يصعب على الفرد حقاً استقبال الانتقاد الموجه إليه داخل العمل، ولكن الصعوبة لا تكمن في تلقيك النقد الشخصي فحسب، إنما تتضاعف تلك الصعوبة في حالة مواجهتك كثيراً من الانتقادات. إلا أن تلك الصعوبات التي تتزامن مع فعل الانتقاد تتلاشى تدريجياً في حالة حرصك على إدارة عملية المواجهة مع منتقدك بكياسة وفطنة أولاً، ثم إتباعك لعدد من السلوكيات الإيجابية التي تؤهلك لتقبل الانتقاد. وأخيراً، مواظبتك الفعلية على عملية التقييم الذاتي المنتظم.
إذا تمكنت من جعل هذه الأمور نهجاً سلوكياً تتبعه في حالة انتقادك، تأكد أنك ستنجح في تحويل هذا الانتقاد إلى مصدر قوة وطريق ممهد لتحقيق النجاحات في مكان عملك.
النهج السلوكي الأول المرجو إتباعه:
إدارة عملية المواجهة مع منتقدك:
1) حاول مجتهداً في التغلب على ردود فعلك العاطفية: استقبالك للانتقاد قد يصيبك بالإزعاج والضيق وإذا تغلب عليك ذلك الشعور فاحرص وقتها على عدم الرد بإجابة، بل خذ وقتك لتفهم الأجواء المحيطة بذلك الانتقاد واستجمع نفسك وفكرك قبل الإدلاء بأي إجابات. أما إذا كنت من المتوقع منهم الرد في الحال وتسود حولك هالة الضيق والانزعاج فعليك أن تحاول قول ” ربما أحتاج بعض الوقت لإعداد ما سأقوله بهذا الشأن، وأعدك أن أعود إليك بما لدي من قول في أقرب وقت؟”.
ونصيحة على عجل، إذا كنت من الأفراد التي تثار أعصابهم وتشاط غضباً أثناء المواجهات، فليس هناك أي ما يمنعك لسؤال منتقدك بأن يرسل انتقاداته الموجهة لك في رسالة بريدية، أو تقرير “طلب مراجعة”، والذي بدوره يمكنك كمتلقي للنقد من إدارة المعلومات الواردة بطرق أكثر فعالية ويعينك على استيعاب كيفية التواصل مع مديرك أو من ينتقدك.
2) استمع بعناية لما يقال لك: أي نوع من الانتقاد صعب استيعابه وتقبله، ولكن من الضروري أن تحرص على الاستماع لكل قول بتفاصيله تم توجيهه إليك، والتي تمكنك من فهم المشاكل التي تقابلها مع عملك وكيفية تطويعها وتطويرها لصالحك المهني.
3) لا تكن دفاعياً: حتى إذا كنت معترضاً وغير موافق على ما قيل بحقك سيظل من المهم أن تضع اعتباراً لوجهات النظر الأخرى والرؤى المختلفة عن منظورك لاسيما إذا كان عملك على صلة وثيقة بالمجالات الموضوعية كالفنون والسياسة.
4) دون الملاحظات: صحيح أن استقبال الانتقاد أمر غير هيّن، ولكن تلقي نفس الانتقاد مرتين متتاليتين هو الأصعب، لذلك ينبغي عليك أن تتأكد من تدوين ملاحظات كل ما تم قوله إليك ببالغ التأني، لتكون مرجعاً لك. على سبيل المثال، إذا وجه رئيسك بالعمل انتقاداً يتعلق تحديداً بطريقة تقديم مشروعك وأسلوب بناءك للنتائج التي توصلت إليها فعليك أن تتأكد من تدوين تلك الملحوظات حتى تستطيع أن تتغلب على عدم وقوع نفس المشكلة في المرة المقبلة.
5) اطرح التساؤلات: كن متأكدا أنك على استيعاب تام لما سيتتبعه الانتقاد، فإذا لم تدرك خطئك الذي ارتكبته لن تتمكن من تحسين الموقف وتجنب تكراره، لذا توخي الحذر وسارع بطلب التوضيح من خلال طرحك لأي أسئلة لديك، كما أن اهتمامك بالتساؤل يظهر مدى رغبتك في تطوير قدراتك الوظيفية و تنفيذ المهمة بشكل سليم المرة المقبلة. لذا اعتني بطرح الأسئلة في اتجاهات محددة وإيجابية قدر المستطاع، ولا تخشى السؤال بغرض عرض مقترحاتك فيمكنك أن تسأل ” كيف أؤدي تلك المهمة بشكل أفضل المرات القادمة؟”.
6) قل “شكرا لك” في نهاية الحوار: كما هو من العسير عليك أن تتعامل برضا تجاه الانتقاد الموجه إليك، لكن يظل أمراً مهما أن تكون لطيفاً و خلوقاً، وتقدر الناس بتقديم الشكر إليهم في الوقت الذي يمنحوك مساعدتهم لتطوير مهارتك بالعمل، حتى إذا لم تكن تشعر بعرفان الشكر حيالهم وقتها، ولكنك ستكون سعيداً عندما تتفوه بتلك الكلمات، بل وستلاحظ من بعدها أن مستوي كفاءتك في ازدياد.
7) ابدأ بمراجعة نفسك في الحال: لا تضيع الوقت في الضيق والانزعاج بسبب الانتقادات التي تقابلك من رؤسائك بالعمل، بدلا من أن تستثمر الوقت في اختيار الطريق الأفضل في تنفيذ مهامك الوظيفية، ابذل أقصى جهد لدمج تلك الانتقادات في ثنايا محاسبتك لنفسك ومراجعة أداءك بالعمل، وبهذه الطريقة لن تنسى مطلقاً ما نُصحت به.
8) استعن بمراجعات غير رسمية بشأن مساعيك في التطور: تستطيع في مرة من المرات وعند إتمام مراجعتك الشخصية لأدائك الوظيفي، أو عند بذلك قصارى جهدك لدمج التعليقات تجاه دورك بالمهمة، أن تطرح سؤالاً على رئيسك أو مديرك بالعمل بأن يلقي نظرة سريعة على نتاجك للتأكد من أنك تعاملت بشكل صحيح مع النقد. هذا السلوك لا يظهر فقط مدى احترامك وشغفك للتحسن، ولكن أيضاً يمنحك وقتاً لإصلاح وتطوير مهاراتك بدون أن تخيم عليك الأجواء المحيطة بالضغوط المصاحبة على أدائك رسمياً، أو بتوابع المواجهات مع منتقدي أدائك.
النهج السلوكي الثاني المرجو إتباعه:
إتباع السلوكيات الإيجابية لتقبل الانتقاد
افترض حسناً بأن الناس تحاول مساعدتك: الانتقاد من السهل أن تستوعبه إذا افترضت أن الأناس الذين يعرضون عليك منظورهم حيال أدائك يسعون فقط لمساعدتك وأن تمضي قدماً في موقعك الوظيفي، حيث أنك إذا افترضت العكس وأن هؤلاء يحاولون إخماد عزيمتك ويعملون على تعزيز مشاعر سلبية بداخلك فإنك حتما ستتبع ردود فعل سلبية ستدر عليك وعليهم بعدم النفع.
لذا نصيحة على عجل، ينبغي عليك التركيز على جوانب النقد كافة والتي من شأنها أن تفيدك وتعلمك الكثير وتجعلك أكثر نضوجاً. كما لا تعتد بتفاصيل ذكرها منتقدوك وهي غير مهمة على الإطلاق.
تمنى وبقوة التقدم والتحسن: إن تعلم وإتقان علوم الأدب أو نواحي التجارة هي عمليات حياتية ضرورية، ويعد ذلك متاحاً دوماً لأي شخص يرغب في أن يطور من أدائه المهني لذلك ينبغي عليك أن تعتنق محتوى الانتقاد المرسل إليك وأن تعتبره جزءاً من طريق النجاح.
كن منفتحاً لاستقبال أفكار وأساليب جديدة في تنفيذ المهام: قد تكون على صواب حيال النتائج التي توصلت إليها ولكن الطريقة المتبعة للتنفيذ كانت خاطئة، وغالباً الأشخاص المختلفون يفضلون الأساليب المغايرة أيضاً في إتمام المهام ومن هنا ندرك أنه قد يكون هناك أكثر من طريقة لإنجاز المهمة، لذا من الأفضل لك أن تكون منفتحاً ومستعداً لإتباع أساليب بديلة لتحقيق الإنجازات المرجوة، وهي الطريقة المثلى للتعلم.
اسأل عن ما قد يثير النقد تجاهك: من المنطقية أن تكره النقد ولكن عندما تسأل عنه ستختلف حينها نظرتك للانتقاد، وذلك عندما تضع نفسك في بؤرة الاهتمام فبدلا من أن يأتي إليك الناس ليخبروك بأخطائك، فالأفضل أن تبادر وأن تسبق خطوتهم وتسألهم أولاً.
وفي نصيحة على عجل، اهتم بصيغ استفهامية من نوع:” كيف أتمكن من تنفيذ تلك الخطوة بشكل أفضل؟”،” ماذا ينبغي علي أن أفعل لأبلي أداءً حسنا؟”،” هل هناك أي أمر يساعدني على تطوير أدائي؟”. هذه النوعية من التساؤلات من شأنها أن تدفع بالشخص إلى ارتفاع معدل سرعة تطور أدائه، كما أنها أحد أبرز الأسباب التي تتسبب في ترقيتك وظيفياً وعلو مرتبك، فضلا عن توليك مسئولية مهام أكثر.
النهج السلوكي الأخير المرجو إتباعه:
منع النقد الزائد بالتقييم الذاتي المنتظم
تعلم من أخطائك: إذا كنت ممن يكررون الخطأ نفسه فإن النقد لن يترك لك سبيلا إلا وتلاقيه، لذلك من الأفضل أن ترتكب أخطاءً جديدة لتنال منها تحسن آخر في أدائك، بدلا من أن يظل نموك وارتقائك الشخصي المهني متجمداً نظراً لعدم معالجتك للمشاكل القديمة.
نصيحة على عجل، لتجنب تكرار نفس الأخطاء احرص على خوض مهمة جديدة مع وضع النقد القديم في الاعتبار.
افحص مهامك بدقة: جميعنا نتعرض للتعب والإجهاد وقلة التركيز خاصة بعد يوم عمل طويل أو بحلول نهاية الأسبوع، وهو الأمر الذي يتسبب في وقوع البعض في أخطاء سخيفة وساذجة أحياناً، وهو ما يتطلب منك مضاعفة فحصك لدورك بالمهام الموكلة إليك قبل عملية تسليم عملك. وإذا كنت قلقاً من ارتكاب خطأً ما، استعن بزملائك في العمل لمشاركتك عملية التدقيق.
قيم أدائك الشخصي: لا تنتظر حتى يقبل عليك الآخرين لإخبارك بالمشكلات أو الأخطاء التي وقعت بها، بل خصص وقت بشكل منتظم لتقييم عملك وأداءك، احرص على أن تكون ناقد لاذع لأدائك لما له من أثر جيد فيما بعد، فإذا أصلحت من المشكلة قبل حدوثها لن تواجه نقد الآخرين إليك .
اسع لحل النزاعات بداخلك: إذا لاحظت مدى صعوبة تقبلك للنقد من شخص ما، تستطيع أن تتحدث إليه/ها بخصوص ذلك بلطف وأدب، وأن تشرح وجهة نظرك وما ترسبه انتقاداتهم بداخلك من مشاعر.
تقرير بالمشكلات: إذا حاولت مراراً وتكراراً أن تفسح لمجالك العقلي وأن تكون أكثر تكيفاً للمستقبلات الحياتية التي تقابلك ولكنك لازلت تشعر تجاه الانتقاد بأنك مضطهد وقد مورس ضدك ظلم، فقد تحتاج إلى إرسال تقرير بالمشكلات المذكورة حيالك لشخص يعلوك منصباً مع تجنب صوت الشكوى من الأمور المحيطة بك قدر المستطاع، وأن تحاول بالمقابل الإبقاء على مواقفك الحرفية والموضوعية بالإضافة إلى انتهاجك أسلوب المبادرة والاستعداد الدائمين.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-qcO