ارتفعت القروض العقارية للبنوك السعودية إلى مستوى قياسي بلغ 846.48 مليار ريال (225.73 مليار دولار) في الربع الثالث من 2024، مسجلة زيادة سنوية بنسبة 13.29 بالمئة، بحسب بيانات رسمية.
وأشارت بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) إلى أن هذا النمو جاء مدفوعاً بإقراض الأفراد والشركات، حيث شهدت قروض الشركات زيادة بنسبة 22% لتصل إلى 189.6 مليار ريال.
واستحوذت القروض للأفراد على النصيب الأكبر، حيث بلغت نحو 78% من الإجمالي، بقيمة 656.88 مليار ريال، بمعدل نمو سنوي بلغ 11.02%.
وتشكل القروض العقارية نحو 29.67% من إجمالي محفظة قروض البنوك السعودية، والتي بلغت 2.85 تريليون ريال بنهاية الربع الثالث.
ويدعم التوسع غير المسبوق الذي يشهده القطاع المبادرات التي تدعمها الحكومة في إطار رؤية 2030، والتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتلبية الطلب المتزايد على الإسكان في المملكة.
وقد حدث إنجاز تنظيمي محوري في عام 2018، عندما قرر البنك المركزي السعودي زيادة الحد الأقصى لنسبة القرض إلى القيمة لمشتري المنازل لأول مرة من 85% إلى 90%.
وتهدف هذه الخطوة الاستراتيجية إلى تحفيز الإقراض العقاري، مما يجعل امتلاك المساكن أكثر سهولة بالنسبة للمواطنين السعوديين، في حين يتماشى مع خطط الإصلاح الاقتصادي الأوسع في المملكة.
ومن خلال تمكين المزيد من المواطنين من تأمين التمويل اللازم لمنازلهم الأولى، دعمت المبادرة بشكل مباشر استراتيجية الإسكان الوطنية، التي تهدف إلى تعزيز معدلات امتلاك المساكن وتوسيع خيارات الإسكان في جميع أنحاء البلاد.
وأكدت مؤسسة النقد العربي السعودي على أهمية الحفاظ على الاستقرار المالي، والتأكد من أن هذا التحول في السياسة لن يؤثر على مرونة القطاع المصرفي أو يؤدي إلى ممارسات إقراض غير مستدامة.
ومن العوامل الأخرى التي تدعم نمو القطاع العقاري تخفيف القيود النقدية في الآونة الأخيرة. فبعد عامين من رفع أسعار الفائدة بقوة لكبح جماح التضخم، خفضت مؤسسة النقد العربي السعودي أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر/أيلول و25 نقطة أساس أخرى في نوفمبر/تشرين الثاني، في انعكاس للسياسة النقدية التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
وقد أدت هذه التخفيضات إلى جعل الاقتراض أرخص، مما حفز الطلب على قروض العقارات.
ولكن هذه الزيادة في الطلب لها تأثير مزدوج. ففي حين تعمل على تعزيز الإقبال على الائتمان، فإنها تمارس أيضاً ضغوطاً تصاعدية على أسعار المساكن، الأمر الذي يساهم في التضخم.
بلغ معدل التضخم السنوي في السعودية 1.9 بالمئة في أكتوبر/تشرين الأول، مدفوعا في المقام الأول بارتفاع تكاليف السكن، وفقا للهيئة العامة للإحصاء.
ورغم هذا الارتفاع، يظل معدل التضخم في المملكة من بين الأدنى في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يؤكد فعالية استراتيجياتها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وقدرتها على الصمود في مواجهة الضغوط التضخمية العالمية.
ارتفاع قروض الرهن العقاري الجديدة إلى أعلى مستوى في 21 شهرًا
أصدرت البنوك السعودية 8.14 مليار ريال قروضاً عقارية سكنية جديدة في أكتوبر/تشرين الأول، وهو أعلى رقم شهري في 21 شهراً، وبزيادة 20.33% عن أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وقد برزت العاصمة الرياض كمركز لهذه الطفرة، مدفوعة بالنمو القوي في عدد السكان والعمالة، مما أدى إلى تكثيف الطلب على السكن، في حين تكافح العقارات الجديدة لمواكبة هذا الطلب.
ومن إجمالي القروض السكنية في أكتوبر، اتجه نحو شراء المساكن بنحو 4.83 مليار ريال، أي ما نسبته 59.3%، فيما خصصت نسبة 35% للشقق، و5.6% للأراضي.
وشهد تمويل الشقق أعلى معدل نمو سنوي، حيث ارتفع بنسبة 47% على أساس سنوي إلى 2.86 مليار ريال، يليه تمويل الأراضي بنسبة 24.8%، ثم قروض الإسكان بنسبة 8.37%.
وفي الربع الثالث من عام 2024، بلغت قيمة القروض السكنية الجديدة 20.49 مليار ريال، بزيادة قدرها 11.34% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وجاء هذا النمو مدفوعًا إلى حد كبير بالطلب على الشقق، حيث ارتفع الإقراض في هذا القطاع بنسبة 58.76% على أساس سنوي إلى 7.25 مليار ريال.
وبينما ارتفعت القروض المخصصة للأراضي بنسبة 19.16% إلى 1.19 مليار ريال خلال الربع، انخفضت القروض المخصصة للمساكن بنسبة 6.13% إلى 12.06 مليار ريال.
يسلط الاهتمام المتزايد بتمويل الشقق الضوء على التحول في سوق الإسكان في المملكة العربية السعودية، مما يعكس التركيبة السكانية المتطورة وتفضيلات نمط الحياة. تجذب الشقق المغتربين والأسر الصغيرة في حين تعالج أيضًا مخاوف القدرة على تحمل التكاليف.
وبحسب شركة ستاندرد آند بورز جلوبال، فإن النمو السكاني، الذي يبلغ في المتوسط 3.3% سنويا حتى عام 2027، والزيادة الكبيرة في تدفقات المغتربين، يعملان على تغذية الطلب، وخاصة في الرياض.
ويتفوق هذا العامل، إلى جانب فرص العمل، على تسليم وحدات سكنية جديدة.
وبحسب تقرير ديناميكيات السوق العقارية في المملكة العربية السعودية الصادر عن شركة جيه إل إل للنصف الأول من عام 2024، فقد تمت إضافة 16.200 وحدة في الرياض و11.300 وحدة في جدة خلال هذه الفترة، مع توقع إضافة 16.000 وحدة أخرى في المدينتين بحلول نهاية العام.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا النمو، لا تزال قيود العرض تدفع الأسعار إلى الارتفاع. كما أن ارتفاع تكاليف البناء والمنافسة مع مشاريع رؤية 2030 تحد من القدرة على تحمل تكاليف الإسكان.
بالإضافة إلى ذلك، يتنقل سوق العقارات في المملكة العربية السعودية بين التغييرات التنظيمية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. وفي حين يبلغ متوسط تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر حاليًا 2% من الناتج المحلي الإجمالي، فمن المتوقع أن تنمو مع تطور الإصلاحات، بما في ذلك خيارات تأشيرة الإقامة الجديدة المرتبطة بالاستثمارات العقارية، وفقًا لشركة S&P Global.
ومع نضوج البنية التحتية للرهن العقاري، بقيادة كيانات مثل الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري، أصبح السوق على أهبة الاستعداد لزيادة السيولة والنمو.
سوق الرهن العقاري الثانوي
وتنطلق المملكة العربية السعودية في رحلة تحويلية لإنشاء سوق ثانوية للرهن العقاري، وهي الخطوة التي من شأنها إعادة تعريف قطاعي الإسكان والمالية في المملكة.
ومن خلال اتفاقيتين رئيسيتين، تعمل الدولة بشكل استراتيجي على مواءمة الخبرات العالمية مع التنفيذ المحلي لضمان السيولة في تمويل الإسكان، وتعزيز ملكية المساكن، وتعزيز التنوع الاقتصادي بما يتماشى مع رؤية 2030.
وفي تطور بارز، وقعت الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، مذكرة تفاهم مع شركة بلاك روك، أكبر مدير للأصول في العالم.
وتؤكد الاتفاقية، التي تم الانتهاء منها خلال زيارة رفيعة المستوى قام بها ماجد الحقيل، وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان، إلى الولايات المتحدة، التزام المملكة بالاستفادة من الخبرات العالمية لتطوير منظومة التمويل العقاري لديها.
ومن المتوقع أن تلعب الشراكة مع بلاك روك دوراً محورياً في إنشاء سوق ثانوية وظيفية للرهن العقاري من خلال وضع الأساس للأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري.
وستكون المعرفة الواسعة التي تتمتع بها بلاك روك في الأسواق المالية العالمية مفيدة في هيكلة هذه الأوراق المالية، المصممة لتحسين السيولة في السوق من خلال تمكين البنوك من بيع قروض الرهن العقاري المجمعة للمستثمرين.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا التدفق من السيولة إلى خفض تكاليف الاقتراض بالنسبة للأسر السعودية، مما يجعل امتلاك المساكن أكثر تكلفة.
ووصف روبرت كابيتو، رئيس شركة بلاك روك، هذا التعاون بأنه خطوة أساسية في مواءمة سوق التمويل العقاري في المملكة العربية السعودية مع أسواق رأس المال العالمية. وأكد على إمكانات هذه المبادرة ليس فقط لدعم أهداف الإسكان المحلية ولكن أيضًا لجذب الاستثمار العالمي.
وفي الوقت نفسه، وقعت الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري اتفاقية منفصلة مع البنك الأهلي وصندوق التنمية العقارية لتشغيل سوق الرهن العقاري الثانوي على المستوى المحلي.
تركز هذه الشراكة الثلاثية على إنشاء وإعادة تمويل محافظ الرهن العقاري، مما يضمن لسوق تمويل الإسكان إمكانية الوصول المستمر إلى التمويل.
وتهدف المبادرة أيضًا إلى تسريع إصدار الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري في السوق المحلية، مما يضع أساسًا قويًا للنمو المستدام في القطاع.
مع نمو نشأة الرهن العقاري، تزداد الحاجة إلى وجود سوق ثانوية لإدارة السيولة بشكل فعال.
ووصف الرئيس التنفيذي للشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري ماجد العبد الجبار الشراكة مع البنك الأهلي بأنها خطوة مهمة في معالجة هذه التحديات، فمن خلال تمكين البنوك من توريق الرهن العقاري وبيعه على هيئة أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري، ستعمل المبادرة على تعزيز السيولة وخفض تكاليف التمويل وتوسيع خيارات الإسكان للمواطنين.
وتأتي هذه الشراكات في وقت محوري بالنسبة للمملكة، حيث يشكل قطاع الإسكان محوراً أساسياً لأهداف رؤية 2030 المتمثلة في رفع معدلات تملك المساكن إلى 70% وتقليل الاعتماد الاقتصادي على عائدات النفط.
ومن خلال دمج قطاع التمويل العقاري في أسواق رأس المال العالمية، فإن المملكة العربية السعودية لا تضمن توفير السكن بأسعار معقولة فحسب، بل تعمل أيضاً على تعزيز مكانتها كقائد إقليمي في مجال الحلول المالية المبتكرة.