البهيّ ضمن متنزه المدينة وأكلاته النمساوية المميزة. لكن الحجز المسبق ضروري في هذا المكان.
ولتذوق أكلة “شنيتزل” النمساوية التقليدية، وهي في العادة عبارة عن قطعة لحم عجل مغطى بالبقسماط وتقلى حتى تصبح ذهبية اللون وتقدم مع بطاطا مشوية مع البقدونس أو سلطة البطاطا، فعليك أن تتوجه إلى مطعم “فيغلموللر”.
وعمر هذا المطعم أكثر من 100 عام، ويفخر بأن أكلاته الممتازة “تتجاوز حجم الطبق”، حيث يبلغ قطر طبق شنيتزل المقدم هنا 30 سنتيمترا.
أوقات الفراغ
يمكن قضاء أيام بكاملها لمشاهدة جميع القلاع والمتاحف الفنية المثبتة على قائمة المعالم التي تريد رؤيتها، لكن بعضاً من تلك التي يتوجب عليك مشاهدتها هي قصر هوفبورغ، وهو اليوم سكنى الرئيس النمساوي، وقصر شونبرون، وكان المقر الصيفي لقياصرة هابسبورغ.
يمكن للتجوال لمدة ساعة خلال استراحة الغداء أن يعطيك إنطباعاً جيداً عن روعة وسحر فيينّا. أما إذا كان جدول عملك مليئاً بالمواعيد، فإن باير ينصحك بالوصول إلى أماكن لقاءاتك بالطريقة التي يتبعها العديد من سكان فيينّا.
يقول باير: “لا تكاد ترى أية سيارة في ’الحي الأول‘. لكي ترى ’شتادرينغ‘، والمتاحف، ودار الأوبرا، ومبنى البلدية، ما عليك إلا أن تقود دراجة هوائية إلى أماكن لقاءاتك واجتماعاتك”.