كانت إصابات النساء بسرطان عنق الرحم في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أقلّها في العالم حتى الآن، لكنّ دراسة جديدة تتوقع ارتفاعها مستقبلًا. كتب علماء إيرانيون في جامعة “تبريز” في مجلة “لانسيت” العلمية المرموقة، أنّ 80 في المئة من إصابات سرطان عنق الرحم تحدث في البلدان الغربية والصناعية المتطورة، إلا أنّ هذه النّسبة تنخفض منذ سنوات بفعل التلقيح والوقاية ضد فيروسات بابيلوما البشرية (HPV) التي تعتبر من أهم مسببات هذا النوع من السرطان.
ضعف اهتمام
في ظلّ التطور الجاري في البلدان الإسلامية النامية، وخصوصاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، توقّع الباحثون أن تزداد نسبة الإصابة بسرطان عنق الرحم باطراد. ولا يعود ذلك إلى الانفتاح الاجتماعي فحسب، وإنما أيضاً إلى ضعف اهتمام هذه الدول في التلقيح ضد بابيلوما، وفي مكافحة التهابات الرّحم.
كتب الباحث حسين بن زادة باقي، من مركز بحوث الأمراض الاستوائية التابع لجامعة “تبريز” الطبية، أنّ “ازدياد حالات التهاب الرحم بفيروسات بابيلوما ستؤدي في الوقت نفسه إلى ارتفاع نسبة الإصابات بسرطان عنق الرحم مستقبلًا في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
وكانت توقّعات مماثلة للباحث أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط العلمية الطبية، وعلى صفحات مجلة “لانسيت”، منذ كانون الثاني الماضي. وعلى هذا الأساس، توقّع باقي في تقريره أن تزيد نسبة الإصابة بسرطان عنق الرحم في الدول المسلمة المذكورة عن نسبتها في بلدان الغرب الصناعي حتى سنة 2050.
مجتمعات محافظة جنسياً
يعود سبب انخفاض نسبة التهابات الرحم بالبابيلوما في البلدان الإسلامية إلى كونها محافظة جنسياً، بحسب رأي باقي وفريق عمله. وأشار الباحثون إلى أن الانفتاح الاجتماعي في السنوات الأخيرة، وخصوصًا بين جيل الشباب، أدى فعليًا إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالالتهاب البابيلومي بين النساء. وهناك عزوف عام في البلدان الإسلامية عن التلقيح ضد فيروسات بابيلوما، سببه الأعراف الاجتماعية والخشية من العائلة وسرية العلاقات الجنسية… إلخ. ولا تقل السلطات الصحية في معظم هذه البلدان محافظة عن السكان، خصوصًا أن بعض هذه الحكومات تنقصه الامكانيات المالية والتقنية لتنفيذ مشروعات المسح الشعاعي وبرامج التلقيح.
لا إحصائيات كثيرة من الدول الإسلامية بشأن انتشار سرطان عنق الرحم فيها، لكن دولة الإمارات العربية المتحدة مثلًا تشير إلى أن سرطان عنق الرحم هو ثاني أسباب وفيات النساء. وتعترف الإمارات بأن معظم حالات سرطان عنق الرحم في الدولة لم يُكتشف إلا في مراحل المرض المتأخرة، وكان العلاج متعذرًا إلى حد كبير.
عواقب وخيمة
ثمّة عامل مساعد ظاهر، من وجهة نظر العلماء الإيرانيين، يتمثل بضعف برامج المسح الشعاعي للنساء بسبب انخفاض نسبة الالتهابات في عنق الرحم حتى الآن في هذه البلدان. وأدت هذه الحالة إلى انعدام التشخيص المبكر بسرطان عنق الرحم في البلدان الإسلامية، وتأخر وقت اكتشافه إلى ما بعد تفاقمه وبلوغه درجة متقدمة. وحذر الباحثون الإيرانيون من عواقب وخيمة يسببها هذا الإهمال في المستقبل.
سبق لوزارة الصحة التركية أن نوهت في صحيفة “لانسيت” أيضًا، في تشرين الأول 2016، إلى أن الحال تغيّرت في تركيا. وكتب الباحث مراد غولتيكن، من دائرة الصحة العامة التركية، أن تركيا أول بلد اسلامي يوصي النساء بالمسح الشعاعي للرحم كل 5 سنوات، في إطار برنامج عام للمسح الشعاعي يشمل النساء كلهن. وأوصى غولتيكن الدول الإسلامية الأخرى بإنتاج برامج مماثلة لمنع انتشار سرطان عنق الرحم الفيروسي.
القاتل الثالث
تتعامل منظمة الصحة الدولية مع سرطان عنق الرحم كثاني أكثر أنواع السرطانات شيوعًا، وثالث أهم أسباب وفيات النساء على المستوى العالمي. ومعظم حالات سرطان عنق الرحم سببها فيروسات (HPV) التي تنتشر من طريق الاتصال الجنسي. وهناك أنواع مختلفة من فيروس بابيلوما يؤدي بعض سلالاتها فحسب إلى الإصابة بسرطان عنق الرحم.
تكشف الإحصائيات الدولية لسنة 2012 أن سرطان عنق الرحم أصاب 528 ألف امرأة على المستوى العالمي، ماتت منهن 266 ألف امرأة. وهذا يعني أن نسبة الوفاة بسبب المرض ترتفع إلى 60 في المئة.
تشير “ويكيبيديا” إلى أنّ احتمال الإصابة بهذا المرض يختلف من مكان إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى. فعلى سبيل المثال، تصل في فلندا إلى 3.6 من كل 100.000. أما في كولومبيا فتصاب تقريبًا 45 امرأة من كل 100.000 بهذا المرض سنويًا. وتتراجع النسبة في ألمانيا إلى 12 امرأة من كل 100.000 سنويًا بحسب إحصائية تعود إلى عام 2002. وأظهرت الإحصائية نفسها أن هذه النسبة تزداد من 50 إلى100 ضعف عند النساء اللواتي لديهن استعداد وراثي.
قديماً، كان هذا السرطان من أعلى نسب السرطانات المسببة عن طريق العوامل الوراثية. لكن، من طريق الفحوص الدورية، أمكن تخفيض احتمال الاصابة بنسبة 25 في المئة في أوروبا