رب ضارة نافعة.. هكذا يقول المثل الشائع. وفي بريطانيا ومع تداعيات انفصالها الطوعي عن الإتحاد الأوروبي قبل أربعة أشهر، تزداد المقولة حضوراً، فبينما تتراكم أضرار التصويت لصالح “الرحيل” على الاقتصاد البريطاني، بدأت تشكل على النقيض من ذلك فرصاً عظيمة للمستثمرين الأجانب.
الـ Brexit لم يجعل فقط المركز المالي الهام للعاصمة لندن عرضة للاقتناص من قبل مدن أخرى أغراها اللقب لسنوات، فهو دفع أيضاً الجنيه الإسترليني نحو الهاوية فاقداً ما يفوق 20% من قيمته أمام الدولار منذ صوت البريطانيون لصالح مغادرة التكتل الأوروبي في يونيو الماضي، ووضع بذلك أطباقاً من ذهب أمام المستثمرين من مقني العقارات الأفراد إلى الصناديق الإستثمارية ذات الأصول الضخمة.
آخر المستفيدين من موجة انخفاض الإسترليني، كانت مجموعة أبوظبي المالية (ADFG)، التي تعمل في الاستثمارات البديلة بقطاع الخدمات المالية والعقارات، وتدير أصولاً بمليارات الدولارات في كل من الخليج وبريطانيا وأوروبا الشرقية. ففي إطار صفقة أبرمت عام 2014، استطاع الصندوق الإماراتي أن يوفر ما يفوق 100 مليون دولار يوم الإثنين المنصرم، بعد إنجاز الصفقة التي اشترت بموجبها (ADFG) المقر القديم للشرطة البريطانية في لندن المعروف بـ New Scotland Yard، وذلك بفضل الهبوط الحاد في سعر صرف العملة البريطانية.
قيمة الصفقة التي تعد الأضخم في السوق البريطانية منذ الـ Brexit، كانت في حدود 370 مليون جنيه إسترليني أي ما يعادل 451 مليون دولار، حيث دفعت المجموعة 10% فقط منها في 2014، فيما تم الاتفاق على إتمام المبلغ حين إنهاء عملية الشراء الذي ارتبط بانتقال الشرطة البريطانية إلى مقرها الجديد الأمر الذي استغرق عامين من تاريخ الصفقة.
هذا يعني أن دفع 90% المتبقية وهو ما يعادل 333 مليون جنيه إسترليني، بسعر الصرف الحالي عند 1.22 مقابل الدولار أي 406 ملايين دولار، قد وفر على مجموعة أبوظبي المالية (ADFG) ما يقارب 110 ملايين دولار، وهو مبلغ ضخم يفوق ربع قيمة الصفقة نفسها، إذا ما علمنا أن المبلغ الذي كان يتوجب على الصندوق الإماراتي دفعه هو 516 مليون دولار عندما كان الإسترليني بحدود 1.55 مقابل العملة الأميركية في نهاية 2014.
وتعتزم مجموعة أبوظبي المالية تحويل المقر الرئيسي للشرطة البريطانية إلى مشروع سكني فاخر، يراد له أن يصبح أحد أهم المعالم الجديدة وسط العاصمة لندن.
وفي العام 2014، كانت سوق العقارات مزدهرة في العاصمة البريطانية، ونتيجة للمنافسة عرضت ADFG سعراً أعلى من ذاك الاسترشادي الذي كان متوقعاً، مقابل شراء مقر شرطة “سكوتلانديارد” التي شكلت الصفقة جزءاً من حملتها لخفض التكاليف عن طريق التخلي عن المقر القديم بعدما شغلته لخمسة عقود مضت، والانتقال إلى موقع جديد، فضلا عن توظيف الوفورات لتحسين القدرة التكنولوجية لقوات الشرطة وتطوير المرافق.
أما الآن فالاستثمار العقاري في بريطانيا فقد حوالي 50% من حجمه بين يوليو وسبتمبر، مقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2015 وفقا لما نشرته “وول ستريت جورنال”. وفي حين هدأ الذعر الذي ولدته نتائج التصويت والذي هز القطاع العقاري في بريطانيا خلال الأسابيع التي تلت الاستفتاء، بدأ عدم اليقين حول طبيعة الخروج الفعلي والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي بعد الانفصال يضيق الخناق أكثر على آفاق الاقتصاد ككل، مخلفاً انخفاضاً ملحوظاً في عدد الصفقات المبرمة في السوق العقارية البريطانية التي ظلت لعقود جنة استثمارية لرؤوس الأموال الأجنبية.