ابتسم أنت في آخر نقطة في قارة أفريقيا, هنا رأس الرجاء الصالح, هنا عاصمة الجمال, وموطن الجبال الخضراء, وملتقى البحرين (المحيط الهندي والأطلسي) مدينة كيب تاون.
حول جبل المنضدة، الذي اختير كإحدى عجائب الدنيا السبع, وعند ملتقى أكبر المحيطات في العالم تقف كيب تاون شامخة زاهية، وما أدراك ما كيب تاون، إنها جنة الله في أرضه بجبالها الشماء وسهولها الخضراء ومبانيها العتيقة وشوارعها النظيفة وطبيعتها الساحرة.
وتعد كيب تاون من أقدم المدن في جمهورية جنوب افريقيا وثاني أكبر مدنها من حيث المساحة والسكان البالغ تعدادهم أربعة مليون نسمة، وهي بذلك من أكثر المدن التي تتمتع بتنوع ثقافاتها وعرقياتها حيث يوجد فيها نسبة كبيرة من الملونين وذوي الأصول الماليزية (المالاي) بالإضافة للأوروبيين الذين يشكلون 14% من سكانها والأفارقة 38 %. وهناك عرقيات أخرى متعددة بنسب أقل كالهنود والعرب وغيرهم, بينما يتجسد هناك مزيج فريد من التعايش والتنوع الثقافي والحضاري قلما تجد مثيلا له في بلد آخر.
في كيب تاون، يمتاز سكان المدينة بالتسامح وحب الزائرين والسائحين, فالجميع يعيش في ألفة وسلام. وتعتبر المدينة مجازا العاصمة السياحية لجنوب أفريقيا حيث يفد إليها حوالي أربعة ملايين سائح سنويا من كل أنحاء العالم, ليستمتعوا بمشاهدة مئات المحميات الطبيعية والمتنزهات والشواطئ الساحرة.
ويشد انتباهك من الوهلة الأولى تنوع الطبيعة والمعالم وكذلك تنوع العرقيات وتعدد الثقافات, فهناك حي البوكاب الشهير بألوانه الزاهية يقف عند سفح جبل المنضدة مطلا على المدينة والمحيط, بازرا كمعلم سياحي، وشاهدا على حقبة التمييز العنصري البائدة.
وتقطن الحي أقلية مسلمة من عرقية المالاي ذوي الأصول الماليزية الذين حُدِّدت إقامتهم في هذا المكان إبان حقبة (الأبارتيد) أو سياسة التمييز العنصري. واليوم يختلط البوكاب بأرقى المباني الشاهقة في مدينة كيب تاون, ولا تزال أصوات الأذان تنطلق من مسجد الحي أو المسجد الأول كما يسمونه كناية عن كونه أول مسجد بُني في جنوب أفريقيا عام 1794.
في حديقة كريستيان بوش، تجد آلاف النباتات الفريدة والأشجار النادرة، وسيجذبك تنوع ألوان الزهور كما تتنوع ألوان السكان وتتعدد ثقافاتهم, الجميع يفهم لغة واحدة هي لغة التعايش والاحترام المتبادل. هنا لا فرق بين أبيض ولا أسود, ولا يهم إن كنت من أصول ماليزية أو هندية أو أن تكون ضيفا زائرا من بلد عربي, فالحقوق محفوظة بنص الدستور والماركة مسجلة باسم نيلسون مانديلا الذي لا يبعد سجنه في جزيرة روبن آيلاند الشهيرة عن كيب تاون سوى ستة كيلومترات.
اختيرت كيب تاون أجمل مدينة في العالم في إحصاء صحيفة تلغراف الشهيرة عام 2014، وكذلك في مجلة بزفييد وموقع تريب أدفايز، وغيرها من الدوريات والمواقع السياحية. كذلك تمتلك المدينة شبكة طرق بمواصفات عالمية هي الأولى في أفريقيا, وتنقلك من أقصى المدينة إلى أقصاها في مدة لا تتجاوز أربعين دقيقة، وتمر أثناء ترحالك فيها على تنوع معماري فريد حيث المباني التي شيدت على الطراز اليوناني والهولندي والبريطاني والألماني، ومبان فوق رؤوس الجبال وحول المحيط بجانب أحياء الأفارقة المعروفة باسم (اللوكيشن).
كل هذا التنوع سواء السكاني والطبيعي جعل من كيب تاون قبلة للسياحة العالمية والمحلية، بل ويرتادها صناع السينما في العالم لتصوير أفلامهم وسط هذه المناظر الطبيعية الخلابة، وفي هذا الجو المفعم بالألفة والتنوع الثقافي الجاذب للاستثمار والسياحة.
ديفيد ماسنيغا (54 عاما) واحد من قاطني كيب تاون وصفها بأنها هي الأجمل على كوكب الأرض “لا لجمال طبيعتها فحسب وإنما لأن سكانها كرماء ومرهفو الحس ويتعايشون باحترام برغم تعدد أعراقهم”.
وقال الرجل للجزيرة نت عن حقبة الأبارتيد بأنها “كانت سياسة للتفرقة العنصرية مارسها البيض الأوروبيون واتسمت بالظلم حيث عانينا منها كثيرا. لكننا الآن في عهد جديد وقد سامحناهم، وهاهم البيض يعيشون بيننا في سلام كغيرهم ويشارك الجميع في الحكومة والبرلمان لأنها بلدنا جميعا”.
في كيب تاون فقط, يمكنك أن تطعم الدلافين وأسد البحر والفقمات المائية، ويمكنك أيضا الاستمتاع بمشاهدة القرش الأبيض والحيتان العملاقة بينما ترتشف كوبا من الشاي في أحد المقاهي المائية, أو يمكنك الخروج في نزهة بحرية بصحبة طيور البطريق التي لا توجد إلا في القطب الشمالي, وفي محمية البطريق الطبيعية بكيب تاون.
وقد تسوقك قدماك حتى رأس الرجاء الصالح حيث آخر بقعة على اليابسة في جنوب القارة الأفريقية لتشاهد نقطة تقابل المحيطين الهندي والأطلسي, فتجد أحدهما مياهه باردة والآخر مياهه دافئة وبينهما برزخ لا يبغيان.
وعلى رمال الشاطئ -أو في مرافئ صيد الأسماك- ستجد الأفريقي بجوار الأوروبي والهندي والملون كل منهم يمسك بصنارته ممارسا لهواية صيد الأسماك, غير عابئ بالألم الماضي ومرارة التفرقة العنصرية. وقد يقطع صمتك وأنت في السيارة مشهد رجل المرور يتأكد من سلامة مرور ماراثون للدراجات أو الجري أو السير يشارك فيه محبو الرياضة من جميع الأجناس والأعراق حتى السائحين.
جبل (التيبل ماونتين) -أو المنضدة- سُمي كذلك نظرا لأنه يشبه المنضدة العملاقة ويرى من كافة أرجاء المدينة لضخامة حجمه وارتفاعه الشاهق الذي يبلغ ألف متر فوق سطح البحر, ويتسلقه الكثير من السكان المحليين والزائرين.