تباينت آراء خبراء ماليين حيال طول وتوقيت إجازات سوق الأسهم السعودية، ففيما يرى البعض أن السوق يجب أن تتوافق مع ظروف الفرد السعودي وإجازاته ومناسباته الدينية، دعا آخرون إلى ضرورة استقلالية إجازات سوق الأسهم المحلية عن الإجازات الحكومية وربطها بشكل أكبر بالأسواق العالمية، وألا تتجاوز فترات إغلاق السوق يومين.
وبينوا أن إجازة عيد الفطر الحالية فوتت على المستثمرين فرصا كبيرة بسبب إغلاق السوق في ظل وجود محفزات إيجابية في الأسواق العالمية خلال فترة الإجازة، وأن طول الإجازات يؤدي إلى تكرار سحب الأموال من السوق قبل الإجازة لاستثمارها في أسواق عالمية ثم عودتها إلى السوق بعد انتهاء الإجازة، وذلك يفقد السوق استقرارها وثقة المستثمر، وفقا للاقتصادية.
ويرى المختصون، أن السوق ستعود اليوم بعد إجازة عيد الفطر المبارك التي استمرت لنحو عشرة أيام، بدأت بنهاية تداول يوم الأربعاء 15/8/2012، في وسط توقعات باستمرارية صعود المؤشر ومواصلة ما كان عليه الحال قبل التوقف، خاصة في قطاعي الزراعة وصناعة الأغذية، مشيرين إلى أن هذين القطاعين سيستفيدان من تلك الأحداث التي تشهدها الأسواق العالمية.
وأشار المختصون، إلى أن على هيئة سوق المال أن تتوافق مع شركة تداول في إجازاتها الرسمية وكذلك مع المصارف، مبينين أن ما يثير الغرابة تلك الإجازات الطويلة للسوق التي لن تكون خادمة للاقتصاد الوطني أو المتداولين فيها.
وأكد الدكتور عبد الوهاب القحطاني أستاذ الإدارة الاستراتيجية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ضرورة استقلالية إجازات السوق عن الإجازات والعطلات الحكومية لتكتسب سوقنا المحلية بعدا عالميا، مؤكدا أن أي إجازة يجب ألا تتجاوز يومين، ودعا إلى إنشاء وحدة مستقلة خاصة بسوق الأسهم تعمل في الإجازات الطويلة.
وأوضح أن العمل في إجازات الأعياد لا يتنافى أبدا مع تعاليم الدين، وكثيرون لديهم الرغبة في التداول أثناء الأعياد، خصوصا أن المستثمر يستطيع التداول وهو في بيته ولا يكلفه ذلك وقتا أو جهدا، وأضاف: “إن ما يتنافى مع ديننا الحنيف هو هدر أموال الناس من خلال التنظيمات غير المناسبة”. وتابع: “إن العمل على حفظ أموال الناس وتنميتها أكثر أولوية من العادات الاجتماعية”، لافتا إلى أن تعطيل السوق أكثر من عشرة أيام يعد كارثة على المستثمر.
ويرى القحطاني أن أوقات عمل السوق تحتاج إلى إعادة نظر بشكل كامل، وتساءل: لماذا يتأخر افتتاح التداول عندنا إلى الساعة 11 قبل الظهر؟ ولماذا لا يبدأ التداول في التاسعة صباحاً ليتزامن مع بداية عمل المصارف؟ وأضاف: إن توقيت عمل السوق وإجازاتها غير ملائمة، وخصصت لتناسب شريحة معينة من المستثمرين، وتدل على أن عمل السوق غير مؤسسي، كما أنها لا تراعي الأسواق الأخرى ليبدأ عملها بعد الأسواق الأخرى وبعد أن تهاجر أموال المستثمرين إلى تلك الأسواق.
وأضاف: إن طول إجازة عيد الفطر لهذا العام فوت على المستثمرين فرصا كثيرة، وهو ما اضطر البعض لأخذ أموالهم والذهاب إلى أسواق أخرى، كما أن بداية السوق بعد فترات التوقف الطويلة تكون ضعيفة، لأنها تجد صعوبة في استعادة نشاطها.
تقليل ثقة المستثمر
وبين أن تكرار سحب الأموال من السوق قبل الإجازات ومن ثم عودتها يقلل ثقة المستثمر، كما أن عدم توافق السوق السعودية مع الأنظمة العالمية يقلل مصداقيتها ومهنيتها، ويتسبب في هجرة الأموال إلى أسواق مستقرة.
وقال الدكتور علي التواتي، المحلل الاستراتيجي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز: “يفترض ألا تصل إجازة السوق إلى هذه المدة، ولا يرتبط مع إجازات الدوائر الحكومية، فهذه سوق يجب أن يطبق عليها ما يسري من أنظمة في قطاعات العمل الخاصة التي لا تزيد فيها مدة الإجازة الرسمية للأعياد عن أربعة أيام بأي حال من الأحوال”، مفيداً أن فترة الإجازة الطويلة تتسبب في دفع بعض المضاربين إلى سحب أموالهم من السوق قبل الإجازة وقد يستثمرها في مجالات أخرى ولا تعود للسوق مرة أخرى، كما أن المستجدات التي تحدث على الساحة في ظل وجود الإجازة تمنع الموجودين في السوق من اتخاذ أي نوع من القرارات.
وأضاف التواتي: “من المستجدات حديثاً أن الأسهم الأوروبية أثناء مدة الإجازة للسوق المالية في السعودية حققت أرباحاً لسبعة أيام على التوالي، ثم انخفضت منذ أربعة أيام في مستهل التعاملات لتوقف موجة صعود حاد بدأت في أواخر تموز (يوليو)، إلا أن الخسائر أيضاً كانت ضئيلة، وهو الأمر الذي لم يتحقق منذ عامين مضيا، وكانت تشكل دافعاً جيداً لشراء مزيد من الأسهم السعودية بشكل فوري”، لافتاً إلى أن السوق المغلقة لفترات طويلة تفتقد ميزة الاستفادة من الزخم العالمي.
ويتساءل التواتي: لو أن الظروف الإقليمية تغيرت أو حدث هبوط غير متوقع في الأسواق العالمية، فما ردة فعل المتداول أمام سوق مغلقة؟ مردفا: “بطبيعة الحال الخروج من السوق أسلم الأمور في مثل هذه الحالة، ولكن في ظل إغلاق السوق لهذه المدة الطويلة، فما على المتداول إلا أن ينتظر حتى تفتح السوق وتعود للتداول مجدداً على نسب منخفضة.
وأشار التواتي إلى أن سوق الأسهم ليست سوقا ترفيهية يمكن إغلاقها بكل بساطة لمدة كبيرة، بل إنها سوق مالية تدور فيها أكثر من خمسة إلى سبعة مليارات ريال في الفترة الحالية. وقال: “هناك موجة صاعدة ساعدت على صعود المؤشر، لماذا يأتي القرار ليجبر السوق على التوقف عند حد معين، وأن تتغير الظروف وأن تعاد الحسابات بعد العيد بشكل جديد”.
ويقول مانع البطاح – مستثمر وخبير في سوق الأسهم إن طول إجازات الأعياد يتسبب في بعدين سلبيين أحدهما فني والآخر نفسي، ويتمثل البعد الفني في أن السوق تفقد التناغم مع الأسواق العالمية والمؤثرات الدولية وتغرق في المحلية؛ ما يجعلها غير جاذبة للاستثمارات الأجنبية. أما البعد النفسي فإن المستثمر يرغب في البقاء قريبا من أمواله، وأن يملك إمكانية البيع والشراء والتصرف السريع في محفظته في أي وقت، خصوصا مع توتر الأوضاع السياسية في المنطقة.
وأضاف إنه بسبب ذلك يلجأ كثير من المستثمرين إلى تسييل المحافظ قبل إجازات الأعياد، ليس لحاجتهم للسيولة ولكن خوفا من سير الأحداث أثناء الإجازة.
من جهته، قال ماهر جمال، المحلل المالي، عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة: “هذه الإجازة التي أوقفت خلالها السوق هي مدة طويلة جداً، ولكن المشكلة أن المصارف مرتبطة بمؤسسة النقد، وكذلك الحال بالنسبة للارتباط مع هيئة السوق المالية مع مؤسسة النقد، وهذا أمر يجب أن ينظر إليه على نطاق أوسع، خاصة إن المصارف في اعتقادي ليس لديها إشكال في تأمين موظفين طوال فترات الإجازات”.
وتابع جمال: نحن حتى الآن لم توجد لدينا تلك تقنية “جي بي آر” التي تجعل من الأسهم السعودية مقروءة في الأسواق العالمية، وهي التقنية التي في حال وجودها ستتسبب في حدوث إشكالية كبيرة، ولذلك يجب أن ننظر للأمر حتى لو استمرت الجهات الحكومية في الدوام من خلال تكليف موظفين معينين بالوقوف على السوق وضمان استمراريتها وعدم دخولها في مراحل إجازات طويلة كما حدث في إجازة عيد الفطر هذا العام.