شهر رمضان هو شهر كسر الروتين في كل شيء في العادات الشخصية والاجتماعية والاقتصادية.
كل شيء يتبدل في رمضان، من ساعات العمل إلى حجم الإنفاق وسوق الأسهم وحتى الانتاجية.
الدراسات التي تتناول هذه الزواية قليلة، وهي إن وجدت فغالبًا ما تكون محلية تتعلق بدول معينة وتأثيرها على جزء معين من السوق، رغم أن النقطة هذه مهمة للغاية وتحتاج إلى دراسات معمقة وجدية، خصوصًا وأن الدول العربية تحتاج إلى توصيات علمية مبنية على أرقام وحقائق ونسب يمكن البناء عليها. الدراسة الوحيدة الشاملة هي لجامعة هارفرد، واستمرت لأكثر من ٦ عقود وقد قام بها كل من فيليب كامبانتي وديفيد ياناجيزاوا دورت.
عدد ساعات الصوم عامل مؤثر
عند محاولة الحصول على أرقام دقيقة، تبيّن أن اختلاف عدد ساعات الصوم بين دولة وأخرى، وفي الدولة نفسها باختلاف الفصول، له تأثيره الكبير. وعليه تمت دراسة تأثير الصوم والموقع الجغرافي، فمثلاً تركيا تصوم ١٥ ساعة حين يكون رمضان خلال فصل الصيف وهذا العدد ينخفض إلى ٩ ساعات عندما يكون رمضان في فصل الشتاء. أما إندونيسيا فعدد ساعات الصوم هناك بشكل عام هو ١٢ ساعة بغض النظر عن الفصل. النتيجة هي واضحة ومباشرة كلما زاد عدد ساعات الصوم كل أثر ذلك سلبًا على الاقتصاد. النتائج كانت حاسمة، إذ إن التراجع في النمو الاقتصادي كان واضحًا، سواء حين تم قياس التأثير وفق الشخص العامل، أو بشكل مؤسساتي أو وفق إجمالي الناتج المحلي. كل ساعة إضافية من الصيام يوميًا تؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي بنسبة ٠،٧٪.
ولتأكيد هذا الأمر، تم القيام بمقارنة بين أطول فترة صيام بين ٢٩ دولة إسلامية والتي كانت في يونيو/ حزيران ١٩٨٤ وبين أقصر فترة صوم التي كانت في يناير/ كانون الثاني عام ١٩٩٧. وتبين أنه خلال فترة الصوم الطويلة كان إجمالي الناتج المحلي الفعلي أقل بكثير من المتوقع والعكس صحيح وإنما بشكل محدود، أي أنه كلما كانت ساعات الصيام أكثر فان الناتج كان وفق التوقعات، ولكنه لم يحقق زيادة ولا أرباح.
فلو افترضنا أن متوسط أيام العمل هو ٢١ يومًا بمتوسط ١٧٠٠ ساعة سنويًا، وبما أنه خلال رمضان يتم خفض ساعات العمل في الشركات الخاصة والرسمية، فإن ذلك يؤدي إلى خسارة ٤٢ ساعة عمل أي ٢،٥٪ من متوسط ساعات العمل سنويًا.
صحة العاملين النفسية والبدنية والإنتاجية
تمت دراسة تأثير رمضان على النساء والرجال بشكل منفصل، وتبيّن أنه يترك أثره الإيجابي على الصحة النفسية لهؤلاء. النساء بشكل عام هم أكثر سعادة من الرجال خلال شهر الصوم، ولكن النتيجة هذه حالها حال ما تحدثنا عنه أعلاه عدد ساعات الصوم كان من العوامل المؤثرة بشكل كبير. عندما كانت ساعات الصوم هي بين ١٢و ١٣ ساعة فان نسبة السعادة زادت ٤٪ عن باقي أشهر السنة ولكن عندما كانت ساعات الصوم هي الأدنى فإن نسبة السعادة قفزت إلى ٩٪.
في المقابل، الإنهاك البدني له تأثيره السلبي؛ إذ إن الإنتاجية تنخفض كما أن سير العمل يصبح أقل انسيابية، وكما أنه يتم عرقلة الكثير من المشاريع وذلك لأن القرارات الأساسية غالبًا ما يتم تأجيل كما أن المعاملات، وبسبب الداوئر الرسمية، يتأخر إنجازها.
التراجع في الإنتاجية وحين نضيف إليه تقليص ساعات العمل يؤديان إلى تقليص الناتج الاقتصادي بنسبة ٣٪ سنويًا. وبالتالي لرمضان دوره في زيادة الركود الاقتصادي السنوي.
تأثير رمضان على الرواتب وسوق العمل
رمضان أدى الى تراجع نمو العمالة سنويًا بمعدل ٢٪ . هذا التراجع يتوافق مع تراجع في طلب المؤسسات والقطاعات المختلفة ليد عاملة جديدة. ولكن تراجع التوظيف يترافق مع زيادة في الرواتب بنسبة ٤٪ عن الأشهر السابقة. ووفق الدراسة فإن سبب انخفاض الطلب على اليد العاملة في رمضان يرتبط بتراجع الإنتاجية ولكن في مجالات محددة.. أي الذين يعملون في مؤسسات تتراجع إنتاجيتهم بشكل كبير، ولكن الذين يعملون لحسابهم الشخصي غالبًا ما تزيد إنتاجيتهم.
تأثير رمضان على البورصة
رغم التراجع في المجالات الأخرى، ولكن متوسط عائدات سوق الأسهم يزيد بنسبة ٩ مرات، وذلك وفقًا لدراسة شملت ١٤ دولة إسلامية. الأسهم خلال شهر رمضان تسير وفق نمط متكرر، فهي تنخفض خلال الأيام الاولى لتعود وترتفع ثم تنخفض مجددًا قبل العيد أو بعده مباشرة.
زيادة في الإنفاق
الزيادة الكبيرة في الإنفاق من سمات شهر رمضان. فشهر الصوم هو شهر الاستهلاك أيضًا، ووفق بعض الدراسات، فإن الأسر العربية تنفق ميزانية ٩٠ يومًا خلال ٣٠ يومًا، إذ إن حجم الإنفاق على الغذاء يزيد بنسبة ٥٠٪ عن كل الأشهر الأخرى.
ورغم محاولة الحكومات تنظيم الأسعار لحماية المستهلك، ولكن ارتفاع الأسعار مستمر، وبالتالي فإن الأرباح التي يتم تحقيقها كبيرة جدًا.
كما أن عدد زبائن المقاهي والمطاعم والسوبر ماركت يتضاعف خلال شهر رمضان. ويضاف إلى ذلك الزكاة القائمة على التبرع بنسبة ٢،٥٪ من الأموال. بعض الدول قامت بإنشاء مؤسسات لهذا الغرض، مثل ليبيا وماليزيا وباكستان والمملكة العربية السعودية والسودان واليمن، ولكن في دول أخرى، هناك أنظمة طوعية مثل مصر وإندونيسا وإيران ولبنان والإمارات. الزكاة تؤثر وبشكل إيجابي على الاقتصاد، فعلى سبيل المثال، بيت الزكاة في الكويت سجل عائدات بلغت أكثر من ٥٧٥ مليون دولار منذ تأسيسه.