قال جهاد أزعور، المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إن الإصلاحات المالية والضريبية التي قامت وتقوم بها دولة الإمارات، وعلى رأسها خفض الدعم عن المشتقات البترولية، إضافة إلى تطبيق القيمة المضافة، ستسهم في تعزيز فائض الميزانية لدولة الإمارات خلال الأعوام القليلة المقبلة.
وأضاف في تصريحات خاصة للصحافيين على هامش مؤتمر عقد بالأمس في دبي، بمناسبة إطلاق الصندوق لتقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان، إن الاقتصاد الإماراتي يسير في الطريق الصحيح، نحو الوصول إلى أداء اقتصادي متزن، حيث تقوم الدولة بتنويع مصادر الدخل، وخفض الاعتماد على العوائد النفطية. وأضاف قائلاً: «مستقبل الاقتصاد الإماراتي والخليجي عموماً يتمثل في التركيز على القطاع الخاص».
وتوقع أزعور أن يصل متوسط سعر البترول خلال العام الجاري إلى مستويات 55 دولاراً للبرميل، مقارنة مع 45 دولاراً خلال العام الماضي، وهو ما يمثل نمواً بنحو 22 %.
مشيراً إلى أن هذا الارتفاع، سيسهم أيضاً في ارتفاع المداخيل وعودة الإنفاق الحكومي في الإمارات إلى مستويات أعلى. وأشار إلى أن الاستثمارات الضخمة التي تقوم بها دبي، خصوصاً ما يتعلق بحدث إكسبو 2020، تسهم بشكل كبير في تحريك عجلة النشاط الاقتصادي في الإمارة.
متوقعاً نمو اقتصاد دبي بنسبة تتراوح ما بين 3.5 إلى 4 %، وهو ما يعدل أعلى من المتوسط العالمي (3.1 %)، إضافة إلى أنه يتوفق على نمو اقتصادات أوروبا (1.6 %) وأميركا (1.8 %).
عدوى الخصخصة
وفي رده حول انتقال عدوى الخصخصة من السعودية، بعد طرح أسهم أرامكو للاكتتاب، إلى باقي دول الخليج والإمارات تحديداً، المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي، أن الخصخصة تعتبر جزءاً من إصلاح المنظومة المالية والاقتصادية التي كان على الخليج تبنيها، خصوصاً مع انخفاض سعر النفط، وضبابية المستقبل، ما دفع هذه الدول إلى اعتماد سياسة تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط.
وأشار إلى أن الإمارات، تعتبر مثالاً في ما يخص تنويع مصادر الدخل، حيث إن القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل التجارة والطيران والسياحة وغيرها، تمر بمرحلة جيدة جداً خلال السنوات القليلة الماضية، إضافة إلى توقعات باستمرارها في النمو.
وأكد أنه وفي ما يخص أرقام معدلات النمو بالنسبة للناتج المحلي في دولة الإمارات وباقي دول الخليج، أكد أزعور، أن صندوق النقد أرسل لجنة اقتصادية ومالية متخصصة إلى كل من الإمارات والسعودية، لدراسة مؤشرات النمو والأداء الاقتصادي بشكل عام، على أن يتم نشر هذه الأرقام خلال منتصف الشهر الجاري.
وأضاف قائلاً: «ما يمكن قوله، إن دولة الإمارات حققت أداء اقتصادياً متميزاً خلال العام الماضي، مع توقعات باستمرار هذا التميز خلال العام الجاري، وذلك على الرغم من التحديات الاقتصادية الإقليمية والعالمية، وعلى رأسها هبوط أسعار النفط.
وكونه مثالاً استطاعت الدولة خفض نسبة الدين العام من الناتج المحلي إلى ما يقارب 19 % بنهاية العام الماضي، مقابل متوسط إقليمي عند 85 %، ليجعلها بذلك من أقل الدول ديناً على مستوى المنطقة.
وعن تأثير ربط الدرهم بالدولار على أداء الاقتصاد المحلي خصوصاً في ظل الرفع المستمر لمعدلات الفائدة الأميركية، أكد أزعور، أن هذا التأثير كان ليكون كبيراً لو أن للإمارات ديوناً مقومة بالدولار بحجم كبير.
ولكن ديونها لا تتعدى خمس النتاج المحلي وأغلبها مقوم بالدرهم، مشيراً إلى أن الصندوق لا يرى حاجة لإعادة النظر في سياسة ربط العملات المحلية بالدولار، حيث قال: إلى الآن أثبتت هذه السياحة نجاحها بشكل كبير، وعليه نتوقع استمرار نجاحها.
واستثنى الصندوق الإمارات من قائمة الدول التي تستلزم إجراء تصحيحات مالية كبيرة، والتي على سبيل المثال السعودية والبحرين وعمان. وقال أزعور، على أنه وفي المقابل، من الضروري على دولة الإمارات الاستمرار في إصلاحاتها المالية والهيكلية، إضافة إلى تطوير رأس المال، عبر تكثيف استثماراتها في المشاريع عالية الدخل.
إضافة إلى تعزيز دعم القطاع الخاص من خلال استكمال تطوير بيئة الأعمال. كما استثنى الصندوق الإمارات من قائمة الدول التي تستوجب إصلاح النظام المصرفي وتطوير البنية التحتية وسوق العمل.
وكشف التقرير «أن معدل النمو الإقليمي يُتوقع أن يحافظ على نسبة 2.6% خلال العام 2017، وأن يرتفع إلى نسبة 3.4% في 2018، وذلك مقارنة بتقديرات معدل النمو العالمي التي تبلغ 3.5% و3.6% خلال 2017 و2018 على التوالي.
كما أشار التقرير إلى أن ارتفاع أسعار السلع وتعزيز التجارة العالمية سيدعمان النشاط الاقتصادي، في حين ستسهم معدلات الفائدة المرتفعة (بدرجات متفاوتة) في زيادة نقاط الضعف المالية في أنحاء المنطقة.
ووفقاً للتقرير، سوف يتباطأ معدل نمو الدول المصدرة للنفط في هذه المنطقة خلال العام 2017 نظراً إلى تخفيضات إنتاج النفط التي تم اعتمادها في أحدث اتفاق لمنظمة أوبك.
منظومة متكاملة
وقام عارف أميري، الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي، بتقديم لمحة عن التقرير الخاص خلال مؤتمر إطلاق التقرير والذي استقطب نخبة الخبراء والعاملين في القطاع المالي، وقال: «يعتبر تقرير»آفاق الاقتصاد الإقليمي«الذي يصدره صندوق النقد الدولي مصدر معلومات موثوق لقطاع الأعمال في المنطقة.
ولكل من يعمل في القطاع المالي. ومن المتوقع أن يكون التركيز في عام 2017 في أنحاء المنطقة منصباً على سياسة التنويع الاقتصادي والخصخصة ودمج الاقتصادات الناشئة في المنظومة المالية العالمية.
وهذه الاتجاهات من شأنها أن تعزز نقاط القوة لمركز دبي المالي العالمي، خاصة أن المركز يدعم تلك الاتجاهات بفضل منظومته المتكاملة وأطره القانونية الصارمة والقوية وموقعه الاستراتيجي في قلب الممر الجنوبي-الجنوبي.
ويكمن أحد أهم العوامل المعززة للاقتصاد الكلي في بروز اقتصادات الأسواق الناشئة التي تسهم في توفير فرص استثمار جديدة وتزداد أهمية مكانتها كونها مصدراً لرأس المال».
العجز التراكمي
وتشير التقديرات إلى انخفاض عجز الموازنة الكلي التراكمي للخمس سنوات بين عامي 2016 و2021 إلى 375 مليار دولار، مقارنة بمبلغ 565 مليار دولار وفقا لما ورد في عدد أكتوبر 2016 من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي.
ويتوقف هذا التحسن الكبير على الاستمرار في تنفيذ هذه الخطط المالية العامة الطموحة، وبدعم من الاتجاهات العامة المتوقعة لأسعار النفط. ومع التسليم بالحاجة إلى تحقيق التوازن بين السحب من الأصول وإصدار سندات الدين، تزايد لجوء بلدان المنطقة إلى استخدام الديون لتمويل العجز، وهو ما يتوقع استمراره في عام 2017.
فقد بلغت إصدارات سندات الديون السيادية الخارجية 50 مليار دولار في عام 2016، بزيادة تجاوزت 5 أضعاف قيمتها في عام 2015، الأمر الذي أسهم بدور رئيس في تمويل العجز الخارجي. ولا تزال أوضاع الأسواق العالمية مواتية للبلدان المصدرة للنفط القادرة على النفاذ إلى الأسواق، ما سيشجع على الأرجح الاستمرار في إصدار سندات الدين الدولي
وعلى سبيل المثال، ارتفعت عائدات سندات مجلس التعاون الخليجي السيادية المحررة بالدولار الأميركي بنحو 10 نقاط أساس بين 1 نوفمبر 2016 و24 مارس 2017، أي أقل بكثير من الزيادة البالغة 60 نقطة أساس في سندات الخزانة الأمريكية المعيارية لمدة 10 سنوات، غير أن الاعتماد على التمويل الخارجي عرضة للتغيرات المفاجئة في العزوف عن المخاطر على مستوى العالم، لذا يتعين إدارة المخاطر ذات الصلة بصورة فعالة.
ومن شأن إصدار سندات الدين المحلي أن يحد من المخاطر المتعلقة بالتمويل الخارجي، وأن يساعد على تطوير الأسواق المالية المحلية. ومع ذلك، يجب النظر بعناية في أي إصدارات محلية لتجنب مزاحمة القطاع الخاص في الحصول على الائتمان، وخاصة إذا كانت أوضاع السيولة ضيقة بالفعل.
ارتفاع أسعار النفط
بعد عامين من مستويات العجز المرتفعة، من المتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط وتصحيح أوضاع المالية العامة إلى إعادة الحساب الجاري الكلي للبلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان إلى وضع قريب من التوازن هذا العام.
غير أن التحديات الخارجية لا تزال قائمة، وسوف يسهم في تخفيفها ذلك التصحيح المالي المتوقع الذي سبق تناوله بالنقاش. ففي بلدان مجلس التعاون الخليجي.
نظراً لاعتمادها أسعار صرف ثابتة، ارتفعت أسعار الصرف الحقيقية بفضل تزايد قوة الدولار الأميركي مؤخراً، ما أدى إلى خفض القدرة التنافسية وزيادة الطلب على الواردات. كذلك شهدت الجزائر ارتفاع أسعار الصرف الفعلية الاسمية والحقيقية في الأشهر الأخيرة.
لا تزال البنوك في المنطقة تتمتع بمستوى جيد من الرسملة بوجه عام غير أن مستوى الربحية آخذ في التراجع، واتسمت أوضاع السيولة بالضيق في معظم البلدان وإن كانت قد شهدت بعض التيسير في الأشهر الأخيرة في دولة الإمارات والسعودية، كما بدأت الضغوط تنشأ على جودة الأصول في بعض البلدان.
وتواصل الإصلاحات التنظيمية في القطاع المصرفي تقدمها، فيعكف عدد من البلدان على تعزيز أطر تسوية الأوضاع في المؤسسات المصرفية، بما في ذلك استحداث قوانين الإفلاس في الإمارات ومقرر إطلاقها في السعودية، ووضع أطر إدارة الأزمات في الكويت.
وكانت أسواق الائتمان بمأمن في البداية من تباطؤ نمو الودائع، من جراء انخفاض أسعار النفط. وبينما قامت البنوك بزيادة التمويل الأجنبي بالجملة (البحرين وقطر(، واستعانت البلدان بأصولها الأجنبية ) الإمارات والسعودية وعمان)، فقد تباطأ نمو الائتمان بشكل كبير في عام 2016.
وبالنسبة لما بعد عام 2016، قد تتراجع وتيرة الطلب على الائتمان نظراً لانعكاس ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية على أسعار الإقراض، وإن كانت هناك عوامل منفردة مثل كأس العالم لكرة القدم 2022 التي ستستضيفها قطر ومعرض إكسبو 2020، الذي ستستضيفه دبي، حيث ستدعم الطلب على الائتمان في قطر والإمارات.
تسارع النمو الكلي في القطاع غير النفطي العام الجاري
توقع صندوق النقد الدولي في تقريره أمس أن يتباطأ النمو في البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان في عام 2017 بسبب تخفيضات إنتاج النفط المتفق عليها بموجب شروط اتفاق أوبك الأخير.
وفي المقابل، رغم تفاوت الآفاق بين مختلف البلدان، من المتوقع أن يتسارع النمو الكلي في القطاع غير النفطي في عام 2017 مع تراجع وتيرة الضبط المالي. وعلى وجه الخصوص، من المتوقع زيادة النمو غير النفطي في بلدان مجلس التعاون الخليجي من 2% تقريباً في عام 2016 إلى 3% في عام 2017.
أدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط بين أواخر 2014 والربع الثاني من عام 2016 في مختلف البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان إلى حدوث طفرة في مستويات عجز المالية العامة. وبلغ متوسط عجز المالية العامة نحو 10% من إجمالي الناتج المحلي في عامي 2015 و2016.
بيد أن موقف المالية العامة الأساسي، والذي يقاس بالرصيد الأولي غير النفطي ويستبعد منه أثر تحركات أسعار النفط، شهد تحسناً كبيراً في عام 2016.
حيث انخفضت مستويات العجز الأولي غير النفطي بمقدار 5.25 نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي في مجلس التعاون الخليجي (بقيادة عمان وقطر) وبمقدار 11 نقطة مئوية في الجزائر.
وسوف تؤدي الزيادة المتوقعة في أسعار النفط والتصحيح المستمر في الأوضاع المالية العامة إلى تقليص ملحوظ في مستويات عجز المالية الكلي في عام 2017 إلى 4.25 % من إجمالي الناتج المحلي في المتوسط، فالتصحيح المقرر في مجلس التعاون الخليجي والجزائر.
وعلى سبيل المثال، يعني أن مستويات العجز الأولي غير النفطي سوف تتحسن بمقدار 3.25 و5.5 نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، على التوالي.
وتشمل التدابير التصحيحية تطبيق زيادات أخرى في أسعار الطاقة. وفرض رسوم على العمالة الوافدة وفرض ضرائب انتقائية، وتطبيق زيادات في المعدلات الضريبية، وضبط الإنفاق الجاري وإجراء تخفيضات في الإنفاق الرأسمالي.
وتشير توقعات الصندوق إلى احتمال انخفاض مستويات عجز المالية العامة في البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان إلى أقل من 1 % من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2022 وهو تحسن كبير مقارنة بعام 2016.
وهذه التوقعات مشروطة باستمرار تنفيذ الإصلاحات المالية الطموحة. فعلى سبيل المثال، يعتزم صانعو السياسات في الخليج والجزائر إجراء مزيد من الإصلاحات في أسعار الطاقة، بينما يخطط مجلس التعاون الخليجي لاستحداث ضريبة القيمة المضافة في عام 2018.
ويمثل هذا التصحيح المتصور في أوضاع المالية العامة مطلباً ضرورياً لاستمرارية أوضاع المالية العامة على المدى الطويل، رغم الجهود الكبيرة التي بذلت بالفعل.
ومع ذلك، ينبغي ضبط وتيرة التصحيح لكي تتواءم مع ظروف كل بلد على حدة، فالبلدان ذات الاحتياطيات المالية الكبيرة، مثل الكويت وقطر والإمارات، يمكنها تصحيح أوضاعها بشكل تدريجي أكبر للحد من الآثار السلبية على النشاط غير النفطي.
بيئة داعمة
قال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي: إن توفر بيئة عالمية داعمة، بما في ذلك توقعات بمعدلات نمو أعلى وتثبيت أسعار السلع، يتيح لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان تنفس الصعداء قليلاً بعد مرور فترة صعبة.
من المتوقع أن يرتفع معدل النمو غير النفطي للدول المصدّرة للنفط في هذه المنطقة من 0.4% في العام 2016 إلى 2.9% في 2017، على الرغم من أن تخفيضات الإنتاج التي تبعت اتفاق منظمة أوبك تسهم في خفض نسبة النمو الإجمالي.
وفي ما يتعلق بالدول المستوردة للنفط في هذه المنطقة، فمن المتوقع أن يرتفع معدل النمو الإجمالي فيها من 3.7% في العام 2016 إلى 4% في 2017.