سلطان بن سعيد … مهندس نهضة عمان
بعد نحو 50 عاما حاكما، انسدل الستار في صمت على الحياة أقدم حاكم بالشرق الأوسط، تاركا عرشه بلا وريث، وبلدا بلا اعداء من سياسية خارجية عرفت بالحياد، ودستور داخلي جعل بلاده هادئة عرفت استقرارا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، دون معارضة.
وفي هذا العدد من مجلة مال واعمال سنرصد لكم اهم الانجازات التي حققتها عُمان في عهد سلطانها الراحل…
شهدت عمان في عهد سلطانها الراحل وبانيها قابوس بن سعيد تجربة تحدى في مسيرة كان اساسها ومرتكزها الرئيسي نهضة شاملة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كافة وذلك بفضل الفكر النير والنظرة الصائبة والثاقبة للسلطان قابوس رحمه الله في التعامل مع كافة الأمور والنظر إلى المستقبل وهو ما أعطى التجربة قوة دفع ذاتية ليواصل قطار النهضة سيره صوب المستقبل.
سياسة الوسطية والابتعاد عن النزاعات
الحديث عن سلطنة عمان وانجازاتها في عهد باني نهضتها السلطان قابوس رحمه الله يبدأ من خلال الحديث عن السياسة الخارجية لسلطنة عُمان التي رسّخها السلطان قابوس بن سعيد بملامح الشخصية العُمانية القائمة على التسامح واعتماد الحوار والنأي بالنفس عن النزاعات، فمنذ تولّي السلطان قابوس الحكم عام 1970، كانت عُمان محدودة العلاقات مع العالم الخارجي، بما فيها الدول العربية المجاورة، لكن السلطان ما لبث أن مد جسور الصداقة وفتح آفاق التعاون مع مختلف الدول وفق أسس من الاحترام المتبادل.
فبعد عام واحد من توليه الحكم عام 1970م انضمت عمان إلى جامعة الدول العربية وفي عام 1981م انضمت إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية فيما امتازت تلك السياسة بالسعي إلى تحقيق السلام ونشر التسامح والتعايش .
وبالرغم من محدودية علاقاته الخارجية فقد أسس السلطان الراحل منطلقات وأسس السياسة العمانية على قاعدة صلبة من العمل على تحقيق السلام والأمن والاستقرار، وقد أكدها بقوله إن السلطنة “دولة سلام” تسعى إليه وتعمل من أجل تحقيقه ولا تتردد في بذل كل ما يمكنها من أجل هذه الغاية النبيلة.
ومكن الهدوء والصراحة والوضوح السلطنة من طرح مواقفها والتعبير عنها بثقة مع الحرص على بذل كل ما هو مُمكن لدعم أي تحركات خيّرة باتجاه تحقيق الأمن والاستقرار.
ومما يزيد من قدرة السلطنة في هذا المجال أنها تتعامل مع مختلف الأطراف في إطار القانون والشرعية الدولية وإدراكها العميق للأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لهذه المنطقة على كل المستويات والتحديات المحيطة بها والتي تؤثر عليها.
مما جعلها تحظى بثقة وتقدير كبيرين، فكانت مسقط مقصداً للعديد من قيادات المنطقة والعالم للتشاور وتبادل الرأي مع السلطان قابوس، واحتضنت جهوداً عدة معلنة وغير معلنة للعمل على تقريب المواقف وتجاوز الخلافات بين الأطراف المعنية بمشكلات عدة إقليمية وعربية ودولية.
الدستور الداخلي
وعلى صعيد السياسة الداخلية يمكن تلخيص إرث السلطان قابوس في ثلاث محطات أساسية كبرى أهمها المصالحة الوطنية التي أطلقها منذ توليه الحكم وتحقيق الوحدة الوطنية وتوحيد البلاد تحت مسمى واحد “سلطنة عمان “.
تبعها بسياسة الانتقال المبكر إلى حكم دولة المؤسسات عبر إنشاء المجالس التمثيلية وانتقلت السلطنة بعدها بمعيته ” رحمه الله ” إلى مرحلة مرحلة جديدة تمثلت في إنشاء المجالس الاستشارية والشورى وإعلان أول دستور مكتوب في تاريخ عمان العام 1996 أو ما يعرف بالنظام الأساسي للدولة.
التعليم اولى اهتماماته
ولان التعليم هو اللبنة الاولى في بناء المجتمع وركيزة اساسية في نموه وتطوره فقد اتخذ رحمه الله منذ اللحظة الأولى لتوليه الحكم بالسلطنة قرار حكيما ومدروسا، بالاهتمام بمحور التعليم وجعله الأساس الذي يتم البناء عليه، واعتبره أحد الركائز الضرورية للنهضة والتقدم والحضارة وقاطرة التنمية المستدامة للبلاد ورفع شعار ” سنعلم أبناءنا حتى لو تحت ظل الشجر” وأخذ على عاتقه نشر مظلة التعليم في مختلف أرجاء السلطنة.
فبعد أن كان عدد المدارس قبل 49 عاما من عمر النهضة لا يتجاوز 3 مدارس، وعدد التلاميذ أقل من الألف و التعليم محصور بين التمهيدي والصف السادس الابتدائي، والتعليم مقصور علي الذكور دون الإناث أصبحت المدارس بالآلاف وتلاميذها بالملايين وهناك مساواة في التعليم بين الذكور والإناث وبات التعليم ممتدا من التمهيدي للابتدائي مرورا بالإعدادي و الثانوي وصولا إلى الجامعات والمعاهد والدراسات العليا، وتم توزيع تلك المنشآت التعليمية بجميع أرجاء السلطنة وتنوعت المدارس بين التعليم العام والتقني والإسلامي.
و يمثل التعليم العالي، وتوافر مراكز البحوث والدراسات العلمية والثقافية المعيار الأول لقياس مدى تقدم البلدان والمجتمعات، وهو عامل أساسي لرسم استراتيجيات بناء الإنسان والمكان، ومن هذا المنطلق كان التعليم العالي و لا يزال من الأبجديات التأسيسية لخطاب النهضة العمانية المعاصرة.
وتمثل ذلك الاهتمام بإنشاء العديد من مؤسسات التعليم العالي في مختلف المجالات الفنية، والصحية، والمصرفية، والتربوية، ومجال القضاء، والوعظ والإرشاد وغيرها، وذلك لتلبية احتياجات قطاعات العمل المختلفة.
القطاع الصحي
حققت السلطنة إنجازات جلية في مجال تطوير الوضع الصحي نتيجة للجهود الكبيرة التي بذلت بتوجيهات من السلطان الراحل، وشهدت الخدمات الصحية في سلطنة عمان تطورا ملحوظا طوال السنوات الماضية بعدما أمر “طيب الله ثراه” بإنشاء أعداد كبيرة من المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية في كل أرجاء عمان ومدها بكل احتياجاتها من أطباء ومعدات وأدوات وأدوية؛ ليؤمن بذلك صحة العمانيين في المدن والقرى والأرياف على حد سواء.
الثقافة والتراث
“إن بناء دولة عصرية تأخذ باحداث اساليب العلم والتقنية لم تجعل هذا البلد يتنكر لتراثه العريق وأمجاده التليد بل سعى دائما الى دمج الحداثة بلأصالة”.
مقولة حرص على قولها السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله وترجمها على ارض الواقع.
ويعد ذلك الجانب الأبرز والذي ترك آثاره الواضحة في عمان فبفضل قراره أصبح لدى السلطنة جامعة السلطان قابوس.
وللسلطان قابوس اهتمامات واسعة بالدين واللغة والأدب والتاريخ والفلك وشؤون البيئة وظهر ذلك في الدعم الكبير والمستمر للعديد من المشروعات الثقافية وبشكل شخصي ومحليا وعربيا ودوليا، سواء من خـلال منظمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ” اليونيسكو ” أو غيرها من المنظمات الإقليمية والعالمية.
في مجال الاقتصاد
و على المستوى الاقتصادي قامت النهضة العمانية على تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التي تحافظ على الموارد للأجيال القادمة، وانطلق قطار التنمية الاقتصادية في قطاعات السلطنة كافة عبر ما يقارب نصف القرن وأصبحت التجربة الاقتصادية العمانية نموذجا يحتذى .
فقد قامت النهضة والتنمية الاقتصادية على عدة ركائز أبرزها مواكبة متغيرات العصر الحديث في المجال الاقتصادي، والتخطيط السليم عبر خطة التنمية الاقتصادية الخمسية المتتابعة وفقا لاستراتيجية ورؤية شاملة واضحة ترجمت في الإنجازات الاقتصادية الكبيرة التي حققتها السلطنة عبر السنوات الماضية و التي تمثلت في ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي و حجم الموازنة العامة والمشروعات الاقتصادية التي تزخر بها كل مناطق السلطنة والمناطق الاقتصادية والمناطق الحرة الضخمة في صلالة وصحار والمنطقة الاقتصادية بالدقم والتي تمثل قاطرة التنمية المستقبلية في عمان.
وتعتبر ” عمان ” من أفضل الدول التي حققت إنجازات في التنويع الاقتصادي عبر التوسع في قطاع الصناعات خاصة صناعة البتروكيماويات وقطاعات الزراعة والسياحة وصيد الأسماك والخدمات اللوجستية والسياحة وغيرها، إضافة إلى التوسع في قطاع المشروعات الصغيرة ومشروعات ريادة الأعمال التي تتميز بها السلطنة.
واتسمت النهضة الاقتصادية العمانية بوجود دور بارز للقطاع الخاص في التنمية و دعم الدولة له في إطار الشراكة القوية بينهما واحتلت السلطنة المرتبة الأولى عالميا في الحرية الاقتصادية إلى جانب بناء عمان شراكات اقتصادية مع مختلف دول العالم وجذب الاستثمارات الأجنبية مثل المدينة الصينية بالمنطقة الاقتصادية بالدقم وكذلك الاستثمارات البريطانية والأمريكية واليابانية وغيرها.
وتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العماني بنسبة 0.3% خلال العام الماضي إلى 77.6 مليار دولار على أن ترتفع النسبة لتبلغ 5.9% خلال العام المقبل إلى 80.3 مليار دولار أمريكي.
وشجع السلطان قابوس المزارعين وعمل على تطوير طرق الزراعة و نقلها من الطرق التقليدية القديمة إلى الطرق الحديثة التي تعتمد على الآلات والمعدات الحديثة، لا على المجهود الإنساني فقط وقد قدم المساعدات السخية للمزارعين ليتمكنوا من استغلال الأرض واستثمارها ليتحقق لعمان الاستقلال الغذائي.
وأصبحت البلاد تنتج كل ما تحتاجه من غذاء من قمح وخضراوات وفواكه وغيرها على أن يصدر ما يفيض عن حاجتها طازجا أو بعد تعليبه إلى البلدان المجاورة.
وازدهرت التجارة في عهد السلطان قابوس في المجالين الداخلي والخارجي وارتبط ازدهار التجارة بتطور المواصلات التي تنقل المنتجات الزراعية من مناطق الإنتاج إلى سائر أرجاء عمان وإلى الخارج كما تقوم وسائل المواصلات بنقل المنتجات الصناعية من وإلى الدول المجاورة وبقية الأقطار الآسيوية والإفريقية والغربية خاصة إنجلترا وفرنسا وأمريكا.
وارتبطت عمان بشبكة من المواصلات البرية والبحرية، كما تم إنشاء موانئ بحرية وجوية للاتصالات الداخلية والخارجية وتم افتتاح ميناءين كبيرين هما ميناء السلطان قابوس في مطرح وميناء ريسوت في المنطقة الجنوبية.
وأطلقت سلطنة عمان في ديسمبر 2013 “رؤية 2040″، بهدف تحفيز اقتصاد البلاد، وتعزيز استدامة الثروات الطبيعية، لتحقيق الرفاهية.
وحصل طيب الله ثراه على جائزة السلام الدولية من قبل 33 جامعة ومركز أبحاث ومنظمة أمريكية سنة 1988 وفي عام 2007 منحته الجمعية الدولية الروسية جائزة السلام ، كما نال في العام نفسه جائزة جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي في الهند .
وحصل على عشرات الأوسمة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والهند ومصر والنمسا والسعودية واليابان و إيطاليا وغيرها من الدول العربية والأجنبية.
-
اعداد فريق مجلة مال واعمال