كل حالة من البلدان الخمسة مختلفة عن الأخرى، والظروف التي أحاطت بها وبعملية انتقال السلطة تنبع من واقع الظروف المحلية، وفي الحالة اليمنية يضاف إليها الجوار الجغرافي ممثلا في منظومة إقليمية – هي مجلس التعاون الخليجي – أكثر تضررا من حالة فوضى في اليمن، استطاعت بالتعاون مع الأمم المتحدة أن توجد صيغة مسار تسليم للسلطة رأيناها عندما سافر الرئيس السابق قبل الانتخابات الرئاسية ثم عودته في أعقابها.
وسمحت هذه الخطة الخليجية، التي شارك فيها المبعوث الخاص للأمم المتحدة، بإجراء انتخابات الرئاسة الأخيرة المبكرة التي جاء فيها المرشح الوحيد عبد ربه منصور هادي بنسبة تصويت عالية، لينتقل اليمن رسميا من عصر صالح، الذي استمر في الحكم رئيسا للشمال ثم اليمن الموحد تقريبا أربعة عقود، إلى عصر سياسي جديد تحت قيادة رئيس وحكومة جديدة يتمتعان بشرعية شعبية واعتراف دولي.
ولن تكون المرحلة الانتقالية سهلة، فالتحديات التي يواجهها اليمن كثيرة، بدءا من الاقتصاد، إلى المشاكل الأمنية وتهديدات «القاعدة» التي لا تعيش إلا مع الفوضى، إلى مشكلة الجنوب التي تحتاج إلى حكمة سياسية وصبر في معالجة الاحتقانات.
وكما يبدو فإن الأطراف السياسية الرئيسية، سواء التي قبلت المبادرة الخليجية أو التي تحفظت عليها، استوعبت وقبلت أن عصرا جديدا جاء ولا بد من منحه الفرصة لكي يواجه كل هذه التحديات، ولتمضي العملية الانتقالية التي كانت انتخابات الرئاسة بدايتها بشكل سلس.
بقي أن يستوعب الرئيس السابق وأنصاره هذه الحقيقة.. حقيقة أن عصرهم أفل وأن هناك عصرا جديدا عليهم أن يعطوه المساحة الكافية وألا يضعوا الحجارة في طريقه.
لذلك فإن تصريحات ساخنة مثل تلك التي أدلى بها الرئيس السابق أخيرا، والتي يتحدث فيها عن ثورة تخلف وبلاطجة، ويهاجم فيها الحكومة، معتبرا أنها لا تعرف ألف باء السياسة، لا تفيد أحدا، ولا هو نفسه، وربما تصب الزيت على النار وتعيد إشعال الموقف.
ولأن تجربة وجود رئيس سابق غير متوفى أو منفي أو مسجون تعد استثناء في المنطقة، فقد يكون النظر إلى المتبع في تجارب الدول في العالم التي تتمتع بأنظمة تداول سلمي للسلطة مفيدا، وهناك يتفرغ الرؤساء السابقون لكتابة مذكراتهم أو أنشطة اجتماعية وخيرية أو إلقاء محاضرات يبتعدون فيها عن السياسة اليومية أو التعليق على خلفائهم، وبعبارة أخرى لا يسعون لأخذ زمانهم وزمن غيرهم، وهذا في تداول سلمي طبيعي للسلطة.
في اليمن نجحت عملية انتقال السلطة من الرئيس إلى نائبه ثم الانتخابات المبكرة بشكل سياسي، لكن لا يمكن وصفها بتداول سلمي طبيعي للسلطة، لأن التغيير جاء بعد احتجاجات واسعة بالملايين في شوارع العاصمة والمدن الأخرى وصدامات دموية وانشقاقات في الجيش، ووصلت إلى درجة هجوم أو تفجير أصيب فيه الرئيس السابق في قصره الرئاسي وقتل فيه عدد من كبار معاونيه، ولم يكن هناك حل سوى رحيل الرئيس نفسه.
وقد تكون تصريحات الرئيس السابق التي تحدث فيها عن البلاطجة والمتخلفين من قبيل التنفيس عن الغضب، لكن هنا يأتي دور حزبه المؤتمر الشعبي العام، الذي سيحتاج إلى أصوات الناس في الانتخابات البرلمانية المقبلة إذا أراد أن يكون رقما مهما في المعادلة السياسية الداخلية كما قال متحدث عنه، فمثل هذه التصريحات لن تخدمه وقد تكون عبئا عليه، ولا بد أن هناك من يفكر في الحزب في أنه يحتاج إلى اختيار قيادة جديدة، فالسياسة ليست مكابرة أو ولاءات شخصية.
*نقلاً عن “الشرق الاوسط”