لم تدرِ منال شاهين، وهي أم لخمسة أطفال، أن ابنها عثمان الذي لطالما حلمت بأن يكون طفلاً مميزاً عن باقي إخوته، سيكون واحداً من بين أطفال العالم الذين يقعون ضحية إبرة التطعيم طوال حياتهم.
وفي منزل تسكنه الشمس من كل جانب، يسكن عثمان (5 سنوات) مع أبيه طبيب الأطفال أحمد شاهين ووالدته منال وأربعة إخوة آخرون في جباليا شمالي قطاع غزة، وجميعهم سخّروا حياتهم لأجل الطفل عثمان الذي سببت له إبرة التطعيم، وهو في الشهر السادس من عمره، تلفاً دماغياً أدى إلى ارتخاء عام وشديد في جميع عضلاته مع نوبات تشنجية متكررة، ورغم هذا تقول والدته أم علي: “أملي في الله كبير بأن يستعيد طفلي قدرته على التحرك ولو بصعوبة”.
وتتحكم منظمة الصحة العالمية في كيفية التطعيم لدول العالم، وعادة ما يأخذ الأطفال تطعيم cellular pertusis -DPT بعد ستة أشهر من ولادتهم، لكن العديد من الدول استغنت عنه تماماً، بسبب المضاعفات الكثيرة التي يسببها وأهمها يصيب الدماغ، مثل حالة عثمان، ولذلك قام قائمون بتصنيع بديل عنه acellular pertusis ولا يسبب أي مضاعفات، لكنه مكلف وغالي الثمن.
وقال الدكتور أحمد شاهين والد عثمان، الذي يعمل طبيباً للأطفال في مستشفى الشهيد كمال عدوان شمال القطاع: “في ذاك اليوم بدأت أشعر بعد أن أعطيت لأبني إبرة التطعيم للشهر السادس (DPT)، بتغير واضح في صحته خلال ساعات، وتفاجأت بحالة تشنج سريعة للطفل، فأسرعت به إلى المستشفى بعد أن أجريت له إسعافات أولية، لكن حالته كانت تزداد سوءاً بسرعة كبيرة لاسيما بعد أن أصبح لديه ارتخاء عام في جسده، أصبح ابني عثمان بعد يومين من إبرة التطعيم جسماً ساكناً يتنفس فقط”.
دموع الأم لم تجف
وأضافت الأم التي بدأت تذرف دموعها حسرة على طفلها: “كانت تمر أيام عليّ غاية في الصعوبة، وأنا أنظر إلى طفلي وأبكي بحرارة على ما حصل له، عانيت بشكل لا يستوعبه العقل. أخذت عثمان إلى مستشفى داخل إسرائيل وكنت حينها حامل بابنتي الصغيرة، وما إن وصلت المستشفى حتى بدأت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أوقفوا كل صور الأشعة والعلاج حتى انتهاء الحرب، فاستمر ذلك شهراً بالكامل، وهناك أنجبت طفلتي فيروز”.
وتعاني منال من عدم قدرتها على التواصل الاجتماعي لانشغالها بابنها الذي أصبح معاقاً، وقالت لـ”العربية.نت”: “نادراً ما أخرج من البيت؛ لأن عثمان أخذ مني كل حياتي، فهو لا يأكل إلا بعد خلط الطعام، حتى الأدوية التي يتناولها لا يمكنه بلعها، ولهذا نضطر لأن نعطيه أدوية من خلال الوريد، بالإضافة لأنه لا يتحكم في البول والبراز”.
وأكد والد عثمان، أنه في حال امتنع عن إعطائه التطعيمات اللازمة ضد الأمراض المعدية، سيؤدي ذلك الى وفاة ابنه، شارحاً أن “هناك حالات مثل حالة عثمان داخل قطاع غزة أدت إلى وفاة عدد من هؤلاء الأطفال بسبب مضاعفات التطعيم”.
لا علاج له
وأضاف لـ”العربية.نت” أنه لم يدخر جهداً لتوفير العلاج المناسب والمكلف جداً له في سبيل تحسين وضع ابنه، وتابع: “أخذته 5 مرات إلى مشافٍ داخل إسرائيل، حيث أكدوا أن حالة عثمان هي مضاعفات إبرة التطعيم cellular pertusis – DPT، كما اصطحبت عثمان مرتين إلى مشافي المملكة الأردنية الهاشمية، دون أي تحسن وبدأت أفكر بشكل جدي أن اصطحب عائلتي وعثمان للعلاج في أوروبا كوني أحمل الجنسية البوسنية لأن المشكلة تتفاقم كلما زاد وزن الطفل”.
وأكد والد الطفل أنه رفع قضية ضد منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة الفلسطينية اللتين تتحملان السبب الرئيس في مضاعفات التطعيم التي تؤثر على حياة الأطفال، وأشار إلى أن مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالأطفال غير مؤهلة بشكل جيد لاحتضان مثل هذه الحالات والمساعدة في علاجها.
يُذكر أنه بفضل التطعيم تلاشت أمراض كثيرة في العالم، وبينما تحدث المضاعفات لطفل من بين آلاف الأطفال، فإن منظمة الصحة العالمية تعتبر التطعيم نجاحاً عظيماً كونه يحمي من أمراض كثيرة. لكن ما ذنب هذا الطفل في نجاح تلك المنظمة في التخلص من أمراض مختلفة، سؤال طرحه والده الطبيب لـ”العربية.نت”.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-GP