“إغ
القرار جوبه بحملة استنكار واسعة، واعتُبر سابقة خطيرة في دولة مثل الكويت؛ تتمتع بتاريخ عريق من الحريات الصحفية.
صدر أمر التعليق بحق الصحيفتين الكويتيتين بالتزامن مع صدور التقرير السنوي لنقابة الصحفيين الأردنيين حول حال الحريات الصحفية والإعلامية في الأردن خلال العام المنصرم.
التقرير المطول والشامل، أظهر تراجعا ملحوظا في مستوى الحريات الصحفية بنحو سبع درجات، مقارنة مع العام الذي سبقه (2012).
وعزا التقرير أسباب التراجع إلى تعديلات قانون المطبوعات والنشر التي نجم عنها إغلاق نحو 300 موقع إلكتروني؛ وتحويل زملاء إلى محكمة أمن الدولة وتوقيفهم في قضايا مطبوعات؛ إضافة إلى توقف إحدى الصحف اليومية فترة من الوقت، قبل أن تعاود صدورها بعد أن استغنت عن خدمات العشرات من صحفييها.
تبدو مسوغات التراجع في مستوى الحريات منطقية؛ فتعديلات قانون المطبوعات والنشر، على سبيل المثال، كان لها تأثير سلبي بالغ، وخلقت الانطباع، داخليا وخارجيا، بأن الأردن دولة تقيد الحريات الصحفية. وهذا ما أظهرته تقارير منظمات عالمية معنية بالحريات الإعلامية. كما يمكن تفهم الأثر السيئ والضرر الواقع على سمعة الحريات في الأردن جراء تحويل صحفيين إلى محكمة أمن الدولة بقضايا ليست من اختصاصها. وتعوّل نقابة الصحفيين على تعديلات قانون محكمة أمن الدولة المنظورة حاليا للكف، وإلى الأبد، عن محاكمة الصحفيين أمامها.
لكن ينبغي مقاربة حال الحريات الصحفية في الأردن من زوايا أخرى. لقد تسبب قانون المطبوعات والنشر المعدل في إغلاق عدد كبير من المواقع. غير أن معظم هذه المواقع تعود لغير الصحفيين، وأقرب ما تكون إلى الـ”بلوغز” منها إلى وسائل الإعلام المحترفة. أما المواقع المهمة التي تضررت من التعديلات ويديرها إعلاميون، فقد عادت وكيّفت أوضاعها مع القانون الجديد، بعد أن استنفدت الطرق القانونية لإبطاله دستوريا. وكما يلاحظ من يتابع هذه المواقع، فقد احتفظت بنفس سقف الحرية الذي كانت عليه قبل أن يتم حجبها، لا بل تجاوزته أحيانا من دون أن يُتخذ بحقها إجراء قانوني.
أما بالنسبة للصحف، فإن سقف الحرية مرهون بقرار رئيس التحرير؛ الذي بيده أن يرفعه وفق ما يسمح القانون، أو يخسفه في الأرض إذا شاء بإرادته أو استجابة لضغوط من جهات رسمية.
لقد عملت رئيس تحرير لمدة سنة تقريبا، ولا أذكر أن مسؤولا اتصل محتجا أو مهددا، مع أن أجواء البلاد في ذلك الوقت (العام 2011) كانت تموج بحراك سقفه “في العلالي” كما يقال.
الحقيقة أن التحولات التي شهدتها المنطقة وطالت الأردن، ساهمت في مرحلتها الأولى في رفع سقف الحرية. ومع انتكاسة “الربيع العربي”، وما ترتب عليها من شعور بمخاطر الفوضى وعدم الاستقرار، عاد سقف الحريات الإعلامية ليستقر عند مستوى معتدل.
مقابل ذلك، ما تزال مواقع التواصل الاجتماعي تشهد سقفا عاليا لحرية التعبير، يتجاوز في أحيان كثيرة المعايير القانونية والأخلاقية.
الحريات الصحفية في الأردن تراوح مكانها، وينبغي أن ندفعها إلى الأمام لنواكب حركة التغيير. وبالتزامن مع ذلك، لا بد من الأخذ بتوصية تقرير نقابة الصحفيين بإنشاء مجلس أعلى للشكاوى. وهو نفس المطلب الذي تبنته الاستراتيجية الإعلامية التي اعتمدتها حكومات من قبل، ثم وُضعت في الأدراج.