بقلم :محمد مناور العبادي
—————————-
كيف تتقدم دولة ما فقيرة بمواردها الاقتصادية وثرواتهاالطبيعية على دولةاخرى غنية بها ؟ وكيف يرتفع دخل المواطن من اقل من مائة دولارشهريا الى عشرين الف دولار، دون اكتشافات نفطية اوطبيعية ؟ ولماذا تتقدم دولة وتتخلف اخرى، رغم ان ظروف الدولتين متشابهتين؟ ولماذا تكون التحديات السياسيه والعسكريه والأمنيه عاملا في تقدم دولة ما ، في حين تكون عاملا في تخلف اخرى ؟
للاجابة على هذه الاسئلة، لابد من دراسة تجربة كوريا الجنوبية، مثلا، التي تؤكد ان ثراء امة ما …لاعلاقة له بمواردها الاقتصاديه والطبيعية والتحديات السياسية التي تواجهها . بل ان الانسان هو راس المال الحقيقي لاية دولة وهو وحده القادر على بنائها ، وان يكون بديلا للنفط والغاز والثروات الطبيعية الاخرى كما هو الحال في كوريا الجنوبية ، حيث راسمالها الحقيقي والوحيد هو الانسان الحر المتعلم المنتمي القادر على استخدام عقله لبناء وطنه وتنمية اقتصاده في دولة يسودها العدل وتكافؤ الفرص والمساواة والحرية .
كوريا الجنوبية لاتمتلك أي نوع من الثروات الطبيعية، وتواجه تحديات كبرى، حيث تجاورها كورياالشمالية، التي تهدد ليل نهار بقصف جارتها الجنوبية بالقنابل النووية، بل وبتدمير قصر الرئاسة في سيئول، ومسح العاصمة عن الوجود . الا ان هذه التهديدات لم تزد كوريا الجنوبية شعبا ونظاما وجيشا الا مزيدا من الصلابة والعمل لتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية.
خرجت كورياالجنوبية من عهد الاستعمار الياباني والحرب الكورية، بعد ان دمرت تماما ، وكانت رائحة الموت واثاره في كل مكان ومنزل وشجرة وجبل ووادي .
وزاد الطين بله، ان كوريا الجنوبية لم تكد تخرج من الحرب وويلاتها، حتى حكمها نظام سياسي بالحديد والنار، وانتشر الفساد ، والظلم ،والبؤس، والتفرقة، والاضطهاد، والاستبداد والفقر،والمحسوبية، والواسطة . وكانت هذه الامراض في كل زاوية من زوايا الادارات الحكومية . واصبح كل هذا الشر، عنوانا للحياة السياسيه والاقتصاديه عام1960 . وكان الدخل الفردي للكوري الجنوبي، اقل منه للاردني في نفس العام، وكانت كوريا اكثر فقرا من الاردن في ذلك الوقت .
ولم يسكت الشعب الكوري الجنوبي، فاعلن في نيسان 1960 ثورة قادها الحزب الديمقراطي الجديد، الذي كاد ان يستولي على السلطة ، الا ان الجيش الكوري الجنوبي، خشي ان تتحول البلاد الى الفوضى، وان تستغل كوريا الشمالية الوضع لصالحها، فقام بانقلاب عسكري حضاري يعتبر الاول من نوعه ، حيث اعتبره المؤرخون بداية انطلاقة كوريا الجنوبية ، وخلاصها من الفقروالظلم والاستبداد والتخلف .وتولى الجنرال العادل بارك شونج الذي استولى على السلطة في 16 ايار عام 1961، الحكم ،وامسك بكل السلطات بيده، لانقاذ البلاد ، اذ اعلن عن خطته لبناء كوريا الجنوبية ، تحت شعار (تحديث كوريا)، فأطلق حملة شاملة للتنمية الاقتصادية والتعليمية والأجتماعية، في البلاد، احتضنها الشعب.الكوري الجنوبي ،ووقف خلف زعيمه العسكري .
ماكان الشعب الكوري يقف وراء قائده، لولم يبدأ الجنرال خطوات عملية لانقاذ البلاد ، فحارب الفساد بقسوة لانظير لها، مبتدئا بكبار المسؤوليين، وطهر البلاد من الفاسدين، مستخدما صلاحياته، بعد ان جمد الدستور، حتى يمكنه ان يحقق خطة تحديث كوريا الجنوبيه ، فكان له مااراد . فانهى الفساد والفاسدين، ووضع اللبنات الاولى في بناء كوريا الحديثه .
وحين عادت البلاد الى الحكم المدني، واصلت كوريا الجنوبية، سيرهاعلى سياسة الجنرال بارك، فأولت التعليم جل اهتمامها، وشهدت البلاد ثورة تعليمية مازالت مستمرة حتى اليوم، جعلتها تتبوأ المركزالأول في العالم في مؤشر منحنى التعليم للعام الماضي .
وهكذا اصبح التعليم في كوريا الجنوبية، نظاما تربويا وطنيا، يؤهل الطلبة للحياة العملية فورتخرجهم، وارسى قيم الحق، والمواطنة، والحرية، والعدالة، بين ابناء الوطن ،حتى اصبح الشعب الكوري الجنوبي، يرى في الحكم عونا له، وليس عليه، فأصبح الشعب شريكا في الحكم، يبادر الى انقاذ البلاد من ماله الخاص، اذا تأزم الوضع المالي ، كما فعل حين نشبت الازمة المالية العالمية عام 1997 ،حين ازدادت الديون الخارجية من 89 مليون دولار امريكي عام 1994 الى 4.4 مليار دولار فى تشرين الثاني1994 وازداد معدل البطالة من 2.7% الى 8.7% فى اوائل عام 1997 وادى انخفاض قيمة اليوون الكورى، بشكل حاد الى ارتفاع اسعار السلع المستوردة وانخفاض الطلب المحلى بشكل ملحوظ. الامر الذى ادى الى افلاس كثير من الشركات .
وهب الشعب الكوري الجنوبي، لانقاذ الوطن، لانه يثق بحكومته، وقيادته التي خلصته من الفساد ، وفرضت المساواه بين الجميع ، فتبرعت نساء كورياالجنوبية بمصاغهن ـومجوهراتهن، وتبرع الاثرياء باموالهم ، وبدون مقابل، لسداد د الديون الخارجية ،مماادى الى زيادة احتياطات الذهب فى البلاد, وانقلت العجز الى فائض مالي .بعد سنة من تبرعات الكوريات والكوريين من جيوبهم لانقاذ اقتصاد البلاد ، حيث رافق ذلك اتخاذ الحكومة اجراءات تقشفية مشددة.حين حاربت الحكومة الفساد ، واطمأن الشعب الكوري الجنوبي الى ان امواله مصانة ، نبرع بممتلكاته الخاصه لانقاذ الوطن فتحول العجز المالي الى فائض ، في تجربة تاريخية لم ولن تتكررفي العالم ، ولن يقوم بها احد غير الشعب الكوري الجنوبي العظيم.
وهكذا انطلق المارد الكوري الجنوبي بعد ان تعافى وشهدت البلاد نموا متسارعا في قطاعات الانتاج والاستثمار. و الواردات والصادرات والقوى الشرائية المحلية وانخفض معدل البطالة.بحيث حققت كوريا الجنوبية فائضا تجاريا 14.9 ملياردولار عام 2003 و 29.7 مليار دولار عام 2004 و23.5 مليار دولار عام 2005.
هذه تجربة كوريا الجنوبية برسم التطبيق في اية دولة تريد قيادتها فعلا لاقولا الخير لشعبها، فلماذا لايطبقها الاردن ؟؟
.——————————————–
- صحفي وباحث
المصدر : https://wp.me/p70vFa-55Q