كل الدراسات المتخصصة عن سوق العمل الأردنية -محلية ودولية- تصل إلى النتيجة المقلقة ذاتها، وهي أن النسبة الأكبر من الشباب، لاسيما العاطلين منهم عن العمل، ليسوا مهتمين ببرامج التدريب المهني والتقني التي تقدمها الحكومة والقطاع الخاص. ومن هنا تبدأ الفجوة التي تتعمق لاحقا بوصفها أزمة. فما السبيل إلى تسهيل انخراط هؤلاء الشباب في البرامج التي تساعدهم في خطواتهم الأولى نحو المستقبل؟ وأين تكمن الإشكالية؟
في الدراسة التي أعدها مؤخرا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ثمة ما يقلق أيضا. إذ كشفت الدراسة عن أن 43 % من الشباب العاطلين عن العمل لا يوجد بينهم من يبحث عن عمل بشكل نشط. وإذا بحثنا في التفاصيل، نجد أن الشركات والمنشآت الاقتصادية المنتشرة بشكل عشوائي في الأطراف، لا تضم عمالا مدربين بين صفوفها إلا بنسب قليلة؛ فواحدة من بين كل سبع شركات يعمل فيها عمال مدربون ضمن المحافظات.
برامج التدريب، إذن، شكلية، ولا تؤدي الى النتيجة المرجوة؛ وهي تدريب العمالة وتأهيلها بغية تمكينها في سوق العمل. وكثيرة هي الحكومات التي أطلقت برامج للتدريب، وسعت إلى جذب العمالة المحلية واخراج الشباب من براثن البطالة ومشاكلها. لكن بعض هذه البرامج كان دعائيا، في حين لم تؤت برامج أخرى أكلها إلا بحدود ضيقة.
ولنا تخيل ما الذي يعنيه أن يكون نحو نصف العاطلين عن العمل غير آبهين بالبرامج المعلنة من جانب القطاعين العام والخاص، أو ربما لا يعلمون عنها. وعلى الجانب الآخر، يبرز الأجر بوصفه العقدة الأساسية بالنسبة للشباب الذين يحاولون السير باتجاه مستقبل يلفه الغموض. فذات الدراسة الأممية تؤكد أن أكثر من نصف الشباب العاملين يتقاضون رواتب شهرية لا تتجاوز الحد الأدنى للأجور، وهو 190 دينارا، علاوة على أن الشركات والمصانع والمنشآت الاقتصادية عموما ليست في حاجة إلى ساعات العمل الإضافي، ما ينعكس سلبا على الشباب الذين تلقوا للتو تدريبا مهنيا وتقنيا يؤهلهم لدخول سوق العمل.
قبل نحو عقدين، قال مسؤول أميركي إنه لا يوجد في الأردن عمالة مؤهلة بالمعنى الاحترافي، وعلى نطاق واسع. وقد هوجم هذا المسؤول إعلاميا آنذاك. لكن الحقيقة المرة تطالعنا اليوم. فالنصف الذي لا يبحث عن العمل بين صفوف العاطلين عن العمل، يعبر عن حالة من الارتخاء يكون فيها المرء عالة على غيره. وفي المقابل، تواصل الحكومات ومعها جزء كبير من القطاع الخاص جولات العلاقات العامة على الأغلب، بشأن الحديث عن برامج للتدريب والتأهيل. والنتيجة في نهاية العام هي المزيد من العاطلين عن العمل، والمزيد ممن لم يسمعوا شيئا عن تلك البرامج ولم ينخرطوا فيها.
شباب عجلون من العاطلين عن العمل تصدروا القائمة على مستوى المملكة. وهو أمر مؤسف لهذه المحافظة التي تضم بعضا من كنوز بلادنا، بينما نسبة الفقر فيها ترتفع إلى 26 % مقارنة بنسبة 14 % على مستوى الأردن. وحتى السياحة في هذه المدينة الثكلى بفشل التخطيط الحكومي وغير الحكومي ليست ذات شأن، فمقابل 278 ألف سائح سنويا يزورون عجلون للاستمتاع بجبالها وهوائها العليل والوقوف أمام قلعتها الشامخة، يبلغ عدد العاملين في المنشآت السياحية 39 عاملا فقط.
هناك مشكلات حقيقية في خريطة الاستثمارات، وفي التأهيل والتدريب واقتناص الفرص. لكن المشكلة الأكثر تعقيدا تكمن في الكسل والاسترخاء الذي يلف الشركات والأفراد والحكومات، حتى تحولت كنوزنا من حولنا إلى مجرد خواء.